دار الحنان في يوبيلها الذهبي

نهاية وبداية

رانية سليمان سلامة

إغلاق دار الحنان

ثمة شيء كان قد تغير، فإلى جانب ما سبق الإشارة إليه عن عامل المكان الذي أدى إلى انخفاض التسجيل في المراحل الأولى بمدارس دار الحنان منذ عام 1412هـ إلى 1424هـ، تدخلت كذلك عوامل الزمان والإنسان. وتجدر هنا الاستعانة بقول الأميرة لولوة في مطلع الباب الثالث: "دار الحنان كانت نتاج قرار اتخذه الوعي الاجتماعي".

بعد مرور نصف قرن من الزمان على تأسيس مدارس دار الحنان أعلنت الأميرة سارة الفيصل عام 1425هـ في قاعة اجتماعها بالإدارة قرار إغلاق مدارس دار الحنان مصحوباً بدمعة سقطت من عينها تحمل صورة حلم والدتها عندما كان وليداً، وتبعتها دمعة أخرى تحمل صورة الواقع في يوبيله الذهبي بعد 50 عاماً مضت على تأسيس دار الحنان.

كان الخبر مفاجئاً ووقعه مدوياً، رصدته في نفوس خريجات الدار آنذاك فتراوح بين مشاعر حزن وصدمة وغضب يداخلها إحساس بالألم وتختلط به بعض مشاعر الندم، أما الوجه الآخر فكان وقفة مع النفس لمستها عندما تواصلت آنذاك مع عدد من الخريجات أثناء إعدادي لملف إلكتروني عن مدارس دار الحنان. وكل ذلك حملته ووضعه على طاولة الأميرة لولوة الفيصل لاستدعي شفافيتها من جديد وأبحث عن إجابة السؤال الحائر.

لماذا تم إغلاق دار الحنان؟ 

لم أنجح في تجريد سؤالي من العواطف فأرفقته بمشاعر الخريجات اللواتي يعتبرن أن دار الحنان هي التاريخ  والرمز والمنارة التي انطلق منها أول نداء لتعليم النساء في المملكة فكيف أغلقت أبوابها؟ ولماذا؟

قاطعتني من تملك الإجابة بهدوء يشوبه التعاطف وتوضيح يغلفه الصدق فقالت:
"لم يكن الهدف من تأسيس دار الحنان أن تصبح يوماً مجرد معلماً تاريخاً يذكرنا مبناه بماضيه، ولامجرد رمز لتجربة خالدة، ولاصرحاً تعليمياً تقليدياً نرفع عليه اسم والدي ووالدتي رحمهما الله. ولكن دار الحنان هي ابنة هذا المجتمع، أيقظت بداخله الرغبة بتعليم بناته تعليماً حديثاً ومتطوراً ومن ثم تفاعلت مع استجابته وواصلت مسيرتها بدعمه وقناعته".. وأضافت:"نعم، لقد أسستها والدتي، ولكنها استمدت استمراريتها من المجتمع الذي آمن بدورها. ألم أخبرك منذ البداية أنها كانت نتاج قرار اتخذه المجتمع؟". 

مالذي تغير إذن؟

تستطرد الأميرة لولوة حديثها قائلة:" الذي تغير هو كل ذلك مجتمعاً"". 

لم يكن بوسعي أن أستبعد عن تلك المكاشفة كل الأسئلة التي تدور في خاطر الخريجات فسألتها إن كان لافتتاح (كلية عفت) دور في إغلاق المدرسة خاصة وأنها استخدمت بعض مبانيها.. فأجابت:

"إطلاقاً، لقد كانت الخطة لتأسيس الكلية قائمة منذ أن تم إنشاء المبنى الكائن في قصر خزام وكان يتسع للمدرسة والكلية، ولكن تراجع عدد طالبات المدرسة في السنوات الأخيرة واتجاه الأهالي إلى المدارس الموجودة في شمال جدة جعلنا نجري بعض التغييرات في تخصيص المباني".

تداخلت معها متسائلة إن كان اختيار موقع المدرسة غير موفق منذ البداية، فأجابت:

"عندما وقع الاختيار على موقع المدرسة كان مناسباً لأهدافها في ذلك الزمن حيث كانت جميع المدارس تتجه لبناء مبانيها في شمال جدة ولو كنا اتجهنا معها لانحصر دورنا على تلبية مطالب الفئة الثرية ولم تكن لتتوفر مدرسة واحدة جيدة في هذه المنطقة التي كانت لاتزال أسر كثيرة تسكنها.. كان موقع المبنى مناسباً للخمسة عشر عاماً التي تلت افتتاحه وظل سكان الشمال وسكان الجنوب يرسلون بناتهن إلى المدرسة.. أما بعد ذلك بدأنا نلاحظ تراجعاً في عدد الطالبات الملتحقات بالمراحل التحضيرية والابتدائية مما يشير إلى انسحاب فئة مهمة هي سكان الشمال من المدرسة وهذا أدى إلى فقدان التوازن الذي كنا نحرص عليه لتندمج في المدرسة مختلف فئات المجتمع وتنسجم وتتفاعل وتستفيد من البرامج التعليمية الخاصة التي كانت تقدمها دار الحنان".

سبقتني حيرتني فسألتها:

"من نلوم إذن؟"

 فأجابت:

"لست ألوم أحداً بل أتفهم تماماً ما حدث كما أرجو أن يتفهم الجميع أن القرار قد فرض نفسه علينا.. وأنا على ثقة بأن كل من ارتبط بدار الحنان وشعر بالأسى لإغلاقها لم يكن ليرضى بأن تستمر كمجرد مدرسة دون أن تحتفظ بمقومات التميز والريادة".

لاحظت الجدية على ملامحها وشعرت بالإرادة في نبراتها ويبدو أنها اختارت أن تنتقل من زاوية العواطف والاتهامات إلى الواقع والآلية، فقالت:

"علينا أن ندرك بأن والدتي رحمها الله قد رحلت، وأننا أبناءها وبناتها قد نرحل بعدها فهذه سنة الحياة.. أما دار الحنان فيجب أن تبقى".. صمتت للحظات تهيأتُ خلالها لاستقبال الأمل، ثم استطردت:" بقرار أهلها ورغبة خريجاتها ستعود بإذن الله، وبآلية تكفل امتداد الرعاية لها من أسرتها الكبيرة في المجتمع.. كل من آمن برسالتها سيحتفل قريباً بعودتها، وكما كانت ثورة في عصرها بإرسائها لمفاهيم التعليم الحديثة نخطط لها عودة تواكب بها أحدث الأنظمة التعليمية والبرامج المتطورة لتكون بداية جديدة بحجم البداية القديمة".

متى ستعود؟.. سؤال لم أحظى بالحصول على إجابته حتى أعلنت دار الحنان عن حفلها التاريخي في عام 2006م حيث جمعت خريجات خمس عقود من الزمان لتعلن عن مسيرة جديدة ستنطلق بمشيئة الله في العام الدراسي 2007-2008م الموافق 1428-1429هـ.

تذكرت عندها وعد الأميرة لولوة  وتذكرت مقولة الأميرة عفت رحمها الله:

(أوصيت أبنائي وبناتي جميعاً بإتمام مشروع دار الحنان من بعدي)


افتتاح المدرسة الجديدة

مبنى حي الزهراء، 1428-1429هـ، 2007-2008م