النضج كفيل بإصلاح الخلل التنظيمي للمنتدى الاقتصادي

ترميم الحوض الفكري

رانية سليمان سلامة

«اقطع السلطعون»، ترجمة وردت على شريط فيلم أجنبي أثناء عرضه على قناة عربية والمقصود كان ترجمة لعبارة «Cut the Crap» التي جاءت على لسان البطل، والمؤكد أن المشاهد الذي يعتمد على الترجمة لم يفهم منها شيئاً!! فالمشهد لم يكن فيه (سلطعون) كما أن الفيلم لم يكن يحكي عن الحياة البحرية، والأهم أنها عبارة لايمكن ترجمتها حرفياً لأنها رمزية وتحمل معنى الأمر بالتوقف عن الهراء، كذلك لو أنها ترجمت حرفياً لن نجد فيها سلطعون فالمترجم تشابهت عليه الأحرف واجتهد في الترجمة دون تحري الدقة ليصل المعنى للجمهور.

لا أدري لماذا تذكرت هذا المثال وأنا أتابع الحملة الإعلانية التي انطلقت عن منتدى جدة الاقتصادي 2007 تحت شعار (الحوض الفكري) تعريباً لمصطلح Think tank... فالحوض هو القاع وبالتأكيد لم يكن المقصود (القاع الفكري)، كما أن المعنى الأكثر شيوعاً للحوض عند العامة هو (حوض الغسيل) والمنتدى لايغسل الأدمغة بقدر مايهدف إلى تفاعلها، ذلك التفاعل ربما كان من الأنسب وضعه في وعاء. تعريب الشعار كان خطأ يكشف عن افتقاد مؤسسات الدعاية والإعلان لمختصين بمهمة Copywriting وهي مهمة تتطلب أن يتحلى صاحبها بإلمام كافٍ عن موضوع الحملة بالإضافة إلى موهبة في التعبير وقدرة على الصياغة مع استيعاب لطبيعة الجمهور وثقافته ليصل المعنى وتكون العبارات القصيرة التي يصيغها كافية للفت الانتباه والتعريف بهوية المنتج.

منتدى جدة الاقتصادي منذ بدايته يحسب له أنه يرمي الأحجار بمبادراته في المياه الراكدة لتتحرك في اتجاهات اقتصادية وسياسية وثقافية ويتصاعد الحراك مع العواصف الاجتماعية والإعلامية المصاحبة له... وهو في كل عام مختلف عن العام الذي يسبقه بمفاجآته، والمثل يقول «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» والمنتدى كذلك على قدر أهميته يحظى سنوياً بالاهتمام والثناء والتشريح والنقد.

أبرز مافي منتدى هذا العام هو اختياره للإصلاح الاقتصادي موضوعاً رئيسياً للجلسات... وهو اختيار موفق يعكس (كعنوان) الخطوات المحلية الرائدة التي يجري اتخاذها في هذا الإطار، ويواكب قرار مجلس الوزراء الذي صدر مؤخراً بالموافقة على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وهو قرار يكشف عن أن المملكة قد وصلت إلى مرحلة من التقدم والوعي وحققت على جميع الأصعدة انجازات ونجاحات مشهودة جعلتها تقف على أرضية صلبة لايمكن أن تهتز بالاعتراف بجوانب قصور أو فساد لأن كفة الصلاح قد رجحت، ولأن ثقتها بالتخطيط السليم أصبحت تؤهلها لمواجهة الأخطاء ومعالجتها. هذا النموذج لمفهوم الإصلاح بالإمكان إسقاطه على منتدى جدة الاقتصادي الذي بلغ مرحلة من النضج والرشد وأوجد لنفسه مساحة على خارطة المنتديات الدولية... وكونه هذا العام قد تصدى لمفهوم الإصلاح، وكوننا ندرك أن الشفافية تعد من أهم العناصر المطلوب توافرها لعملية الإصلاح كما نفترض أن من يتبنى تقديمها للجمهور هو خير من يطبقها، فلابد أن تتسع صدور القائمين على منتدى جدة الاقتصادي لتقبل النقد والاعتراف بالأخطاء ومعالجتها.

لن آتي بجديد إذا استعرضت كم الأخطاء التنظيمية التي وقعت في المنتدى هذا العام ولكن السؤال الذي لم أجد له إجابة حتى الآن (من هو المسؤول عنها؟) فحتى الآن كل من امتلك جسارة الاعتراف بأخطاء نجده يستدرك متنصلاً من المسؤولية، بل وربما هناك إجماع على أن (المذنب هو الوقت) أو عوامل أخرى خارجة عن نطاق السيطرة تكالبت واجتمعت لتنتج عنها مشاكل في جدول الجلسات ومحاورها وفي التسجيل وفي استيعاب المكان للحضور وإيجاد مواقع للإعلاميين.

مجدداً يحسب للقائمين على منتدى جدة اعترافهم (ضمنياً) بوجود خلل وهو أول طريق الإصلاح، غير أن تحديد أسباب منطقية أو قرارات أو أشخاص يتحملون المسؤولية لمناقشتهم هو المطلوب، خاصة وأن أعذار التوقيت والعوامل الخارجة عن إطار السيطرة هي نفس الأعذار التي تتكرر دائماً بالرغم من أن الإدارة تتغير... وهذا يعني أننا قد عجزنا عن وضع أيدينا على موقع الخلل، كما يعكس أن كل إدارة جديدة لم تنجح بالاستفادة من تجارب الإدارات السابقة بل تختار أو تجد نفسها مجبرة على البداية من نقطة الصفر، وبينما تتطور بقية المنتديات الدولية نحو الأفضل وتتعملق يعود منتدى جدة إلى بطن أمه ليولد من جديد على يد كل إدارة جديدة.

بعض الإنجازات من الممكن أن نكتفي بتجييرها لأفراد، وبعض الأخطاء البسيطة بالإمكان أن نتركها (عائمة) تدور حولها علامات الاستفهام حتى تغرق في أحواض النسيان... أما عندما يحمل الحدث اسم مدينة (جدة) ويقدم نموذجاً لاقتصادنا الوطني والقدرة على استقطاب الحضور الدولي والتخطيط والتنظيم فنحن جميعاً شركاء في حصد ثمار نجاحه وتكبد خسارة فشله، ولذلك من حقنا أن نطمئن إلى أن الأخطاء قد تم تحديدها بوضوح وأن المسببات باتت معروفة وأن هناك آلية ترميم وإصلاح ترتكز على خطة ومنهج ولا تعتمد بالكامل على الاجتهادات الفردية للجنة القائمة على المنتدى.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ