في (سيدتي) تعلمت فن المداولة والمحاورة السياسية الإعلامية

الدكتورة فاتنة أمين شاكر أول رئيسة تحرير سعودية

رانية سلامة
صور وفيديو

تميز الإعلام السعودي بتقديم أقلام متميزة للقارئ العربي في كل مكان، ويبقى لكل مجال رواده الذين حملوا لواءه ورسموا صورته المتكاملة التي نراها اليوم مجسدة أمامنا... أما ضيفتنا اليوم فهي رائدة الإعلام السعودي النسائي وأول رئيسة تحرير سعودية الدكتورة (فاتنة أمين شاكر) الذي يغني ذكر اسمها عن الحاجة للحديث عن سيرتها المشرفة وبصمتها الفريدة في العمل الصحفي والاجتماعي والتربوي... نصحبكم مع كتاب مفتوح يحكي عن مشوار ممتد من سنوات مضت إلى سنوات قادمة تمضي فيها ضيفتنا بنفس الروح الجميلة والعطاء الكبير والعمل المتواصل.

 
بين الإدارة والإعلام

لوعدنا إلى أول تخصص دراسي للدكتورة ( فاتنة شاكر) نلاحظ أنه كان في إدارة الأعمال، فلماذا اخترت هذا المجال بالرغم من اهتماماتك الاجتماعية والأدبية؟
علم الإدارة ضروري لجميع مجالات العمل بما فيها الآداب والعلوم لذلك وقع اختياري عليه ... ولقد برزت أهميته مؤخراً فأي خبرة تحتاج إلى تسويق وإدارة لنتمكن من استثمارها بشكل جيد ... وهذا ما يدفعني للتفكير بأن أواصل دراساتي العليا في علم الإدارة لأنني أؤمن بأهميته وانعكاساته على مختلف مجالات العمل التي أمارسها.

ولكن بعد حصولك على شهادة البكالوريوس في ( إدارة الأعمال ) بدأ عملك مباشرة في الإذاعة والصحافة السعودية فهل جاءت هذه الخطوة بتخطيط مسبق؟
الواقع بعد إنهائي لدراستي الجامعية في القاهرة وعودتي إلى أرض الوطن وجدت أن مجالات عمل المرأة محدودة جداً في ذلك الوقت فلم أتردد بقبول وظيفة أخصائية اجتماعية في وزارة الشؤون... ومنها انخرطت في العمل الاجتماعي... ثم توجهت للصحافة والإذاعة رغبة مني بفتح هذه المجالات لعمل المرأة... وبناءًا على تجربتي في هذه الأعمال اخترت التخصص في علم الاجتماع فيما بعد.

هل كانت هناك أسماء نسائية أخرى تمارس العمل الصحفي في ذلك الوقت؟
لا أستطيع أن أقول إننا كنا نمارس العمل الصحفي بل كنا نشارك بالكتابة كهواية فقط ... أما الأسماء النسائية التي كانت تكتب في الصحافة السعودية فكانت قليلة جداً من بينها الشاعرة الكبيرة (ثريا قابل) والأستاذة (هدى الدباغ) و الشاعرة (سلطانة السديري)... وبعض الأسماء الشابة في ذلك الوقت مثل الأستاذة (خيرية السقاف).

طموحك الكبير دفعك مرة أخرى للغربة من أجل استكمال مشوارك التعليمي حتى حصلت على شهادة الدكتوراه، فماهو الموضوع الذي اخترته للرسالة؟
عنوان رسالة الدكتوراه كان (مشاكل التحديث في الدول النامية ودور الحكم الملكي في عمليات التحديث في المملكة العربية السعودية)، وحصلت عليها من الولايات المتحدة الأمريكية ثم انتقلت مع زوجي السابق إلى سويسرا وكينيا وبعدها عدنا إلى المملكة حيث بدأت عملي كأستاذة في قسم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

قد يكون تعليم المرأة بحد ذاته في ذلك الوقت أمر غير مقبول في المجتمع فما هي العوامل التي ساهمت في حصولك على هذا التعليم المتميز؟
أعتقد أنني كنت محظوظة جداً بفرص التعليم التي وفرت لي ، فوالدي ـ حفظه الله ـ مؤمن إيمان شديد بتعليم الفتاة وأيضاً والدتي التي كانت تزرع بداخلي ضرورة الاهتمام بالتعليم والسعي له فهيأتني نفسياً للغربة لأنه لم يكن تعليم الفتاة في المملكة قد بدأ في ذلك الوقت وحصنتني بمفاهيم ومبادئ تساعدني على الحياة الكريمة بعيداً عنهم فكانت دائماً ما تذكرني أن المرأة لايحميها في حياتها بعد الله إلا عقلها وأخلاقها ودينها فإن تسلحت بذلك لا تحتاج لرقيب خارجي يتتبع تحركاتها... هذه الثقة من أسرتي جعلتني أشعر بمسؤولية كبيرة وأرغب بالاستفادة الحقيقية من كل فرص التعليم والعمل المتاحة لي.

رئاسة التحرير

الدكتورة ( فاتنة أمين شاكر) أول رئيسة تحرير سعودية لمجلة عربية، لابد أن هذا المنصب يشكل نقلة في مشوارك الوظيفي، فهل لك أن تحدثينا عن بدايات هذه التجربة؟
أثناء عملي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة حصلت على إعارة لدار حافظ للنشر والتوزيع لكي أبدأ معهم بتأسيس مجلة ( سيدتي ) عام 1980م... ولا أنكر أنني تخوفت من التجربة في البداية فأنا كاتبة ولم أمارس العمل الصحفي بشكل محترف... مما دفعني لسؤال البعض عن الدور الذي يقوم به رئيس التحرير وكانت الإجابة (إنه إجازة المواضيع المقدمة لك)!!!... بالطبع لم أقتنع بهذا الدور فحاولت أن أستجمع مخزوني من التجارب في الحياة والعمل لأتمكن من إخراج الصورة التي أتمناها للمجلة وأطرح من خلالها مشاكل المرأة السعودية والعربية وأتلمس قضاياها واحتياجاتها وطموحاتها .

إلى أي حد خدمتك خبرتك السابقة في العمل أو الدراسة أثناء رئاستك لتحرير (سيدتي)؟
كوني دارسة لعلم الاجتماع وممارسة لهذا العمل وجدت أن أمامي وسائل عديدة لتوظيف ذلك في العمل الصحفي لأن هذه الخبرات ولدت بداخلي رؤى وتصورات وقدرة على البحث والتأمل والتفكير ومعالجة المشاكل... وهذه مقومات تجعل الطرح أقرب لنبض المجتمع وأكثر وصولاً للقارئ... من جهة أخرى دراستي الجامعية لإدارة الأعمال ساعدتني على ممارسة العمل الإداري المطلوب من رئيس التحرير بشكل أكثر دقة.

 

ماذا تعلمت من هذه التجربة؟
في ( سيدتي ) تعلمت الصحافة من الألف إلى الياء... وكانت هذه التجربة بالنسبة لي بمثابة مدرسة لتعلم العمل الصحفي ومسؤوليات الإدارة... بما فيها التعامل مع مكاتبنا ومراسلينا في مختلف بلاد العالم وكان هذا الفريق يمثل العالم العربي بجميع تناقضاته وصراعاته فكانت تبرز بعض الأبعاد السياسية من حين إلى آخر مما يتوجب التعامل معها بحكمة شديدة... وتعلمت أيضاً طريقة وضع العناوين و (طبخ) المقال ووضع الماكيت، والتعامل مع الإعلانات التي تأتي في اللحظات الأخيرة فنضطر معها لقص بعض المقالات... إلى جانب التوفيق بين رغبات الناشر والموزع والمعلن والقارئ والرقابة... وتعلمت أيضاً كيف أواجه وأحتوي التحديات والعقبات التي تقف في طريقي كامرأة تعمل في هذا المجال .

 

تحدثت عن التحديات، فما هو نوع هذه التحديات التي واجهتك؟ وكيف كان انعكاسها على عملك؟
كوني امرأة سعودية تتقلد هذا المنصب لأول مرة في الوقت الذي لم يكن فيه عمل المرأة في مجال الصحافة مقبولا لدى مجتمعنا كنت أواجه أصوات الرفض التي تتعالى باستمرار على عملي وتعلمت كيف أحولها إلى دافع للاستمرار وقوة وحماس يحركني ، حتى أصبح فكري لا يعمل إلا مع وجود التحديات... من جهة أخرى في عام 1980م الخط الذي كان متاحا ًلنا للسير عليه كان أضيق بكثير مما هو متاح اليوم ، والتعامل مع الرقابة في كل بلد عربي أمر يحتاج لدقة كبيرة في كتابة كل موضوع لأن مايسمح في بلد عربي قد لايسمح في غيره... ومن هنا تعلمت (فن المداولة والمحاورة السياسية الإعلامية) التي اسميها (لعبة القط والفأر).

 

قد تتطلب الكتابة المقالية من الكاتب نوعاً من الصفاء الذهني وعدم الانشغال ليتمكن من الإبداع والعطاء ، فهل سرقك العمل الإداري في تلك المرحلة من الكتابة؟
على العكس تماماً،فأنا كنت أكتب الافتتاحية، وأعالج المشاكل الاجتماعية في صفحتين، وأشارك في التحقيقات واللقاءات، كان الأمر ممتعاً بالنسبة لي.

 

من الملاحظ أن المرأة تتميز عندما تعمل في مجال الصحافة والأدب ربما أكثر من الرجل فما هو السبب في ذلك من وجهة نظرك؟
هناك أبحاث أجريت منذ سنوات تتحدث عن نشاط الشق الأيمن من المخ لدى المرأة أكثر من الرجل، وهذا الشق مسؤول عن التأمل والشفافية والإبداع والعاطفة... وكل هذه الأمور تساعد في الكتابة والعمل الاجتماعي والصحفي، أما الرجل فيتفوق لديه الشق الأيسر من المخ الذي يقوم بالعمليات الحسابية والعقلانية، لكني أعتقد أن المرأة مؤخراً بدأت تثبت أنها قادرة على التفوق في الجانبين... بينما الرجل لايزال محتاجاً لتنشيط الجانب الأيمن.

 

هل هناك أسماء محددة تأثرت بها في عالم الصحافة؟
هو ليس تأثر ولكنه تعلم ... فعلى سبيل المثال لا الحصر، الأستاذ (مصطفى أمين) رحمه الله كان متعاوناً مع الصحافة العربية بشكل عام ومن بينها سيدتي، فسنحت لي الفرصة للاستفادة من خبراته ونصائحه التي ساعدتني على تخطي الهجوم الشخصي وعدم التعاطي مع المهاترات حتى لا أهدر جهدي ووقتي، وأيضاً علمني شيء هام جدا هو (أخلاقيات العمل الصحفي) التي تتعلق بسرية المعلومات إذا طلب منك صاحبها ذلك حتى ولو كانت بالنسبة لك سبق صحفي.

 

ماذا عن حياتك الخاصة أثناء هذا العمل الشاق؟
أنا بطبعي أحب أن أحافظ على خصوصيتي وأمنحها الأولوية دائماً، لكن من أجل (سيدتي) حياتي الخاصة تحولت إلى عامة، ولعل تفهم زوجي السابق لطبيعة عملي ساعدني كثيراً، وهناك عدة أمور كنت أحب أن أقوم بها بنفسي في البداية لرغبتي بالحفاظ على مستوى معين للمجلة، مثل مراجعة المواضيع بالرغم من وجود مراجع متخصص... وإشرافي على كل صغيرة وكبيرة... لكن فيما بعد شعرت أن العاملين معي قد استوعبوا أسلوبي وأصبحوا مؤهلين للقيام بهذه الأدوار على أكمل وجه.

 

عندما تتحدث الدكتورة (فاتنة) عن هذه التجربة نلمح في كلماتها تميز وثراء التجربة وحبك لها فلماذا انتهت علاقتك بها بعد عامين من النجاح؟
لكل تجربة عمر افتراضي تنتهي بعده... وأنا شعرت أننا وصلنا بعد عامين لأعلى مستوى من الحرية يمكن الوصول له والعطاء من خلاله في ذلك الوقت... فقررت أن أعود إلى عملي في الجامعة من جديد خاصة وأن فترة الإعارة كانت قد انتهت.

 

الصحافة العربية انتكست بعد حرب الخليج

ماهو تقييمك للصحافة العربية اليوم؟
لا أستطيع أن أبدي رأيي في الصحف أو المجلات العربية لأنني انقطعت تقريباً عن قراءتها بعد حرب الخليج التي أعتقد أنها أصابت الصحافة بنكسة لازالت تعاني منها... فاكتفيت بقراءة الكتب واتجهت مؤخراً لقراءة السيرة النبوية بتعمق لأنني عندما درست علم النفس الحديث لاحظت أن معظم نظرياته مستمدة من مبادئ موجودة لدينا في الإسلام وكلما استرسلت في القراءة والدراسة أجد أن الأساس لدينا وأننا نحتاج فقط لاستيعابه وتأمله وتطبيقه لتستقيم حياة الفرد النفسية والاجتماعية.

 

القدرة على التعامل مع نفسيات الآخرين تعتبر من سمات شخصيتك، ولك تجارب فريدة في هذا المجال منها فكرة مجموعات العلاج (Group Therapy) والتي تعتمد على العلاج النفسي الجماعي فكيف تمكنت من إقناع السيدات بهذه الفكرة خاصة وأن الإنسان العربي لا يحب أن يحكي مشاكله أمام الآخرين ويخشى من مجرد التفكير بإطلاع أحد على الأمور التي تزعجه؟
في الواقع المجموعة شكلت نفسها ولم أخطط لتكوينها فالأمر بدأ بشكل طبيعي بين مجموعة من السيدات اللاتي يعانين من مشاكل اجتماعية أو ضغوط نفسية ، وكن يحتجن فقط للمؤازرة والمساندة لذلك أطلق عليها (مجموعات المؤازرة)... وقد تكون الفكرة تحققت بتلقائية بينما هي في الواقع أسلوب علاج معتمد ومتعارف عليه في علم النفس... تعتمد هذه المجموعة على مقومات معينة منها ثقة الأفراد في بعضهم البعض والحفاظ على الخصوصية والاحترام والرغبة الحقيقية في الوصول لاستقرار نفسي يساعد على تخطي المشاكل المحيطة بهن... والأهم في نجاح مجموعات المؤازرة هو الابتعاد عن فكرة التقييم لأخطاء الفرد... هذه الأمور تتطلب وقتاً طويلاً لبنائها لكنها قد تنتهي في لحظة بردة فعل سلبية من أحد أفراد المجموعة.

 

من الطبيعي أن يكون لدى الإنسان حساسية نحو معاناته النفسية فكيف ينجح المعالج بإطلاق عنان لسانه ليحكي عن مشاكله؟
السر هو أن تعطيه مجالاً نفسياً للحديث ، فعندما نفكر في الطرف الآخر بشكل إيجابي ننقل له شحنات كهرومغناطيسية إيجابية تهيئ الجو النفسي ليتحدث ويستمع إلى صوته ... عندها يشعر براحة أكبر ويسترسل ويصل إلى نتائج جيدة لحل مشاكله لأنه بالتعبير عنها يعرفها ويتخلص منها ... أما التفكير السلبي بالآخرين فأعتقد أنه نوع من أنواع التلوث البيئي الذي نعاني منه فهو مليء بالشك وسوء الظن والانتقاص من الآخرين وبالتالي يتلوث الجو النفسي وتسوء العلاقات .

 

على ذكر نشاطاتك الاجتماعية تشاركين من وقت لآخر في الملتقيات النسائية الثقافية التي انتشرت مؤخراً في المملكة، فماهو تقييمك له؟ وماهي مرئياتك لتطوير دورها؟
الملتقيات النسائية كظاهرة تعتبر جيدة وصحية ، لكن الاستفادة منها تعتمد على هدف الشخص من حضورها فهناك من تحضر للاستفادة وهناك من تحضر للوجاهة الاجتماعية... وعلى كل حال المجهودات المبذولة فيها للتوعية والتواصل والثقافة تعتبر ممتازة، من جهتي فأنا عضوة في ملتقى واحد فقط هو (الصالون الأدبي) للسيدة "مها فتيحي" وهو يضم مجموعة متميزة من الأديبات وسيدات المجتمع لكن ما يجعلني متحمسة له هو احتواؤه على العنصر الشبابي وهذا ما أتمنى أن نهتم به لأن تكوين هوية وفكر الجيل الجديد بشكل صحيح هو واجبنا الحقيقي نحوهم .

 

ماذا عن علاقتك بالحاسب الآلي؟ وهل تفكرين بإنشاء موقع خاص بك على شبكة الإنترنت؟
لقد صادقت الحاسب الآلي قبل 15 عام،لكن ضغوط العمل فرقت فيما بيننا إلى أن عدت إليه مؤخراً والتحقت بدورات مكثفة لتوثيق هذه العلاقة من جديد ولمحاولة تصميم موقع خاص بي بنفسي وقد ترى هذه الفكرة النور قريباً .

ماهو تعريف هذه المفردات في قاموس الدكتورة فاتنة شاكر:

الغربة: أمي.

الحب: نبض الكون، وله مفهوم مختلف لدي عن المفهوم الذي يحصره في حب الرجل المرأة فهو بالنسبة لي حب أسمى لكل الناس ولله وللرسول عليه الصلاة والسلام... هذا النوع من الحب عندما يتمكن من قلب الإنسان يجعله يعيش في حب وسعادة دائمة.

الرجل: وجوده أساسي في حياتي ولقد عشت 10 سنوات بعد انفصالي عن زوجي الأول والآن أكرر تجربة الزواج الذي أتمنى أن يدوم بإذن الله.

بداية جديدة

كنتِ متزوجة وانفصلت والآن تخوضين تجربة الزواج الثاني ، فما الفرق بين الاختيار الأول والاختيار الثاني لشريك حياتك؟
في المرة الأولى أعتقد أنني اختَرتُ زوجي... أما في زواجي اليوم فقد أُختِرت له.