المشاكل الزوجية تتوالد بعدم التقدير وتتكاثر بسوء الفهم

النظرية النسبية في العلاقات الزوجية

رانية سليمان سلامة

بعيدا عن نظرية النسبية الفيزيائية التي وضعها العالم آينشتاين نتداول مصطلح النسبية بشكل مختلف للقياس فنصف أموراً عديدة في الحياة بأنها نسبية يتغير مفهومها من شخص لآخر، لكننا غالباً نتجاهل العوامل المسببة لهذا التفاوت... على سبيل المثال يعتبر الجمال أمراً نسبياً كما تعتبر السعادة نسبية، رغم أنني لاأعتقد بوجود إنسان سعيد، ولكن توجد لحظات من السعادة اختصرها بتعريف مقتبس من كتاب "بالرغم من كل شيء بإمكانك أن تكون سعيداً" حيث يقول الكاتب البريطاني: "السعادة هي الحاضر... هي هذه اللحظة وهذا المكان حيث تعطي عقلك لحظة استرخاء... تتذكر كل ماتملك وتستمتع بالسعادة دون أن تعلق أسبابها على أحداث معينة تترقبها أو تصور محدد لاتحيد عنه... فكر كيف تكون سعيدا الآن فقط"... للوهلة الأولى أذكر أن ذلك التعريف كان محبطاً بالنسبة لي وشعرت أنه يتحدث عن "السعادة البلهاء" التي تتطلب تعطيل العقل للاستمتاع، ولكن يبدو أن الكاتب كان واقعياً للغاية وهو ربما من حيث لايدري أشار إلى أن السر في الإحساس بالسعادة هو الرضا والشعور بتقدير ماتملك بينما المبيد الفتاك لها هو الطمع من المزيد أو التفكير السلبي.

تبقى السعادة هي ضالة الإنسان رغم أنه يضل الطريق كثيراً أثناء بحثه عنها بسبب خلل في تعريفها أو عجز عن إخراجها من حيز الخيال للواقع، وتظهر عملية البحث في أعقد صورها عند الحديث عن السعادة الزوجية كونها نوعاً من أنواع السعادة التي لا تتحقق إلا بقسمتها على اثنين، وتكمن الصعوبة في "النسبية"، ذلك أن كلاً من طرفي العلاقة الزوجية يبحث عن السعادة المفقودة وفقاً لتعريفه وحده وقد يصل بتلك الآلية إلى الطلاق قبل أن يصل إلى السعادة.

لفتت انتباهي إحصائية لوزارة العدل نشرتها صحيفة الشرق الأوسط في ديسمبر الماضي، تنبه إلى ارتفاع معدلات الطلاق وإلى أن صكوك الطلاق ارتفعت لتمثل 24% من إجمالي عقود الزواج التي بلغت 105066 عقداً مسجلة بالمحكمة عدا العقود التي تمت ولم تسجل في المحكمة. وأرجع الاختصاصيون انتشار الطلاق لدى حديثي الزواج إلى عوامل عديدة من بينها أن الجيل الحالي لايعي ثقافة الحقوق والواجبات الزوجية ويُطلق رصاصة الطلاق بسهولة إلى جانب الجفاف العاطفي. ولا أدري إن كانت هي بالفعل مشكلة جيل أو هي في الواقع مشكلة مجتمع يتحرج أغلب أفراده من اللجوء للمساعدة عندما يتعلق الأمر بعلاقات خاصة، أو يمنح الفرد نفسه حقاً حصرياً بحل مشكلة يفترض أن يشرك فيها شريكه.

لا أود هنا الاستشهاد بتجارب فاشلة ومحبطة للتنظير ولكن تحضرني تجربة ناجحة لإحدى الصديقات حيث عانت لـ 10 سنوات تقريباً من البحث اليائس عن السعادة الزوجية دون جدوى ودون أن تلجأ لمساعدة حتى تفاقم الأمر وتحول البحث عن السعادة إلى تعاسة محققة بانتظار رصاصة الرحمة... لحسن حظها أن الوقت الضائع بين إطلاق الرصاصة والتأهب لاستقبالها قد حان بعد أن انتقلت وزوجها للعمل في الخارج حيث صادفت ذات يوم في طريقها عيادة (مستشار زواج) وشعرت أنها للمرة الأولى بوسعها أن تسرد قصتها بلا حرج لمختص. والجميل أن تجربتها لم تكن مجرد لحظات من (الفضفضة) كما اعتقدت في بداية الأمر، لكنها دخلت إلى العيادة زوجة تعيسة على وشك أن تحمل لقب مطلقة فخرجت لتبدأ رحلة السعادة الزوجية.

أما الخطوات المطلوبة لتلك الرحلة فقد كان من بينها الاعتراف بمميزات الطرف الآخر وتقديرها، تفنيد العيوب وتقسيمها إلى قسمين أحدهما بوسعها تغييره بذكاء والآخر بوسعها التعايش معه وتقبله إذا نجحت بمساعدة المستشار على استيعاب خلفية زوجها الثقافية ونشأته الاجتماعية وطبيعته النفسية. وأخيراً بتجنب مقارنة حياتها الزوجية أو زوجها بالآخرين. فالمشاكل الزوجية تتوالد (بعدم التقدير) وتتكاثر (بسوء الفهم) وتصبح مستحيلة الحل عند تعقيدها بمقارنات يبنيها عقل كل من الطرفين ليشعر أنه يستحق أفضل من هذا الشريك أو أن فرصاً أفضل للزواج كانت أو (لاتزال) متاحة بحثاً عن السعادة المفقودة.

تلك التجربة صارحتنا بها الزوجة السعيدة اليوم بعد عامين من النجاح وكان أول مافعلته عند عودتها إلى أرض الوطن ومعرفتها لعدد المطلقات من صديقاتها وقريباتها أن تحاول معرفة عدد العيادات المتخصصة لتقديم (الاستشارات الزوجية) في مدينة جدة فقط فكانت النتيجة التي وصلت إليها عن طريق المستشفيات والمراكز التي تضم عيادات خاصة هي وجود مستشار واحد سعودي ومستشارتين سعوديتين تعاني عياداتهم من ضغط شديد في المواعيد وتعتبر تكاليف الزيارة مرتفعة جداً وبالتالي تنحصر الاستفادة من الثلاثة على فئة محدودة من المجتمع، كما توجد في بعض المستشفيات عيادات نفسية أغلبها لايضم فريقها طبيباً متخصصاً في هذا المجال ولكن تمر به حالات كثيرة من هذا النوع فيجتهد ويفتي فيها، كما أنه يوجد – وفقاً لمحاولتها البحثية – 3 مستشارين مختصين غير سعوديين في مستشفيات خاصة وعياداتهم لاتحظى بإقبال. وأخيراً يوجد متطوعون من الأقارب والأصدقاء بعدد التعداد السكاني للمملكة مستعدون لتقديم نصائح عشوائية للزوجة والزوج قد تؤدي حتماً إلى الطلاق.

هناك توجه إيجابي في السنوات الأخيرة للتوفيق بين مخرجات التعليم وسوق العمل، ويبدو لي أننا أمام مشكلة انتشار الطلاق لابد أن تكون من بين الحلول المطروحة الاهتمام بالطب النفسي وفروعه في جامعاتنا على أمل أن نجني من مخرجات هذا التعليم ماقد يسهم في توفيق الرؤوس تحت سقف الحلال قبل أن تخرج منه إلى ماهو أبغض عن الله.

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ