كيف يكون الشر الذي يصيب الإنسان خير؟

البشر والقدر

رانية سليمان سلامة

أليس من الغريب أن تكون وصية الخضر لسيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف أن لايسأل بينما ظل المسلمون يقرؤون القصة ويسألون من هو الخضر؟ أليس في ذلك دليل على أننا نقرأ دون أن نعتبر؟. فالقرآن الكريم لم يتحدث عن شخصية الخضر بأكثر من كونه رجلاً صالحاً عالماً ولكننا نسأل ليختلف العلماء في كونه عبداً صالحاً؟ أم ولياً من أولياء الله الصالحين؟ أو نبياً؟ أم رسولاً؟ أو ملكاً؟ أو لعله أبو موسى؟.

وفي نفس السورة التي يرى المفسرون أنها تجمع فتن الحياة الأربع وهي فتنة الدين (قصة أهل الكهف) وفتنة المال (صاحب الجنتين) وفتنة العلم (موسى عليه السلام والخضر) وفتنة السلطة (ذو القرنين) يثبت الإنسان أنه كان ولايزال (أكثر شيء جدلاً) وربما فضولاً واستدعاءً للشيطان الذي يكمن في التفاصيل ليشغلنا، وقد كشف القرآن الكريم عن هذا الأمر عندما نقل لنا أن الناس اختلفوا في عدد أهل الكهف ثم ببساطة حسمت الآيات الخلاف بأن علمهم عند الله وكفى.

أسخف الأسئلة هي التي تطرح بلا غاية ولاهدف، وأخطرها هي التي تثير الفتن، وأصعبها هي تلك التي تتعلق بالغيب وبالقدر... فكثيراً مانجد صنوف البلاء تحل برجل صالح والفتن تتكالب على امرأة ملتزمة والظلم ينتصر على العدل وكثيراً مانجد في الشدائد أن سؤال (لماذا؟) يسبق وعي الإنسان قبل أن يرده إيمانه إلى نقطة القضاء والقدر.

وإن كان الأمر الإلهي قد جاء واضحاً بعدم السؤال عن تفاصيل غير مجدية مثل العدد في آيات أهل الكهف، فقد ساق لنا في نفس السورة الصور التي تساعد على تفسير العلاقة الغامضة بين القدر والبشر.

فعندما اصطحب الخضر موسى في رحلة تشبه رحلة الحياة ليتعلم كما نتعلم من الحياة، كانت الرحلة مصحوبة بالتحدي على أن يصبر موسى على ما لم يحط به علماً دون أن يسأل.

من هو الخضر؟ لا أحد يملك إجابة ولكنه السؤال (الفخ) الذي سينشغل به من ليس بوسعه أن ينصرف إلى الانشغال بحكمة القصة... فالخضر كان بتصرفاته التي يمليها عليه علم علمه إياه الله يمثل ما نعرفه في حياتنا بـ(القدر) فيما كان موسى عليه السلام في هذه القصة يمثل (البشر) ويواجه تحدي الصبر على مجازاة الخضر لمعروف أهل سفينة نقلتهم بخرقها وهو الأمر الذي جعله يسأل (أخرقتها لتغرق أهلها؟) معتبراً أنه قد جاء شيئاً إمراً.

وظل التحدي قائماً والخضر يقتل غلاماً ليسأل سيدنا موسى (أقتلت نفساً زكية بغير نفس) معتبراً أنه قد جاء شيئاً نكراً.

وانتهى بمساعدة الخضر لأهل قرية بخيلة فتساءل سيدنا موسى عن أجر العمل في الدنيا لتنقطع الصحبة ويأتي التفسير الذي يعكس أن الإنسان يحكم على الظواهر لأنه يجهل الغيب، ويظن القضاء شراً بينما هو خير.

يرى علماء التفسير أن العبد الصالح قد كشف لموسى شيئين أولهما أن علم موسى محدود، وثانيهما أن كثيراً من المصائب التي تقع على الأرض تخفي في ردائها رحمة عظيمة لايمكن أن ننالها ولا أن ننال العلم إلا بالصبر.

والدليل أن أصحاب السفينة الذين اعتبروا خرق سفينتهم نقمة لم يدركوا أنها نعمة حتى نشبت الحرب وصودرت السفن دون سفينتهم التي بقيت مصدر رزق لهم. ووالد الطفل وأمه أصيبا بمقتله غير أن العوض جاءهم بعد الصبر بغلام يرعاهما في شيخوختهما دون أن يرهقهما طغياناً وكفراً. أما الجدار الذي أقامه الخضر دون أن يطلب أجراً من أهل القرية فقد كان يخبئ تحته كنزاً لغلامين يتيمين نفعهما الله بصلاح والدهما فأراد الله أن يكبرا ويشتد عودهما حتى يبلغا أربعين عاماً ويستخرجا كنزهما وينتفعا به وهما قادران على حمايته. من الواضح أن القرآن الكريم تجاوز عن الغيب الذي لاينفع الإنسان علمه، بينما توقف ليوضح لنا بالتصوير والتمثيل كيف ولماذا نؤمن بالغيب الذي يساعدنا على تقبل أمر الله... ذلك الأمر الذي وقع على يد الخضر ويقع على يد القدر إذا اقترن الإيمان به بالصبر يجعلنا ندرك حتماً أن الشر الذي يصيب الإنسان الصالح خير عاجل أم آجل له.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ