أبرز روادها بنات الجامعة من المناطق الشعبية إلى الهاي كلاس في مصر

"عربيات" تكشف العالم السري لصالونات النساء الدينية في الأحياء الراقية

أحمد الجمال - القاهرة
صور وفيديو

للنساء دور كبير في حياتنا لا يمكن إنكاره. لكن حينما يتطرق الأمر للحديث في أمور الدين وعمل بعض بنات حواء في مجال الدعوة الإسلامية تتضارب الآراء وتنقسم بين مؤيد ومعارض، وبخاصة مع ظهور بعض الصالونات النسائية الخاصة في مصر لبنات "الهاي كلاس" في الأحياء الراقية وتصبح هذه الأماكن هي الملاذ الآمن للكثير من الفتيات لحفظ القرآن وتزويد معارفهن الدينية من بعض الداعيات الشابات أيضاً وهي التجربة التي حققت انتشاراً واسعاً في السنوات الأخيرة، ووجدت لها "مريدات" كثيرات من بنات تتراوح أعمارهن بين 18 و 35 عاماً.
تجربة بعض الداعيات المصريات الشابات مثل إيناس علي، ودينا زكريا لاقت نجاحاً كبيراً رغم أنهما خاضتا تجربة الدعوة قبل سنوات قليلة، ربما لاعتمادهماع لى الدراسة المتخصصة في معاهد إعداد الدعاة والاستفادة من الخبرات الحياتية المختلفة، والاعتماد على المراجع المهمة الموثوق بها وكذلك اكتساب خبرات مهمة في علوم انسانية أخرى مثل التنمية البشرية وعلم النفس والاجتماع وحتى فنون الإتيكيت ولغة الجسد body language""، كلها أمور مهمة تفيد في خلق امرأة داعية بروح عصرية تكون قادرة على التواصل مع بنات جيلها دون تعقيد أو تشدد، وبلغة تفهمها بنات هذا الجيل المنفتح على ثقافات العالم أجمع. أكثر من ذلك أن هؤلاء الداعيات سُلطت عليهن أضواء الشهرة من خلال وسائل الإعلام المصرية والعربية المختلفة التي وجدت في هذه التجربة حلاً سحرياً للقضاء على ظاهرة "الداعيات المُدعيات" اللواتي يروجن للسحر والشعوذة ويدعين العلم بأمور الدين والشرع وهن في الحقيقة أبعد ما يكن عن ذلك لأنهن ببساطة غير مؤهلات للقيام بهذا الدور ولم يتابعن أي نوع من الدراسة الدينية المتخصصة لا في الأزهر الشريف ولا في المعاهد المتخصصة في إعداد الدعاة الموثوق بها.

سمات الداعية لا تقتصر على العلوم الشرعية


الداعية إيناس علي تقول لعربيات: "هذه التجربة أخوضها حباً في الله وفي بنات المسلمين وأرى أنها تجربة مثمرة جداً وهناك إقبال كبير عليها، لأنها تغير النفوس وتجعل الفتاة تستعد لحياة مستقبيلة أفضل قوامها الأخلاق والدين والثقافة وبالتالي تكون قادرة في المستقبل على تربية أبنائها وتؤثر في زوجها". وتضيف: "لو صلحت المرأة صلح المجتمع بأسره، أنا شخصياً مررت بتجربة شبيهة مع الصالونات النسائية في بداية حياتي أثرت فيً كثيراً وغيرت كثيراً من مسار حياتي، وآمنت بأن كل مسلم يجب أن يكون له دور في إصلاح الأمور من حوله".
وتضيف على التي تتمتع بشهرة كبيرة لتقديمها فقرات ثابتة ضمن برامج تليفزيونية على محطات فضائية عدة: "أقوم بتحفيظ القرآن إلى جانب الجلسات الدينية الأخرى التي أناقش فيها مع الفتيات أمور الدين والدنيا، وغالبية هؤلاء الفتيات تتراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً وأحياناً تأتي أمهاتهن معهن، لكن الإقبال الكبير يكون من جانب فتيات الجامعة، وأبدأ معهن حسب مستواهن المعرفي وإدراكهن لأمور الدين ففي جلسات تحفيظ القرآن مثلاً أبدأ بتعليمهن كيفية القرآة الصحيحة وبعض الأحكام البسيطة بشكل عملي وسماعي، ويلي ذلك مستويات دراسة التجويد ووصولا إلى مرحلة الإجازة حيث تقرأ الفتاة القرآن بحضور مشرف من الأزهر والذي يمنحها الإجازة"
أما عن الجلسات الدينية التي تعقدها في منزلها بحي المهندسين أو في منزل أي من الفتيات المترددات عليها فهي كما تقول تركز على أمور معينة مثل علاقة الأم بأولادها وسمات الأسرة الطيبة وحسن معاملة الزوج، مؤكدة أن الداعية الحقة يجب أن تتمتع بسمات عدة أبرزها أن يكون لديها قدر من العلوم الشرعية ولكن ليس قدر الفقهاء والعلماء الكبار، فثمة فارق بين العالم الفقيه الجالس على كرسي الإفتاء والذي درس دارسة شرعية عامة، إلى جانب أهمية حفظ الداعية لقدر من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة التي تعينها على القيام بهذه المهمة، وكذلك المهارات الشخصية والقدرة على الاتصال وفصاحة اللسان واستخدام الوسائل المختلفة للتأثير على الناس وأبرزها القدرة على الخطابة.
وعن أصعب شيء تمر به في هذه التجربة تقول: "أصعب ما في الأمر هو ضيق الوقت، فوقتي مقسم بين دروس التحفيظ والجلسات الدينية والمشاركة في الندوات والمؤتمرات وتصوير حلقات تليفزيونية بشكل منتظم، علاوة على أنني زوجة وأم لأبناء وهذا هو التحدي الكبير، لكن بتوفيق الله تعالى يتم التوفيق بين كل هذه المهام"

لا أفتي الحاضرات، والدعوة موهبة


أما الداعية  دينا زكريا والتي باتت معرفة نظراً لتقديمها بعض البرامج على الفضائيات المختلفة، حصلت على بكالوريوس آداب لغة إنجليزية من جامعة القاهرة وتخرجت من معهد إعداد الدعاة ولديها إجازة دعوة. تقول: "ينصبُ دوري على الدروس الدينية في إطار فقه العبادات والمعاملات والسيرة النبوية والمعلومات العامة وأمور الحياة التي أربطها بالشرع لتوعية المجتمع."
مشيرة إلى حصولها على إجازة من عالم أزهري لإقراء وتقريء القرآن وتضيف: "اعتمد في عملي الدعوي على منزلي بحي المهندسين منذ بدأت هذه التجربة قبل 6 سنوات تقريباً، وأنا ابتعد عن الفتوى اللهم إلا إذا استفتتني فتاة في مسألة أعلم أن لها فتوى لدى شيخ معروف من كبار الأئمة، وفي الغالب أتواصل مع الحاضرات في أمور الحياة الاجتماعية العامة التي ترتبط بالدين، بالإضافة إلى بعض الأنشطة التي نقوم بها حيث نوطد العلاقات مع الجمعيات الخيرية والإنسانية ونسعى دائماً لزيارة دور الأيتام والمسنين وتقديم يد العون لهم سواء بمشاركات مادية أو عينية أو حتى بمجرد المشاركة الوجدانية."
وتؤكد زكريا أن الموضوع أولاً وأخيراً يعتمد على الموهبة وليس مجرد حفظ معلومات وتلقينها للناس، فالداعية الحقيقية يجب أن تتصف ببعض السمات كحضور الشخصية "الكاريزما" وترتيب المعلومات والقدرة على التخاطب مع الناس بشكل علمي وأن تعرف متى تتكلم ومتى تستمع جيداً. وتضيف: "أعتمد على تزويد ثقافتي الدينية بالقراءات المتعددة والخبرات الحياتية وفي خطتي المستقبلية متابعة كورسات في مجال التنمية البشرية خاصة وأن الوقت حالياً لا يسمح بكل ذلك حيث أمارس عملي الدعوي إلى جانب تربيتي لطفليّ التوأم وتقديمي لبرامج دينية واجتماعية وأتعامل حالياً مع الداعية المعروف عمرو خالد في إعداد برنامجه الجديد "نادي الأخلاق" حيث اختارني لإعداد المادة الدينية للبرنامج".

الحضور لايقتصر على طبقة معينة، ومكتسباتنا لا تعد


مزيد من التفاصيل عن العالم السري لصالونات الدعوة النسائية في الأحياء الراقية تعرفنا عليها من خلال بعض الفتيات اللواتي يترددن عليها. حيث تقول شيرين أحمد (27 عاماً، متزوجة): "تعرفت على الداعية إيناس علي من خلال المقرأة التي كنت أذهب إليها في شارع أحمد عرابي بالمهندسين وذلك لحفظ القرآن، أعجبت بأسلوبها الشيق وثقافتها الواسعة في أمور الدين والحياة، وكنت أشعر أنا وزميلاتي بأنها أخت كبيرة لنا وبخاصة وأن فارق السن لم يكن كبيراً، إيناس لم تكن تهتم فقط بتحفيظنا القرآن الكريم بل كانت تسعى للتواصل الإنساني معنا وتربطنا سوياً من خلال التواصل التليفوني يومياً مع بعضنا البعض في جو أسري جميل، وكنا نجتمع في بعض الأحيان ونتحدث في أمور عامة عن الصبر والابتلاءات، كل واحدة تتكلم وتحكي قصة تعرفها ونفتح موضوعاً عاماً للنقاش، ولو كانت إحدانا مصابة بضيق من مشكلة معينة يمكن أن تحكيها لإيناس على انفراد وقد تساعدها في اجتياز أزمتها النفسية، وسهل هذه المهمة تقارب المجموعة في الأعمار"
وعن المستويات الاجتماعية التي تتردد على هذه الصالونات والجلسات الدينية توضح شيرين: "لم تكن من بنات "الهاي كلاس" فقط كما يظن البعض، بل كانت تحضرها فتيات من كل المستويات تقريباً من الأحياء الشعبية والفقيرة جداً وصولاً إلى أعلى المستويات الاجتماعية وكنا جميعاً ننصهر معاً في علاقات صداقة وألفة ولا نشعر بهذه الفوارق الطبيقة فيما بيننا"
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لرشا محمد (26 عاماً) التي تقول: "تابعت هذه الجلسات عقب تخرجي من الجامعة، وعلمت عنها من خلال إحدى صديقاتي وذهبنا معاً بهدف استثمار الوقت في حفظ القرآن، واستمر الأمر نحو عام تقريباً. استفدت كثيراً من هذه التجربة وكونت صداقات استمرت معي حتى بعد الزواج، وأهم من ذلك كله أنني تعلمت كيف أتواصل مع المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة وكيف أشعر بالفقراء والبسطاء وأمد لهم يد العون، فقد كنا نحرص على تحديد بعض الأيام لزيارة دار أيتام أو دار مسنين وكل منا يدفع مبلغاً من المال حسب استطاعته لمساعدة هذه الفئات المحتاجة. كانت بحق تجربة رائعة تعلمت منها الكثير في أمور ديني ودنيتي ولم يمنعني عن التواصل مع هذه الجلسات سوى زواجي وإنجابي".
أما مروة إبراهيم (18 سنة، طالبة جامعية) فتقول: "أواظب على هذه الجلسات التي تعقدها إحدى الداعيات المعروفات في مدينة نصر، حيث تقوم بحفظ القرآن وأحياناً تكون هناك لقاءات للحديث في أمور دنيوية عامة أو قضايا اجتماعية مهمة ترتبط بالجانب الديني أو الأخلاقي، وهي تجربة جيدة خصوصاً إذا كانت الداعية التي تتولى هذه المهمة دارسة ومؤهلة لهذا العمل وعلى قدر كبير من العلم والقدرة على التواصل النفسي والاجتماعي مع الفتيات والسيدات اللواتي يحضرن هذه الجلسات الدورية كل أسبوع تقريباً".