نماذج للتائبين

محاضرة (التوبة) للداعية عمر خالد

عربيات - جدة

يقول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) ... والتوبة كانت موضوع محاضرة الأستاذ ( عمر خالد ) في زيارته الأخيرة للملكة العربية السعودية حيث استضافته كلية ( دار الحكمة ) الأهلية عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة ... ولقد لاقت المحاضرة إقبال كبير من الحاضرات اللاتي امتلأت بهن القاعة وتفاعلن مع درس التوبة وقمن بتوجيه الأسئلة المختلفة في نهاية المحاضرة.

 

مقتطفات من المحاضرة 

بدأ الأستاذ ( عمر خالد ) محاضرته عن التوبة بالتذكير بالذنوب قائلاً : (عندما نتحدث عن التوبة فلابد أن نبدأ بالحديث عن ذنوبنا التي تثقل كواهلنا وتشقينا في الحياة ... فنشاهد اليوم الجميع يعاني من المشاكل والمتاعب الجسدية والنفسية ونلاحظ انتشار الفساد والفتن والأمراض ... ولو بحثنا عن السبب لوجدناه كثرة ذنوبنا ومعاصينا وتقصيرنا بحق الله ...

 

تبدأ توبتك عندما تتذكر ذنوبك فتخاف ويدفعك هذا الخوف إلى التوبة والرجوع إلى الله .... والبعض قد يعتقد أن التوبة هي فقط لمن يرتكب الكبائر بينما الحقيقة أننا جميعاً بحاجة إلى التوبة في اليوم والليلة عن كبائر وصغائر وذنوب اقترفناها ولو في الماضي وأقلعنا عنها .... ولو حاولنا البحث عن هذه الذنوب لوجدنا في صحفنا العديد منها ولوجدنا " تأخير للصلاة ، عقوق للوالدين ، غيبة ونميمة ، كذب وخلق سيء ، شتائم وكلمات بذيئة ، وغيرها الكثير مما نغفل عنه" ...

 

ولكن الله برحمته الواسعة يقبل التوبة ويدعونا  في كتابه الكريم إلى التوبة ويشرع أبواب رحمته أمامنا : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) .... ويحفزنا على التوبة فيقول : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) ... دون تسويف وتأخير ، فكثيراً ما نجد الإنسان يشعر بذنبه ويعتصره الندم لكنه يؤخر التوبة ولايسارع لها ويعلقها إلى حين وقوع أمر ما أويتركها للمستقبل .... ولايعلم أن الموت قد يختطفه قبل أن يتوب .. ويقول رسول الله عليه الصلاة والسلام : (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل) .... وأجمل يوم في حياتك هو يوم يتوب الله عليك ... فقد استقبل الرسول عليه الصلاة والسلام كعب بن مالك قائلاً :  " ابشر يا كعب بخير يوم طلع عليك ، تاب الله عليك ".

 

 

 

التوبة النصوح

 

وعن معنى التوبة يقول الأستاذ ( عمر خالد ) :

 

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :" ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا"....

 

لقد وضع الله لنا رحمته بين أيدينا لنلتمسها ونتوب حتى تستقيم حياتنا وأسماها ( التوبة النصوح ) ومعناها التوبة الشاملة .... وهي مشتقة من النصح والنصيحة فمن قوتها وصدقها ( تنصحك ) وتردك عن الذنب كلما أردت العودة إليه.

 

 

 

شروطها

 

أولاً : الندم

 

ثانياً : الإقلاع عن الذنب

 

ثالثاً : العزم على عدم العودة

 

وقد يسأل البعض عن شكل هذا الندم وطريقة التعبير عنه ... والندم من الممكن أن يكون دمعة تسقط من عينك أو اضطراب في قلبك  أو صلاة طويلة وسجدة تبكي فيها بين يدي الله .... وأدناه أن يهتز قلبك ... ولكن لا يصح أن ينطق لسانك بالندم دون أن يستشعره قلبك ...

 

إذا لم تقدر على العزم ادعو الله يقوى قلبك ... وصاحب الصالحين ....

 

ويمكنك القيام بعملية بسيطة تساعدك على الشعور بالندم احضر قلم وورقة  واقسمها إلى قسمين ، الأول سجل فيه نعم الله عليك .... والثاني أدرج به معاصيك .... وانظر إلى القسم الأول : أنت تبصر وغيرك لايبصر ومع ذلك أمام هذه النعمة معصية .... أنت تسمع وغيرك لايسمع وأمام هذه النعمة معصية .... أنت تتحرك وغيرك مقعد وأمام هذه النعمة معصية ..... وكلما سجلت ستجد عدد المعاصي يتزايد ويقابلها نعم من الله لاتعد ولاتحصى لم يحرمك منها يوماً وأنت تجحد بها.

 

الشرط الثاني هو ( الإقلاع عن الذنب ) أي التوقف عن المعصية التي ندمت على اقترافها دون أن تستثني منها شي ... فأن كنت تغتاب فيجب أن تتوب عن الغيبة تماما ولا تقبل توبتك لو أنك استثنيت شخصاً لتغتابه ... بل يجب أن تكون توبة شاملة عن هذا الذنب ....

 

والشرط الثالث وهو ( العزم على عدم العودة ) فأنت تعاهد نفسك وتعاهد خالقك بهذا العزم أن لاتعود إلى إرتكاب هذا الذنب .... فأن شعرت أنك حققت الشرط الأول وندمت وحققت الشرط الثاني وأقلعت عن العودة ، لكنك عجزت عن الشرط الثالث إلا وهو العزم .... فهذا يعني أن بقلبك ضعف وإرادتك تحتاج لأن تقويها فأوصيك بالدعاء إلى الله أن يخرج من قلبك التعلق بالمعصية وأن تعمل على تقوية إرادتك فلاتجعل النفس الأمارة بالسوء تحكمك ولا تسمح للشيطان أن يتلاعب بك ويهيء لك أنك أضعف من أن تقرر شيء في حياتك وتلتزم به.

 

 

 

نماذج للتائبين

 

لعل قصة الغامدية تعتبر من القصص المعروفة عن التوبة وأذكرها هنا لهدف واحد هو معرفة كيف تكون الإرادة القوية والرغبة في التطهر  والعزم على التوبة...

 

فالغامدية أسلمت على يد الرسول عليه الصلاة والسلام وعاشت في المدينة المنورة وتزوجت من صحابي جليل .... ثم اقترفت خطيئة الزنا ... وذهبت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام تقول ( يارسول الله إني زنيت وإني حبلى فطهرني يارسول الله) .... وكررتها ثلاث والرسول عليه الصلاة والسلام يشيح بوجهه عنها إلى أن قال لها في الثالثة ( اذهبي حتى تلدي ثم ائتني)...

 

وهذا يعني أنها ستغيب 9 أشهر قد تزول خلالها رغبتها بالتوبة والتطهر ولو قسناها على أنفسنا سنجد أننا ننسى خطاياها بعد مرور ساعات وأيام .... ولكنها عادت بعد ولادتها تقول ( يا رسول الله أقم علي الحد ) .... ويجيبها عليه الصلاة والسلام ( اذهبي حتى تفطميه ) .... وهذه المرة تطول المدة لعامين ترضع خلالها وليدها ولاتنسى ذنبها ولاتزول رغبتها بالتطهر فتعود وهي تمسك في هذه المرة بيد طفلها وبثبات تطلب أن تنال عقوبتها فيرفق عليه الصلاة والسلام بابنها ويحمله ويرفعه بين الصحابة قائلاً ( من يكفل هذا ويكون رفيقي في الجنة؟ ) ويتسابق الصحابة على كفالته لنيل هذا الشرف العظيم وترجم الغامدية حتى الموت ، فما يكون بالرسول عليه الصلاة والسلام إلا أن يقول: ( اصطفوا خلفي فاني مصلٍ عليها) .... وبادره عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستغرباً يقول: ( يارسول الله أتصلي عليها   وهي زانية؟؟!!) ويجيب نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام ( ويحك ياعمر لقد تابت توبة لو قسمت على 70 من أهل المدينة لوسعتهم ) ....

 

نرى في هذا المثال الثبات على التوبة والندم الذي يلازم المذنب ويعيش معه حتى يتطهر مهما طال به الزمن ... ونرى رحمة الله الواسعة وتقبله لتوبة عبده النادم ...

 

 

 

اسئلة الحضور

 

السؤال : كيف أستطيع أن أثبت علاقتي مع الله ولا أغفل أو تشغلني أمور الدنيا عن أداء واجبات العبادة بالشكل الصحيح؟

 

الإجابة : هناك مفاتيح عديدة تثبت علاقتك مع الله وتبعدك عن الغفلة وأدرجها هنا بإختصار في 5 نقاط:

 

أولاً : الصلاة في أول وقتها.

 

ثانياً : قراءة القرآن يومياً ولو صفحة بتدبر.

 

ثالثاً : الدعاء بصدق ولو دقيقتين.

 

رابعاً : ذكر الله وترديد ( سبحان الله والحمدلله ولاإله إلا اله )

 

خامساً : الإبتعاد عن أصدقاء السوء.

 

 

 

السؤال : ماهو رأيكم في الإستماع إلى الأغني ومتابعة المسلسلات التلفزيونية؟

 

الإجابة : أنا أوجه سؤالي للحاضرات وأقول الأغاني ماذا تفعل بالقلب؟وإلى ماذا تؤدي؟

 

فمنذ أكثر من 70 عام لم يكن هناك شاب يصادق فتاة علنا ولم تكن تلك الحالة شائعة بالشكل الذي نراه اليوم عندما أُغرقنا بالأغاني والمسلسلات التي تتحدث عن فكرة واحدة فقط هي ( العلاقات العاطفية بين الشاب والفتاة ) ...  فتدفع القلب للإنشغال بهذه الفكرة وتصور له أن هذه هي الفطرة ، وتدفع جوارحك لعمل ماتقوله تلك الكلمات .... وننسى أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم ( ولا متخذات أخدان ) ... ولم يمنع الله هذه العلاقات في غير إطارها الشرعي إلا لحكمة يؤكدها علماء النفس اليوم هي أن العقل الباطن للفتاة يبقى معلقاً بعد الزواج بصورة الشاب الذي عرفته قبل أن ترتبط بزوجها وأن عقلها يستمر بعقد المقارنات بين تلك العلاقة المليئة بالزيف والتمثيل حيث يحاول كل طرف إبراز محاسنه وبين الحياة الواقعية مع  زوجها المثقل بالمسؤوليات .... إلى جانب أن جميع الدراسات تؤكد أن حوالي 90% من العلاقات الغير شرعية تنتهي بلازواج وبالتالي ينكسر قلب الفتاة والفتى ويصيبهم الإحباط والحزن والأسى .... والإسلام يريد أن يحافظ على القلوب ويضع المشاعر في إطارها المشروع .... ومن هنا ندرك الإثم الذي نقع فيه بالإنسياق مع هذه المفاسد والتي تسيرنا معها دون أن نشعر فنقع عن طريقها في الكبائر ... ولو تفكرنا بعقولنا في سلبياتها وإيجابياتها لنبذناها من حياتنا دون تردد.

 

 

 

السؤال : كيف نخشع في الصلاة؟

 

الإجابة : قال تعالى "و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين. "يجب أن نعرف أن الصلاة هي مقابلة لله عز جل ، و هي المدخل على الله ، و السبيل الأساسي لمعرفة الله و معرفة الله هي سر الوجود....ولعل الحديث عن الخشوع في الصلاة يطول ويحتاج إلى محاضرة منفصلة لكن سأختصر النقاط الهامة ويمكنكم العودة للإستماع لتسجيل المحاضرة الخاصة بذلك على موقع الإنترنت www.forislam.com

 

خطوات الخشوع في الصلاة:

 

1 ) ترك المعاصي فكلما ابتعدت عن المعاصي يزداد خشوعك.

 

2 ) المحافظة على المفاتيح الخمس التي ذكرناها لتثبيت علاقتك مع الخالق.

 

3 ) حفظ سور جديدة من القرآن الكريم والصلاة بها بدلاً عن قراءة  نفس آيات محددة وترديدها بشكل آلي في كل صلاة.

 

4 ) النقطة الأخيرة الهامة هي أن تستوعب الحركات التي تقوم بها والكلمات التي ترددها خلال صلاتك فكل كلمة منها لها مردود على القلب يدفعك للخشوع .... لاحظ مثلاً أنك تردد ( الله أكبر ) منذ بداية الصلاة وتذكر وأنت ترددها أنك تقول في هذه اللحظة ( لايوجد شيء في قلبي الآن أكبر من الله ) هذا الإستيعاب يدفعك لأن يكون كل تركيزك مع خالقك فترتقي بتفكيرك في الدنيا ومافيها وتنصرف للصلاة بقلب حاضر .... ولعلكم بهذا الإدراك لمعنى كلمة الله أكبر تدركون الحكمة من أنها الكلمة الإنتقالية بين كل حركة من حركات الصلاة وكأنها تذكرك وأنت تسجد وتركع أن لاتغفل ولاتنشغل فالله أكبر مافي الوجود وأكبر مافي قلبك...

 

ثم ضع تركيزك في الكلمات التي تتلوها ولنأخذ صورة الفاتحة كمثال حيث تقول ( الحمدلله رب العالمين ) ويرد عليك الله سبحانه وتعالى في هذه اللحظه " حمدني عبدي"..... تقول ( الرحمن الرحيم ) ويرد عليك الخالق " أثنى علي عبدي " ... تقول ( مالك يوم الدين ) ويقول عز وجل " مجدني عبدي " ..... وتقول ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فيقول " هذا بيني وبين عبدي ".... متى ما استشعرت بهذا الحوار الرائع الذي يدور من خلال تلاوتك تصل للخشوع في الصلاة وتقف بين يدي الله وأنت حاضر القلب مدرك لكل حرف تتلوه وتلمس قرب الله منك وأنت تؤدي هذه العباده له.