الوجه الآخر لحرية التعبير هو التزامك بالاستماع للرأي الآخر

الأذن أولاً أم اللسان؟

رانية سليمان سلامة

أعدت إحدى الزميلات تحقيقاً صحفياً عن الحوار الصحي أدركتُ بعد قراءة مقوماته أن مشاكل الحوار لا تبدأ من عضلة اللسان ولكنها تبدأ من طبلة الأذن ... والمعادلة الصحية التي خرجت بها تؤكد أن مشوار الحوار يبدأ بالتقاط الأذن للصوت والآخر لينتقل منها إلى العقل الذي يقوم بدوره بامتصاص هذا الصوت واستيعابه والتفكير به ثم يُرسل الأوامر لعضلة اللسان حتى تتحرك وفقاً للفهم الذي توصل له العقل. وهي معادلة يعتريها الخلل إذا انتقل الصوت بأوامر مباشرة الى عضلة اللسان ليتحرك قبل أن يدخل الى تلافيف الدماغ لفلترته، أو إذا انحرف نحو القلب قبل أن يرتد للسان مشحونا بعواطف لها تأثير سلبي على مسار الحوار.

جملة اخرى استوقفتني في التحقيق تقول (الوجه الآخر لحرية التعبير هو التزامك بالاستماع للرأي الآخر) فليس من ادبيات الحوار أن تكتفي بالحديث عن ما يجيش في صدرك دون أن تمنح الطرف الآخر حقه في أن تنصت إليه.. وثمة فارق بين أن تسمع وأن تستمع, فنحن نسمع كلّ الأصوات المحيطة بنا شئنا أم ابينا، ولكننا نقرر أن نستمع ونصغي باهتمام فقط عندما نكون جادين بخوض حوار. وإضاءة اخرى على أدبيات الحوار تؤكد أن القناعة يجب أن تكون الهدف الذي تودّ الوصول إليه في نهاية الحوار، وليس العكس فلا يمكن أن يصل حوار إلى نتيجة إذا ما بدأ كل من أطرافه بالتعصب لقناعة ترسّخت بداخلهم لتؤدي تلك البداية الخاطئة إلى جدل عقيم.

اذا لم نستمع فلن نفهم، وبالرغم من أن فرص الاستماع لدينا مضاعفة كما تقول الحكمة الإغريقية، حيث إن الإنسان يملك اذنين ولسانا واحداً فقط ليستمع أكثر مما يتحدث، إلا ان العكس هو الصحيح. وما نحتاج إليه حقاً هو تفعيل دور الأذن وتدريبها على مهارات الاستماع. وهناك تجارب مثيرة في هذا المجال، فقد اشارت - على سبيل المثال- احدى الدراسات الامريكية الى ان الشعب الامريكي يعاني من مشكلة في عملية الاستماع للآخر. فأسست مجموعة منهجا للتدريب على هذه العملية وبدأت بإدخاله كحصص إضافية للطلاب في المدارس والجامعات، بالاضافة لدورات تساعد الإنسان على توظيف هذه القدرة بالشكل المطلوب لتكون الأداة الأهم في التواصل مع الآخرين وتعمل قبل عضلة اللسان. وإن كنا نعتبر أن تجربة الحوار الوطني في مجتمعنا الخطوة الأولى لإرساء مفهوم الحوار، فإننا نتطلع إلى ان يكون من بين مخرجاتها توصيات ولجان تهدف, بخطط مدروسة، الى نشر هذه الثقافة لدى العامة. وأخص بالذكر النشء والشباب لتفادي الأخطاء الجسيمة التي تؤدي بالحوار الى طريق مسدود، بسبب أذن لا تستمع، بالرغم من أنها تسمع، أو عقل يرفض أن يفهم بالرغم من أنه يستقبل الأفكار، أو لسان يعجز عن السيطرة على عضلاته ليُعبر بالكلمات المناسبة في الوقت المناسب.

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ