السرقة المبررة

اللصوص غنيمتنا من الحروب الإلكترونية

رانية سليمان سلامة

لم يعد من المستغرب أن تتجه للشراء من شركة عالمية على الانترنت فتجد أنك ودولتك مدرجان على القائمة السوداء التي لا يمكن التعامل معها, ليس لأسباب سياسية... ولا منها ما يمكن أن تفسره نظريات المؤامرة الشهيرة, ولكنه حصاد ما زرعه البعض بممارسات شاذة تستند إلى مفاهيم مخجلة تسيء لقيم مجتمعنا وديننا الأخلاقية, ويدفع ثمنها كل عربي ومسلم.

فالعائق الذي يحول بينك وبين التعامل مع أغلب مواقع التجارة والبرمجيات العالمية اليوم هو وجود ثلة ليست بالقليلة ويبدو أن عددها في ازدياد مضطرد من شباب المستقبل الواعد في العالم العربي الذين اختاروا لأنفسهم أن يصبحوا من اللصوص المحترفين بطريقة عصرية يتفننون فيها بسرقة التصاميم والبرامج وكسر تشفيرها وتوزيعها بالمجان بدلاً من شرائها بالطرق الشرعية, واحترفوا التلصص على أرقام البطاقات الائتمانية أو تزويرها لنشرها أو بيعها واستخدامها على اعتبار أن أصحابها على غير ملتنا ومالهم وانتاجهم مُستباح.

لمن لا يعلم.. نسوق العلم بأنها مع الأسف أزمة أخلاقية وظاهرة منتشرة, وهي حقيقة يلمسها كل من يعمل في هذا المجال أو يتابعه ويُدرك أننا لن نبالغ لو قلنا متفائلين أن 60% على الأقل من المواقع العربية قائمة على برامج وتصاميم وخدمات ومحتويات مسروقة بل وبعض أصحابها يتمم تعاقداته كذلك ببطاقات ائتمانية مسروقة أو يتحايل لتعطيل الدفع... ويدرك المتابع لهذه الحال والذي لا يزال محتفظاً بنعمة الله عليه للتفريق بين الحق والباطل أن المسألة ليست مجرد (طيش شباب واستعراض عضلات) ولا تبدو مشكلة بسيطة وعابرة بقدر ما تشير إلى ترسخ مفاهيم مغلوطة ستجعلنا نتحول معها من الأسى على استسلامنا لثقافة الاستهلاك الى البكاء على شيوع ثقافة الكائنات الطفيلية بين شبابنا الذي يستهلك ويفسد ويشن حروباً على أعداء مزعومين بأسلحة فاسدة ترتد علينا وتفتك بأخلاقياتنا قبل أن تضر اقتصاد من نستهدفهم أو توقف عجلة تطورهم العلمي والتقني.

لقد غدت الإنترنت ساحة حرب رفع الحقد والفشل والجهل رايتها, وبينما كان الرسول الكريم يقول: (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) انقلبت الآية وأصبحت الألسنة تلهج بالدعاء لمن يسرق مبدعاً أو منتجاً غربياً, والأيدي تتخاطف الغنيمة لتعاود بيعها عبر مواقعها للسذج بأضعاف ثمنها.. وما العجب? فمن سرق الغريب لن يتورع عن تحقيق المكاسب مخادعاً القريب, والمبررات المعلبة تتوالى. فهذا يبرر عملية النصب على الآخرين بذريعة أنه يوفر لهم دعماً فنياً للبرامج المسروقة باللغة العربية مستغلاً جهلهم بالإنجليزية المطلوبة للتواصل مع الشركة الأم, وذاك يدّعي أنه بذلك يثري المواقع العربية بأحدث التقنيات... ولابد ألا نتوقع مع شيوع تلك الثقافة الطفيلية سوى فطريات عربية تتكاثر على شبكة الإنترنت, لنصل معها إلى العالمية ويذيع صيتنا بلا فخر في ساحات الحوار التقنية الغربية التي قد تتضاءل خجلاً عند زيارتها ومتابعة ما يدرجونه ويتداولونه من بلاغات سرقة وتعدٍ على الحقوق الفكرية والمالية من قبل أفراد ومواقع عربية. إلى أن وصلنا إلى نقطة الحسم, وما ظلمونا ولكن كانت تلك الثلة الجاهلة هي الظالمة فأدت بمعتقداتها وممارساتها إلى إيقاف تعامل العديد من الشركات العالمية مع البطاقات الائتمانية الصادرة من دول عربية منها السعودية, وأخرى أصبحت تتعامل معنا كمشبوهين علينا دون بقية العملاء أن نتقدم بإثبات شخصية وملكية لبطاقة الائتمان.. ولنا أن نتخيل أن حجم هذه الظاهرة وسعة انتشارها والتضرر منها قد فاق لدى تلك الشركات سعيها لكسب عملاء أحد أكبر أسواق العالم.. وللمفاجأة, لم تخسر!! ولكن خسر قوم لا هم نجحوا بالإنتاج ولا أفلحوا باستثمار ما ينتجه غيرهم... فهل من بين هؤلاء الجهابذة اليوم من يزودنا بالبديل وينتج ما ينافس به السوق العالمية دون أن يُراهن في تسويق سلعته على جهلنا بأبجديات هذا المجال؟

الإجابة لم ينجح أحد, إلا قلة نجحت على المستوى الأخلاقي واختارت الطريق الصعب لتتدرج بالنجاح بمجهودها وإبداعها الذي نتمنى ألا تغتاله معايير المنافسة الحالية القائمة على السرقة والاغتصاب, وعلى أمل أن يصبح لدينا اكتفاءً ذاتي قبل أن نشن حروباً خاسرة غنيمتنا الوحيدة منها ثلة من اللصوص وسمعة لطختها أيدٍ آثمة بجهلها.

 

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ