حق تقره الشرعية الدولية

المطالبة بتجفيف منابع السرطانات الاستيطانية

رانية سليمان سلامة

منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001, وقع العالم أسيراً لخطر الإرهاب وحتمية مواجهته, واتخذت تلك المواجهة صوراً عديدة أدى بعضها إلى انتشار نوع جديد من (الفوبيا) بين الناس, قد يعجز علم النفس عن إيجاد العلاج له نظراً لغموض ملامح الوباء لدى المجتمع الدولي والاختلاف على تعريفه وتحديد مصادر الإصابة به وطرق نقل عدواه وأعراضه ومضاعفاته وهوية ضحاياه... فهو حيناً الترويع وآخر العدوان وأخيراً المقاومة, وبينها أمور مشتبهات, مباح لكل ذي قوة أن يلبسها لباس الإرهاب, وفقاً لمصالحه وتفعيلاً لقضاياه... وبين هذا وذاك أيضاً قد يتحول الإرهاب من واقع يُهدّد الإنسانية بمخاطره ويستوجب التخطيط لإيقافه إلى أداة يصنعها الشيطان من العدم لعلة في نفسه العليلة... وتختلط المفاهيم بهذا الشكل حتى لا تعدْ تدري إن كان الإرهاب أمامك أو يتربّص لك من الوراء, بل ربما تتلفت حولك خشية من أن يكون من الهواء الذي تتنفسه في بيتك.

لكن ثمة أمور وممارسات لا يمكن الاختلاف عليها أبداً, لأنها واضحة وضوح شمس آب الساطعة التي لا تجرؤ على حجب ضوئها السحبُ السوداء... فالإرهاب في بعض الأحيان يُعرّف عن نفسه بوضوح لا يقبل التشكيك ويخلع رداء الأشباح مُتوشحاً قرون الشيطان بجرائم بشعة تدينها الفطرة الإنسانية السوية, وانتهاكات تخرق كافة القوانين الدولية والتشريعات السماوية... ويستحق حقاً هذا الإرهاب التعاون الشامل بين الدول والأفراد لمكافحته وبتره من جذوره. وبالتأكيد لا غضاضة لدى عاقل أو حصيف في أن تشارك الدول العربية والإسلامية مع المجتمع الدولي للقضاء على هذه الظاهرة, التي كنا فيها المتهمين في بعض الأحيان بالرغم من أننا الضحايا في الكثير من الأحوال... ولا يعيبنا أن نُصدّق على المعاهدات الدولية لمكافحة الإرهاب, وأن نسعى للالتزام بها بما تتضمنه من ضرورة تجفيف المنابع وملاحقة المؤسسات والمصارف والجمعيات الخيرية, للتحقق من عدم ضلوعها في تمويل الإرهاب, فلا أحد يودّ أن يدعم تلك الممارسات الخرقاء أو يُسهم من حيث لا يدري بأمواله في قتل النفس التي حرم الله.

غير أن التزام وسعي الدول العربية والإسلامية وإثباتها حسن النوايا للمجتمع الدولي بالأعمال لا الأقوال في حرب مكافحة الإرهاب, كفيل بأن يعطينا حق المطالبة بكفّ العدوان عنا, وعلى أقل تقدير المطالبة بتجفيف منابع السرطانات الاستيطانية المزروعة في قلب أراضينا المحتلة, والتي أقرّ العالم بلا خلاف عدم شرعيتها وحتمية إزالتها... من حقنا بل من أدنى حقوقنا أن نُطالب دول العالم بفتح التحقيق مع المؤسسات التجارية والجمعيات الخيرية التي تقدم التبرعات لبناء المستوطنات وهي كثيرة وما انكشف أمره لنا منها قد نكون اكتفينا بحملات شعبية لمقاطعته... غير أن هناك بالتأكيد من الجهات التي لا نعلم عنها والتي قد نصل إليها إذا ما تعاونت معنا الدول الحاضنة لها لنكشف الجمعيات الخيرية التي تعمل بلا رقيب وتحتضنها أراضٍ أمريكية أو أوروبية لتجمع التبرعات وتُمول إنتاج معاول تهدم الأمل بنجاح عملية السلام وتدعم الاغتصاب غير المشروع وفق القانون الدولي الذي امتثلنا إليه.

ولعل إلهامي في طرح هذا المطلب هو بروز أصوات من المجتمع الإسرائيلي بدأت تُدرك خطورة المستوطنات على موقف المجتمع الدولي من إسرائيل, فطالب أخيراً (يهودا ليطاني) بصحيفة (يديعوت أحرونوت) أن تتوقف تلك المسرحية المخجلة التي تتفنن حكومة شارون بتأدية بطولتها معطلة إخلاء المستوطنات المقيتة, ولو اضطر الأمر بأن يتم قطع الماء والكهرباء عنها لإجبار المستوطنين على إخلائها -على حد قوله-... وليتنا نسبقهم إلى ذلك لنقطع الماء والكهرباء بأيدينا لا بيد عمرو مُطالبين بحق شرعي يُجفف منابع المعتدين على أراضينا... وحق لا يقف وراءه مطالب, لا عجب إن ضاع.

 

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) لإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ