نجما اهتدى بنوره علماء الشرق والغرب

الخوارزمى، وضع أصول علم الجبر وعلم الحساب للجميع

هو أحد العباقرة الذين أنجبتهم الحضارة العربية الإسلامية، برز فى علم الفلك والرياضيات وكان لانتاجه الفكرى أكبر الأثر فى تقدمهما وارتقائهما.

أصله من خوارزم وسنة ميلاده غير معروفه على وجه التحديد لكنه توفى عام 850م. أقام فى بغداد حيث اشتهر وذاع صيته وكان موضع رعاية الخليفة العباسى المأمون ، حيث ولاه رئاسة بيت الحكمة وجعله على رأس بعثة علمية إلى بلاد الأفغان بقصد البحث والتنقيب .

هو أول من وضع أصول علم الجبر وجعله علما مستقلا عن الحساب. كما أنه أول من استعمل كلمة "الجبر" للعلم المعروف بهذا الاسم وعنه أخذ الأوربيون هذه الكلمة واستعملوها فى لغاتهم بنفس اللفظ المنطوقة به (Algebra).

وكتاب الجبر و المقابلة يعتبر الأول من نوعه فى التراث العلمى العربى، بل فى التراث العلمى العالمى. وللعجب فإن اكتشاف هذا الكتاب وتحقيقه ومن ثم نشره للعرب جاء صدفة بعد أن نقله الغرب إلى مكتباتهم وترجموه إلى لغاتهم قبلنا بنحو قرن من الزمن.

فقد كان من حسن النهضة العلمية الحديثة فى بلادنا أن كان العلامة المصرى الشهير الدكتور مصطفى مشرفة فى بعثة علمية عام 1917 إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراة فى فلسفة العلوم الذى نالها عام 1923 ثم الحصول على دكتوراة العلوم والذى نالها عام 1925، وبالصدفة وهو فى مكتبة  "بودلين" باكسفورد وقع تحت يديه مخطوطة "الجبر والمقابلة" عكف على دراسته وتحقيقه، وحين عاد إلى القاهرة ، أكمل ما بدأه مع تلميذه الدكتور محمد مرسى وتم نشر الكتاب فى الثلاثينات من هذا القرن ليتسنى للعرب الاطلاع عليه ومعرفة ما يحويه من كنوز علمية كبيرة، فكان مرجعا اعتمد عليه العلماء العرب فى بحوثهم الرياضية، ونقله علماء أوربا إلى اللاتينية، ففى هذا الكتاب ابتكر الخوارزمى طرقا هندسية لحل المعادلات من الدرجة الثانية، كما شرح طريقة ضرب وطرح وجمع وقسمة  الجذور سواء منفردة ومتصلة بأعداد، ووضع طرق حل المعادلات وهى على غرار المسائل الموجودة بكتب الجبر التى تدرس حاليا فى المدارس الثانوية. ووضع طرق ايجاد المساحات للسطوح والأضلاع والأجسام ، وكذلك مساحة الدائرة والقطعة ، كما اورد برهانا لنظرية فيثاغورث .. مكتفيا بالمثلث القائم المتساوى الأضلاع ، ووضع طرقا لحساب الحجوم كالهرم الثلاثى والرباعى والمخروط .

وإلى جانب هذا الإعجاز الضخم فى الجبر وضع الخوارزمى كتابا فى الحساب كان الأول من نوعه من حيث مادته العلمية وأول كتاب دخل أوربا منقولا إلى اللاتينية، وبقى معروفا لقرونا عديدة باسم "الجورتمى" ثم لوغريتمات نسبة إلى الخوارزمى.

بقى أن نعرف أن أكبر المآثر التى جاد بها العرب على العالم بفضل الخوارزمى هى نقلهم الحساب الهندى وتهذيبهم للأرقام الهندية المنتشرة فى العالم الآن وكذلك استعمال الصفر .

فقد كانت الأمم القديمة محرومة من نظام الترقيم المعمول به حاليا .. حتى جاء العرب بالأرقام الهندية وعرفوا نظامهم الترقيمى وكونوا سلسلتين عرفت أحداهما بالأرقام الهندية، وعرفت الأخرى بالأرقام الغبارية، وقد شاع استعمال النوع الأول فى بغداد والجانب الشرقى من العالم الإسلامى أما النوع الثانى فقد شاع فى الجانب الغربى من العالم الإسلامى وانتقل منه إلى أوربا وما زال مستعملا حتى اليوم. أما الصفر فلم يكن معروفا لأحد قبل الهنود، وكانوا يطلقون عليه لفظ "سونيا" ومعناه فراغ.

هذا هو محمد بن موسى الخوارزمى  أحد نوابغ الحضارة العربية الإسلامية الذى حلق عاليا فى سماء ليس الرياضيات فحسب بل الفلك أيضا. وكان نجما اهتدى بنوره علماء العرب وأوربا.