الحكومة الأمريكية أرادت أن تعطي الشعب العراقي جرعة ثقة وإثبات بأن النظام قد زال فأتاحت المجال للسرقة والنهب

الإعلامي جميل الذيابي: الشعب العراقي لا يبحث اليوم إلا عن الدواء والعلاج

عربيات - خاص
صور وفيديو

السيرة الذاتية

ـ ماجستير في العلوم السياسية من جامعة ريدنق البريطانية
ـ بدأ في دراسة الدكتوراه من كلية كونقز كولج في لندن ولازال يعد مشروعها
ـ دورات تدريبية في الاعلام في بي بي سي وبعض الاجهزة الاعلامية العالمية
ـ مراسل جريدة الرياض في لندن
ـ مدير مكتب مجلة فواصل في لندن لمدة سبع سنوات
ـ مدير مجلة ليلة خميس في لندن ثلاث سنوات
ـ عمل مشرفاً على النشرة الاعلامية السعودية في لندن التابعة لسفارة المملكة في لندن
ـ صحافي في جريدة الشرق الاوسط
ـ مراسل تلفزيون الخليفة في السعودية والخليج
ـ مراسل تلفزيون ال بي سي
ـ مسئول تحرير جريدة الحياة في جدة وممثل المدير الاقليمي في المنطقة الغربية
ـ مشرف مدرسة الحياة الصحافية في جدة

 

 

مابين اندلاع الحرب وسقوط بغداد برزت علامات استفهام كثيرة لدى المتابع للأحداث والأخبار المتضاربة، وبدت الرؤية ضبابية والتفسيرات متباينة  لكنها تختلف بالتأكيد لمن سنحت له الفرصة للتواجد في قلب الحدث لاستطلاعه عن قرب... فكيف هي بغداد اليوم؟ وماهي احتياجات المواطن العراقي؟.. هذا ما ينقله لنا الأستاذ جميل الذيابي في لقائنا معه  بعد عودته من بغداد.

 
ـ ماهو سبب اختياركم للعمل في مجال الصحافة مع ان تخصصكم الدراسي كان في العلوم السياسية؟
أعتقد ان الاختيار له مسببات لكن تظل الرغبة الجادة والهواية المحببة للنفس أقرب الطرق دائما لشق الطريق نحو مجال معين ، لا أنكر أنني خريج العلاقات الدولية في العلوم السياسية لكنني كنت وأنا أدرس أتدرب على مناهج البي بي سي وأعمل مديراً لمجلتين في لندن وصحافياً متفرغا فربما اجتمعت السياسية بالقلم الإعلامي وامتزجت في الحقل الاعلامي لتصقل مني شخصا إعلاميا يحمل الهم في الحصول على مصداقية وموثوقية الخبر الذي يقرأ في عيون القارئ .

ـ قضيت سنوات طويلة من الدراسة والعمل في الخارج فإلى أي حد استفدت من تلك التجربة ؟
صدقني كل السنوات التي قضيتها خارج حدود الوطن وداخل أسوار جامعة ريدنق كانت مليئة بعناوين و أسميها (تكوين الشخصية وبلورتها في واقع الصراحة)، يكفيني أينما تحركت لأي بلد خارج وطني امتلك أصدقاء من جنسيات عديدة وتربطني بهم علاقة ود وصداقة وبعضهم تبوأ مناصب رفيعة في بلاده والبعض الاخر في هيئة الامم المتحدة .

ـ من الملاحظ ثراء تجربتك الإعلامية وتنوعها مابين العمل في الصحافة والمجلات والفضائيات ، فأي تلك التجارب أقرب إلى نفسك ؟
أقربها إلى نفسي هو الصحافي السياسي ، وكذلك  الجلوس على الديسك وتناول رسم الصفحة واخراجها بعد تجهيز موادها من المراسلين والوكالات .

ـ يسود الإحساس لدى الجميع بأن الحقيقة خلال هذه الحرب كانت مفقودة بين الأخبار التي كان ينقلها الفريق الإعلامي المرافق للقوات الأمريكية والفريق الإعلامي الذي تواجد داخل المدن تحت الإدارة العراقية السابقة ، فمن خلال احتكاكك هل تسنى لك معرفة الأوامر والمحاظير التي كان يتلقاها كل فريق من الجانب الذي كان يرافقه ؟
كانت هناك بعض الأخبار المتناقلة بين الصحافيين وبالذات مراسلين بعض المحطات بأن هناك قيود عليهم وسط المعارك وليس في بداية العمليات العسكرية بعدم تعريض أنفسهم للخطر خاصة المرافقين للقوات الاميركية وكانت توقعاتهم الشخصية تشير إلى ان الجنود الاميركيين لايرغبون في ان يرو حجم الدمار وقتل العراقيين وعدد الضحايا الابرياء ، وعلى الطرف  داخل الظل الصدامي( صدام حسين ) كانوا يجبرون على نقل تقارير مصداقيتها فيها ربع الحقيقة كما أكد احد هؤلاء المراسلين علناً .

ـ تحت أضواء الكاميرات شاهدنا العديد من الصور المتناقضة فقبل الحرب كنا نشاهد مظاهرات التأئييد للنظام العراقي وبعده شاهدنا صور الفرح بسقوطه بين هذا وذاك وعلى أرض الواقع ، إلى أي حد لمست كراهية العراقيين للنظام السابق أو تأييدهم له ؟
حقاً يكرهون هذا النظام إلى درجة لايمكن وصفها إلا بحدة الكره والعدوانية السيكوباثية ، فمثلاً قلت لهم بأن العرب يقولون ( نار صدام ولاجنة أميركا )، فردوا علي بأن على العرب ان يجربوا هذه النار التي كوت أجسادنا باللهب الأحمر وقطعت ألسنة ابناءنا عن الحديث وشوهت الآذان وقصتها في شكل مفزع وغيرت من المعالم الشخصية الحقيقية لنصف العراقيين ، وليتهم فقط بقيوا على كره النظام الديكتاتوري الصدامي بل اظهروا حقيقة كرههم للأنظمة العربية التي طالبوها بمساعدتهم في تحرير انفسهم من جيش وبطش صدام .

ـ هل يشعر رجل الشارع العراقي اليوم بأن بلده قد تحرر أو أنه سقط تحت وطأة الإحتلال ؟
الرجل العراقي لايزال يعيش بين جنة الحقيقة ونار اللاحقيقة ( لايعرف هل يصدق أو يكذب ماجرى ) ، لكنه في الايام الاخيرة بدأ يعرف جديا صدقية سقوط نظام صدام نهائياً ، أما المرأة فلاتزال تحمل أجزاء وذرات الشائعات ولم تصدق أن النظام زال ومن يلتقيهم على حنابل وحصر المساء أمام منازلهم المفتقدة إلى الاضاءات والحيوية يعرف انهم لازالوا يخشون ( ظل ) صدام واسمه.

ـ ماهو تفسيرهم للسقوط الدرامتيكي الغامض للقيادة العراقية وماهي رؤيتك الخاصة لمسببات هذا السقوط ؟
لا أعتقد انني أحمل احتمالات وتوقعات أكثر مما قيل في هذا الشأن ، واترك لكم فصاحة السؤال ونبض التنبؤات حتى يفرج عن حقيقة الطائرة التي هبطت بمطار بغداد عندما ضرب فندق فلسطين الذي احتليت به غرفة508 وذهب ضحايا لتلك الضربة عددا من الاعلاميين وغابت كاميراتهم عن تلك الطائرة ومن حملت بها .
 
ـ تلك الفوضى التي عمت العراق بعد سقوط النظام السابق هل تعتقد انها كانت طبيعية أم مخطط لها ؟
من وجهة نظري أن الحكومة الأميركية أرادت إعطاء الشعب العراقي جرعة ثقة وحرية وإثبات بان صدام ذهب وسقط نظامه وأنهم الآن يعيشون حالة تنفس وافراج من معاقل السجون بمنازلهم ، أو ربما تكون أرادت أن يبدع لصوص الشوارع في إخراج الإرث التاريخي العربي الإسلامي الذي تحتضنه مكتبات بغداد إلى حيث لا نعرف  و تمزيق هوية تاريخ ملبد بالحضارات والجبروت عبر القرون ، فقد تمزقت أوراق وكتب ومطويات وسرقت آثار لابد من  البحث عنها وإعادتها .

ـ ماهو حجم الدمار الذي حل بالمناطق التي زرتها ؟
ليس كل الأشياء مدمرة ، لكن اعتقد نظام صدام لم يخلق بنية تحتية تستحق ان تذكر او ينهض بالبلد حتى يذكر له شئ ويسجل له غير اعداد تماثيله القياسية ، التي امتلأت بها الساحات وغرقت بها الفضاءات في المدن العراقية ومكامن وثكنات الجيش الجمهوري وفدائي صدام.

ـ ماذا عن المتاحف والمكتبة والآثار التي تعرضت للنهب والحرائق ؟
أتمنى أن يجد العراقيين ولو الاغلفة التي يضعونها على الرفوف لتبقى خالدة وتجمع من جديد لكن الكثير منها سلب وذهب تحت الانقاض المدمرة وسرقت أمام الأعين العراقية المثقفة من دون ان تربك أقدامهم نظرا للانفلات الأمني والخوف من الاسلحة التي تداعبها أصابع الاطفال قبل الكبار في كل أسواق بغداد الجديدة والشعبية .

ـ كيف تقيم الحالة الصحية للمرضى في المستشفيات ومدى قدرة هذه المستشفيات على سد حاجاتهم من المستلزمات الطبية والدواء والتمريض؟
الشعب العراقي لايبحث الآن عن الغذاء وانما يبحث عن العلاج والدواء فكل أنواع الأمراض تسري في الاجساد العراقية الصغيرة والكبيرة حتى أن مسمياتها اختلطت وأصبح الأطباء لايعرفون ماهية هذه الأمراض ويكتشفون أنواع جديدة تسجل لدى منظمة الصحة العالمية.

ـ هل تعتقد ان أمريكا حصلت على ما أرادت في العراق أم ان الأمر خرج عن سيطرتها ؟
حققت شئ ولم تحقق كل شئ.

ـ وهل تعتقد ان الاوضاع في العراق الغير مستقر ستتحول للاحسن ام للأسوأ  خصوصا ان امريكا لم تنجز وعودها في افغانستان؟
اعتقد أن تجربتها في أفغانستان لايمكن وصفها بانها لم تنجح فهي على الاقل قضت على حكومة الطالبان . والآن أزالت حكم ظالم بقوة الصاروخ والمدفعية رغم ذهاب الأبرياء ولكن كل الحروب لها ضحايا لانقاذ البقية وعودة الحياة الشبة طبيعية إلى كل من يحلم بها ، والعراق أرض خصبة وغنية بمواردها والقادم بقوة في المنطقة هو العراق وسيصبح النموذج المستقبلي للديموقراطية وحكم الناس إذا كانت بالمقاييس التي تحدثت عنها الإدارة الاميركية.


ـ وسط الظروف الحالية التي يعيشها العراق بوجود خلافات طائفية وعرقية ومذهبية كيف تتوقع أن يكون الحكم " زعامة دينية مرجعها الشيعة أم فيدرالي كما يراه الاكراد ام ملكي " ؟
الحكم القادم في العراق سيكون انتخابيا لكن اتوقع من قراءة تحليلية سياسية شخصية ، ان الزعامة الرئاسية ستكون ( سنية ) لان أميركا تخشى ارتباط شيعة العراق بالدولة الفارسية وتهديد المصالح التي ترسمها على الخارطة أو رسمتها منذ ثلاثة قرون .

ـ ماهو رأي الشعب العراقي في الأسماء التي جائت بها واشنطن من المهجر للمشاركة في الحكومة المؤقتة أو الانتقالية مثل " أحمد الجلبي " وغيره ؟
الشعب العراقي اليوم أضعف مما نتوقع والمسميات ، بانه (.. شعب وشعب..) ، غير صائبة ، وربما يعود لحكم صدام سبب في ذلك ولكن الشعب العراقي يبحث عن من يوفر له الاستقرار ويجلب له الدواء في هذه الظروف أياً كان اسمه ، خصوصا وأن الأمية متفشية بينه بنسبة عالية وثقافته السياسية والاقتصادية تحت خط الفقر.

ـ هل حدثت عمليات تصفية أو انتقام ضد أعضاء البعث من قبل الشعب أو أعمال مشابهة فيما بين الفصائل المختلفة في العراق ؟
نعم ، وحدثتني أمرأة عراقية اسمها " سوسن الزبيدي " من بغداد عن تصفية منزل جارها الذي كان يعمل برتبة مقدم في الجيش الجمهوري هو وأبناءه اضافة إلى قصص لا أرغب بذكرها وهي باختصار حالات تصفية جماعية لعدة منازل للمنتمين للجيش الجمهوري ، والمضحك ان بعض العائلات العراقية الفقيرة طردت عوائل الجمهوريين من منازلهم الفخمة واحتلتها وهي الآن تسكنها وتختبئ بها.

ـ ماهي المشاهد المؤثرة والعالقة بذهنك بعد عودتك من بغداد؟
انفجار لغم في جسد رجل عراقي مسن وهو يمشي على حافة الطريق الغير مرصوف وأنا أتبعه وهو يتحدث لنفسه وأحلامه البعيدة بلسان وثقافة البغداديين ، وفجأة وطأت أقدامة اللغم وحملته وزميل لي في قناة " ال بي سي " إلى المستشفى ولكن  فاضت روحة قبل علاجه .. وكذلك لا أنسى مشهد  لامرأة عراقية انحنت وقبلت قدم صحافي ليجعلها تتحدث إلى ابنتها في الدنمارك عن طريق الهاتف الثريا.

ـ هل ترى في المشهد المظلم نقطة ضوء تدعو للتفاؤل ؟
ولماذا هذه السوداوية والعتمة، فالمستقبل القادم في العراق وتذكروا كلامي رغم عدم ظهور البوادر الكاملة لذلك حتى الآن ، لكن سترون حقيقة وقوة حدسي ، وعليكم الانتظار عاماً أو عامين فقط.