أزواج للبيع!

يقولون في أمثالنا الشعبية: "إذا جاء الفقر من الباب، هرب الحب من الشباك"، ومعظم المسلسلات والأفلام العربية تتحدّث عن دور الفقر في تدمير الأسر وتشتيت الأبناء. فهل بالفعل متطلبات الحياة اليوم أضحت كالوحش الكاسر يلتهم في طريقه كل الأشياء، ودفعت الناس إلى الاستهتار بقيمهم الحياتيّة مقابل الأمان المادي الذي سيبعث الحياة في أرواحهم الميتة من جديد؟!
ما أن يجلس المرء في مجلس إلا وكان محور الحديث عن غلاء المعيشة. وعن تراجع سوق الأسهم والدعاء على من كان وراء هذا التراجع، وعن ترك زوجات لأزواجهن بعد أن غدوا عاجزين عن توفير مطالبهن الخاصة.
منذ فترة قرأت خبراً عن زوجة عربية قامت بعرض صورة زوجها على الإنترنت، مرفقة معها إعلانا من الزوجة تحثُّ النساء على الارتباط بزوجها، الذي ترى من وجهة نظرها أنه يملك مقومات خاصة تُغري أي امرأة للاقتران به!!
 
وفي الأيام الماضية، قامت سيدة سعودية مطلقة بنشر طلب في صحيفة خليجية، تُبدي فيه رغبتها الزواج من رجل يُقدّس الحياة الزوجية، مع استعدادها لدفع مبلغ خمسة ملايين ريال للعريس عند إتمام صفقة الزواج، وإنْ كان من النوع المسيار، واستعدادها كذلك لإسكانه معها في فيلتها الأنيقة.
هذه المرأة تلقّت عروضاً تجاوزت أرقامها المئات، وقد كانت من بينهن رسائل من زوجات يعرضن أزواجهن للبيع! أقصد للزواج من هذه المرأة. وهذا لم يُفاجئني كون المال أصبح المتحدّث الرسمي لأي إنسان يريد الوصول بسرعة البرق إلى قمم الحياة.
الأجيال الجديدة عندما تقرأ هذا اللهاث المسعور الصادر من فئات مختلفة، سيجعلها تضرب بعرض الحائط المبادئ التي تربّت عليها! بل وستجعلها تدير ظهرها لشيء اسمه الكفاح والإرادة والإصرار في تحقيق حلمها، ما دامت ورقة الثراء بالإمكان الحصول عليها بوثيقة زواج أو عقد بيع من تحت الطاولة أيّاٍ كان نوعه أو مصدره وما أكثره!
لا أدري حقيقة المغزى من تصرّف هذه المرأة، هل هي بالفعل جادة في عرضها، أم في داخلها تربض رغبة دفينة للعبث بعقول الرجال؟! هل هي بالفعل تُعاني من الوحدة القاتلة وتحتاج إلى رجل يؤنس وحدتها؟! لكن هذا العرض مهما كانت دوافعه يكشف عن هشاشة بنية مجتمعاتنا حين يتعلق بالمال! ويُظهر بأن الحب والتمسّك ببناء أسرة سليمة لم تعد من أولويات الحياة، بل أضحت المسألة كلها فلوسا في فلوس والشاطر يكسب!
جميعنا نُدرك أهمية المال في حياتنا. ولكن المال لا يُحقق الاستقرار العاطفي، ولا يصنع شخصية سوية، ولا يجلب السعادة، ولا يفرض على الناس حب الشخص الثري، بل أحيانا كثيرة يُصبح المال مصدر وسواس كبير لصاحبه يجعله يعيش قلقا متوترا يسأل نفسه عند كل صباح.. هل يُحبني من حولي لشخصي، أم يتوددون إليّ من أجل مالي؟!
هذا لا يعني بأن كل الأغنياء يحملون عقدة ثرواتهم في أعماقهم، فكم من أناس أثرياء استطاعوا خلق توازن في حياتهم وأخضعوا المال لمشيئتهم، ولم يتركوا المال يُسيّر حياتهم فعاشوا في سلام مع أنفسهم، وسخّروا مالهم لخدمة المحتاجين والضعفاء.
الكثير من وقائع الأمس الحياتيّة تمَّ محوها. والناس أصبحوا يعيدون النظر في الكثير من مبادئهم التي شبّوا عليها، بحجة أن مفاهيم العصر الحالي تتطلب ذلك، لكن لنسأل أنفسنا: ماذا عن الأجيال الجديدة التي لم تعشْ الزمن البسيط الذي عشناه، والذي عاشه الآباء والأجداد من قبلنا! ألا يستحقون منّا أن نعيد التفكير فيهم كي لا يكفروا بالبقية الباقية من قيم الحياة النبيلة!

الإتحاد الإماراتية/ وجهات نظر/ الأحد 28/3/2010