لايجب أن نخشى من الفشل بل يجب أن نخشى من النجاح

الفشل بوابة النجاح

رانية سليمان سلامة

مطلع الألفية الثانية افتتح "نيكولاس هول" – الرئيس الأسبق لقرية السليكون – مشروعا إلكترونيا حمل اسم Startupfailures لمساعدة المبتدئين في مجال الأعمال على تجاوز إخفاقاتهم، أو اختلاق العقبات ووضعها في طريقهم ليتعثروا ويخوضوا أول تجربة فشل حتى يتأهلوا للنجاح، واليوم صاحب خطط الفشل هو أحد أثرياء العالم وصناع النجاح.


ـ الفشل باعتقادي فضاء شاسع يتسع لاستضافة عدد غير محدود من السكان الدائمين أو الزوار في منازله الموحشة بالمجان، وأبرز أعراضه الجانبية (الإحباط).


ـ والنجاح هو حافة على قمة جبل مليئة بالمخاطر قد تتسلقها بصعوبة، أو تهبط عليها "بالباراشوت".. ولكن قلة فقط يمكنها أن تحافظ على موضع ثابت لقدمها هناك، أما أبرز أعراضه الجانبية فهي تضخم (الأنا) المؤدي إلى السقوط في مقبرة الغرور.


ـ قناعتي هي أننا لايجب أن نخشى من الفشل بل يجب أن نخشى من النجاح، فعندما ينجح الإنسان يواجهه الاختبار الأصعب لقدرة عقله وشخصيته على استيعاب هذا النجاح ومقاومة أعراضه الجانبية..
ولحظة التتويج ما هي إلا صافرة الإعلان عن بداية جديدة مليئة بالتحدي في سباق التوازن النفسي والنضج العقلي للمحافظة على ثبات الخطوات.


ـ قلة فقط حققت معادلة (استحقاق النجاح واستيعاب العطاء وشكر النعمة وحفظها) فواصلت مسيرتها، أما الكيفية فقد وجدتها بين سطور مقال الأستاذ القدير تركي السديري في صحيفة الرياض بعنوان "أشكركم، لكن دعوني أتذكر" وهو يقول:


* * *

"عندما تم النداء على اسمي في حفل الكويت الشقيقة لتكريم الرواد الإعلاميين في ملتقى الإعلام ثم طلب مني الصعود إلى المنصة حيث سمو رئيس الوزراء أربكتني عودة سريعة إلى ماض بعيد.. كان في ذهني الأستاذ عبدالعزيز العمران وهو يحدثني عن وظيفة محرر رياضي بمرتب 450 ريالاً".
** "أحمد الله أن صحتي وفرص عملي وإمكانيات نجاحي توالت من الصفر إلى الأعلى.. رفت طفولة متقشفة للغاية ثم مراهقة متعددة الشكوى الصحية وصعوبة كفاءة المعيشة حتى أخذني سن الرجولة إلى مواقع النجاح صحياً ومهنياً خصوصاً بعد إجراء عملية صعبة أخذت من المعدة نسبة 80% وأدخلتني في نظام غذائي صعب للغاية لكن الصحة اتجهت إلى الأفضل مثلما اتجه العمل إلى الأفضل بعدها أصبحت رئيس التحرير".
*"كان هناك ضوء من بعيد يرسم لي إلى أين السير.. هي معونة الله وتوفيقه".
* * *


ـ مقتطفات من المقال استوقفتني لأنه في لحظة التكريم ووسط نشوة النجاح تمكن من استرجاع لحظات الضعف والمعاناة ليرد الفضل إلى توفيق الله.


وقد يبدو ذلك تلقائياً غير أنه يعد اليوم قاعدة لتحقيق التوازن النفسي توصي بأن يتذكر الإنسان ضعفه في لحظات قوته، وقوته في لحظات الضعف دون إغفال العوامل التي ساعدت على منحه القوة والمؤثرات التي أحاطت به ليتمكن من استيعاب النجاح أو تفادي إحباط الفشل.


ـ أما الوجه الآخر للنجاح فشاهدته في فيلم قصير يروي قصة نجم شهير كان في قمة نجاحه يتمتع بموفور الصحة ورغد العيش قبل أن يسقط في مقبرة الغرور ويخسر صحته وماله ويتجه إلى تعاطي المخدرات. ببساطة لم يستوعب عقله حجم النجاح، وقصته تشبه قصصا كثيرة للنجاح المعاصر في الغرب والشرق حيث يلمع النجم سريعاً ويأفل في ظروف غامضة ليذكرنا بأن النجاح قد يكون أخطر على مستقبل البعض من الفشل.


ـ كل التجارب العظيمة من حولنا تؤكد أن الإنسان لايجب أن يخشى من الفشل، فقصص النجاح الحقيقي تولد دائماً من رحم الفشل، ومن يحفظ التاريخ قصصهم ويرويها للأجيال هم أشخاص أدركوا أن تجربة الفشل والألم والمعاناة إذا امتزجت بالصبر والإصرار والاجتهاد تكون بوابة معانقة النجاح. بينما أغلب من التهموا وجبة نجاح سريعة على طبق من ذهب قد أصيب مركز التوازن في عقلهم "بعسر هضم" لأسباب النجاح وأسراره فسقطوا من أعلى قمم المجد.


ـ أكاد أرى موقع سقوط أحدهم من قمة نجاحه ما أن أجد (الأنا) سيدة حديثه.. وأكاد أرى نجاح رموزنا في مختلف المجالات يتكرر متى ما أتيحت للشباب منذ مراحل الدراسة فرصة الاقتراب من تجارب نجاح مثل التي استعرضها الأستاذ تركي السديري لندرك مبكراً أن سنن النجاح الكونية لايمكن أن تنقلب لتبدأ من القمة بدلاً من القاع، وأن قوتنا لايخدشها ضعفنا لله.

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ