فض رباطاً مقدساً انتصاراً لمرض اجتماعي

زواج فاطمة من منصور باطل!

رانية سليمان سلامة

تابعت بمزيد من الحزن والسعادة والفخر والخجل والإعجاب والاشمئزاز والتوتر والارتياح، اللقاء الذي أجرته قناة الإخبارية الأسبوع الماضي مع (منصور)، الرجل الذي داهمت حياته الزوجية خدمة جديدة هي (توصيل الطلاق قسراً لمنازل الأسر السعيدة)... وقد يبدو للقارئ الكريم التناقض في المشاعر التي انتابتني وأنا أتابع اللقاء إلا أنني لم يكن بوسعي أن أرتقي إلى مستوى هذا الحدث بغير ذلك التناقض.

فقضية إصدار حكم بالتفريق بين زوجين لعدم كفاءة النسب أمر مخجل تفوح منه رائحة (دعوها فإنها منتنة)، والاستماع إلى تفاصيل القضية من الزوج المطعون في نسبه أمر مؤسف، وعند حد سرد تفاصيل الفصل الأول قد يكفي الحزن على امرأة زوّجها ولي أمرها لرجل ارتضاه لها وارتضته لنفسها قبل أن يتخذ أخوة غير أشقاء لها القرار بضرورة إجبار الزوج على تطليقها لعدم الكفاءة في النسب... وقد وجدت في ذلك الفصل صورتين متناقضتين تدعو إحداهما للاشمئزاز من ذريعة الأخوة وتدعو الأخرى للإعجاب بموقف زوج وزوجة تمسكا بحقهما في الاختيار ورفض وعيهما أن يهتز في مواجهة الجهل الذي يرمي إلى سلب السعادة والاستقرار من حياتهما.

بكل الأسى نعلم أن القضاء قد أصدر حكماً غيابياً بالتفريق بين الزوجين اللذين لم يعلما بذلك لمدة ثماني أشهر أنجبت خلالها الزوجة طفلها الثاني، لتطرق بابها بعد ذلك المفاجأة مبلغة إياها أنها طالق دون أن يطلقها زوجها ودون أن تطلب الطلاق!!... ونعلم أن الزوجة أرغمت على إثر ذلك الحكم على مغادرة منزل زوجها والعودة إلى منزل أسرتها التي أرادت تزويجها بآخر، والقاسم المشترك بين طلاقها الأول وزواجها الثاني هو أنها في الحالتين لم يستشرها أحد!!، وربما كانت الخطوة القادمة للأخوة هي وأد ابنة شقيقتهم وتغيير نسب ابنها إلى غير والده لتكتمل حلقة (العودة إلى الجاهلية).

العجب والغضب قد يتملكانك وأنت تكتشف أنها لم تجد مخرجاً من تلك الكارثة التي حلت بها إلا بالهروب مع زوجها – طليقها – وأطفالهما إلى جدة، والمفاجآت تكتمل بملاحقة أخوتها لها ليصدر حكم جديد يخيرها بين السجن أو العودة إلى منزل أسرتها!!.

والإعجاب يتجدد بموقف الزوجة الشجاعة التي اختارت أن تسجن هي وأطفالها في إصلاحية وتتحدث للبرنامج منها مؤكدة أنها تفضل السجن على التفريق بينها وبين زوجها.

وأخيراً يختتم البرنامج آخر فصول القضية بخبر مفرح يقلب –في ظاهره- كل تلك المآسي إلى لحظة انتصار وفرح تشير إلى أن القضية في طريقها إلى الحل بعد تدخل المفتي.

قد تكون فاطمة الآن حرة طليقة بدلاً من مطلقة سجينة، كما قد تكون دموع قهر الرجال التي ذرفها زوجها عندما طلبت منه المذيعة أن يتوجه برسالة إلى المسؤولين قد جفت، غير أن القضية الأهم لاتزال عالقة وتحتاج إلى حل جذري يتجاوز منصور وفاطمة.

فتلك القضية ماهي سوى ناقوس خطر لازال يدق في ساحات القضاء، والتساؤل الذي ظل يحاصرني بعد انتهاء البرنامج هو (هل لايزال القاضي الذي أصدر حكم التفريق بين الزوجين غيابياً يمارس عمله في المحكمة؟)... أطرح هذا السؤال وأنا أعلم أن القضاء يتعمد تأجيل قضايا الطلاق لفترات طويلة عندما تطالب به المرأة ويحق له ذلك إذا كان الغرض بالفعل التحقق من أنها لم تتسرع في قرارها ولمنحها فرصة قد تعدل خلالها عن طلبها متجنبة أبغض الحلال، بينما هذا القاضي الموقر قد فض رباطاً مقدساً انتصاراً لمرض اجتماعي كان يفترض معالجة المصابين به بدلاً من تركه يستشري حتى يتضرر الأصحاء منه ويجبرهم على الاستسلام له.

إحصائيات مخيفة تشير اليوم إلى تفشي ظاهرة الطلاق في المجتمع وتحليلات تؤكد أن الطلاق أصبح (أيسر الحلال لا أبغضه) كما تحول من الحل الأخير للمشاكل إلى الأول بين رجال ونساء لم تترسخ في نفوسهم مفاهيم الزواج فلم يحسنوا الاختيار منذ البداية أو كانوا مرغمين، أو تم الطلاق في لحظة تهور وغضب أو بسبب ضغوط اجتماعية وظروف محيطة بهم... ما كان ينقصنا فقط لتتحول الظاهرة إلى كارثة يصعب السيطرة عليها هو أن تضاف إلى كل تلك الاحتمالات إمكانية اتخاذ طرف ثالث لقرار طلاق زوجين بوكالة غير شرعية واستناداً إلى أسباب ما أنزل الله بها من سلطان.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ