وسائل الإعلام وراء الإنقسام اللبناني، والحرية الإعلامية تحولت إلى فوضى

الدكتور جورج فرحة: كل وسيلة إعلامية في لبنان تغني على ليلاها

بلال وهبة - لبنان
صور وفيديو

 عن الواقع الإعلامي في العالم العربي عامة ولبنان خاصة، وانعكاس النظام السياسي على الإعلام يتحدث ضيف مجلة عربيات الباحث والمستشار الدكتور جورج فرحة، رئيس قسم العلوم والإعلام في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، عن دور الإعلام في النظام السياسي العام، وتأثيره على الرأي العام في الدول العربية، متطلعاً إقرارآلية تنظيمية للإعلام في لبنان، محملا مسؤولية الشقاق اللبناني لوسائل الأعلام.

وسائل الإعلام باتت أبواقاُ للسياسيين

يُنظر إلى لبنان على أنه دولة ديمقراطية في منطقة بعيدة عن الديمقراطية، هل تعتقد أن ديمقراطية النظام الإعلامي في لبنان يحتذي بها ؟
لا يمكننا القول أن الواقع الإعلامي في لبنان هو ديمقراطية إعلامية، فما نراه في لبنان هو فوضى إعلامية لا تخضع لأي رقابة أو معايير، وهذا واقع شهدناه منذ خمسة سنوات حتى يومنا هذا عبر وسائل الإعلام التي أصبحت منابر إعلامية لأهداف سياسية عكست واقع الانقسام السياسي، فاختصرت دور الإعلام وتحولت إلى أبواق لسياسيين، وهذا لا يترجم الديمقراطية، ولا يشير إلى صحة النظام الإعلامي في لبنان، لذا لا يمكننا اعتبار النظام الإعلامي في لبنان ديمقراطية يحتذي بها، فهي فوضى عشوائية يجب تنظيمها وإعادة بناء الجسم الإعلامي.


ولكن تنظر الدول العربية إلى لبنان على أنه مساحة للتعبير وحرية للرأي ومثالاً للديمقراطية والإعلام المنفتح، ألا يتعارض ذلك مع ما ذكرت؟
لا يمكن إنكار ذلك، فالوسائل الإعلامية اللبنانية نجحت في بعض البرامج الترفيهية التي تجذب أنظار المشاهدين العرب، ولا أنكر أيضا نجاحها في بعض البرامج السياسية، وهذا طبيعي نتيجة الانقسام والتنافس الحاصل بين المحطات نتيجة الانقسام والتنافس السياسي، ولكن ما أقصده بالفوضى في الإعلام اللبناني هو أن "كل يغني على ليلاه" بلا رقيب ولا حسيب، فكل وسيلة إعلامية تستطيع أن تذيع وتبث ما تريده حتى وان كان لا يصب في مصلحة المواطن والبلد والوضع الأمني والنظام السياسي.


المطلوب ضبط الإعلام لا توجيهه

وفقاً لما ذكرت، يتبين لنا أن الإعلام يؤثر على الأمن والسياسية، فهل باعتقادك يجب وضع أسس وأنظمة للإعلام لتلافي الإضرار بالمصلحة الوطنية والأمنية؟
من المؤكد انه يجب وضع أنظمة وأسس قوية وواضحة على وسائل الإعلام، فمن المعروف أن الإعلام هو السلطة الرابعة وهو صوت المواطن، وعبره تُنقَل الرسائل التي تحرك مشاعر المواطن وتنقل الصورة إليه، وهذا ما شهدناه في لبنان حيث كانت وسائل الإعلام هي المحرك والمثير الأساسي لفئات الشعب اللبناني، والعامل الأساسي في الانقسام السياسي الحاصل، ومن المعروف أن في لبنان إحدى عشر محطة تلفزيونية جميعها تتبع لإحدى عشر حزب سياسي طائفي مختلف، بينما في الولايات المتحدة الأميركية هنالك فقط ثلاث محطات تلفزيونية رئيسية، والسؤال ما هي معايير إعطاء تراخيص لفتح محطات جديدة؟، ومن يراقب المواد الإعلامية التي تبث؟، فهذا الانقسام السياسي أدى إلى أحداث أمنية، والمحرض الأول هي وسائل الإعلام التي كانت تحرض الناس بعضهم على بعض، لذا يجب ضبط وسائل الإعلام وهذا الضبط من وجهة نظري لا يتعارض مع الديمقراطية بل يصب في مصلحة الوطن .

يرمي حديثك إلى الإعجاب بتجارب بعض الأنظمة العربية والتي تقوم بتقييد الإعلام وتوجيهه وضبطه، فما مدى صحة ذلك؟
لست مع الإعلام الموجه، لكني مع الإعلام المنضبط الذي يحافظ على النظام العام في البلد واستقلالها، والذي لا يصب في مصلحة الأعداء وزعزعة الاستقرار، فإذا اعتبرنا أن الأنظمة العربية -التي يُنظر لها بالشمولية- بعيدة كل البعد عن الديمقراطية، علينا إذا إعادة النظر خاصة بكونها أنظمة أثبتت بأنها جديرة بالاحترام كونها حافظت على استقرارها وهيبتها الدولية أمام دول العالم، ولكن نحن كلبنانيين أثبتنا من خلال إعلامنا على وضعية عدم استقرار، وأننا لسنا جديرين باستقلالنا، وبالرغم من أن لبنان يحتل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي فذلك لا يعني شيئا في ظل الوضع السيئ وهذه الديمقراطية العشوائية .
 

ما مدى تأثير النظام السياسي على النظام الإعلامي؟
النظام الإعلامي في لبنان شبيه بالأنظمة الإعلامية في الدول العربية من حيث المضمون وليس الشكل، والاختلاف بينهما أن في الدول العربية يوجد نظام سياسي حاكم ويتحكم في النظام الإعلامي ويسخره لمصلحته ولأمنه مما يجعل المواد الإعلامية التي تبث تصب في المصلحة العليا للأنظمة والدول، أما في لبنان فهنالك أيضا إعلام موجه لكن بصورة جماعية ومختلفة، حيث أن كل وسيلة إعلامية موجهة من قبل طرف سياسي معين، وموادها الإعلامية تصب في مصلحة التيار السياسي الذي يوجهها، ومن خلال هذا التناحر بين وسائل الإعلام في الشكل يظهر أن هنالك منافسة بين وسائل الإعلام وتعددية تعكس ديمقراطية، ولكن في الحقيقة هي ليست بديمقراطية وروح تنافسية، بل هي فوضى واختلاف عشوائي.

أتطلع لتثبيت النظام العلماني، وهذه رسالتي للحكومة الجديدة

هل تقصد بأننا نعيش في بلد تحكمه مجموعات، وأننا في وطن مقسم إلى مقاطعات لكل مقاطعة بوقها الإعلامي؟
للأسف هذا هو الواقع الحالي، إننا نعيش في بلد مقسم، وكل فئة طائفية مذهبية تقتطع قطعة لها ولك قطعة (ميكروفونها)، لكي تتكلم بما يهدف إلى تعزيز صورتها وتثبيت مصلحتها ومصالحها الضيقة، فيجب تغيير مفهوم نظرة هذه المجموعات الطائفية إلى لبنان وكأنه قطعة جبنه يتخاصمون على تقسيمها والرابح من يحصل على القطعة الأكبر، يلزمنا الابتعاد عن النظر إلى الفرد على أنه فرد ينتمي إلى هذه الطائفة أو تلك، والانتقال بالنظر إلى لبنان على أنه الوطن الأساس والأم، وأنه يخضع لسلطة واحدة هي سلطة الدولة ومؤسساتها، وأن يكون إعلامها إعلام واحد يعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة والانتماء إلى الوطن، والنظر إلى الفرد في لبنان على أنه مواطن لبناني يتمتع بكامل حقوقه وواجباته التي نص عليها الدستور اللبناني.

يجب أن يتبع المواطن للوطن لا للطائفة

هل هذا يعني أن المشكلة في لبنان هي مشكلة نظام؟ وما هو الحل برأيك؟
هذا صحيح المشكلة في لبنان هي مشكلة النظام العام، فهنالك الكثير من البنود والمواد في الدستور اللبناني وفي اتفاق الطائف مبهمة وغير واضحة، فالنظام في لبنان يخضع اليوم إلى مفهوم الديمقراطية التوافقية بمعنى اتفاق الثمانية عشر طائفة لكي ينفذ أي مشروع، وهذا وراء تأخر انتخاب رئيس للجمهورية وتأخر تشكيل الحكومة اللبنانية، فالحل في تثبيت النظام العلماني، وان يكون المواطن تابع للدولة وليس للطائفة، وان نخرج من مفهوم الانتماء إلى الطائفة والدخول إلى مفهوم الانتماء للوطن، فأتطلع إلى إنشاء لجنة لإلغاء الطائفية السياسية، وهذا ما نُص عليه في اتفاقية الطائف، كما أتطلع إلى تثبيت مفهوم العمل المؤسساتي في الدولة، وان يكون هناك لجان مراقبة ومحاسبة، إضافة إلى العمل فعليا بمفهوم الديمقراطية حيث الأكثرية تحكم والأقلية تراقب وتنتقد نقدا بناء، في ظل نظام انتخابي لا طائفي كما آمل العمل على إلغاء الطائفية السياسية .


دكتور فرحة، يحكم اليوم لبنان رئيس جمهورية توافقي، وحكومة وفاق وطني، فما هي رسالتك إلى الحكومة الجديدة؟
في ظل رئيس الجمهورية التوافقي العماد ميشال سليمان الذي لعب دورا كبيراً وبناءاً في رئب الصدى وردم الهوة بين الفُرقاء اللبنانيين، وعمل على تخفيف الانقسام السياسي الذي شهده لبنان في ظل حكومة توافقية تجمع كافة الفرق اللبنانية والتي اتفقت على السير في مشروع إنمائي عام للبنان يمكننا أن نستبشر خيرا بالمرحلة القادمة، وان نتمنى عليهم أن يعملوا على تثبيت السلم الأهلي وإرساء الاستقرار السياسي والأمني والإعلامي، وإشاعة جو المصالحات والوحدة من أجل الحفاظ على لبنان، ودفع عملية النمو والتطور إلى الإمام، والعمل على وضع أسس أنظمة سياسية واقتصادية وإعلامية صحيحة تهدف بالدرجة الأولى إلى وضع مصلحة الدولة بالدرجة الأولى، وأتمنى للحكومة الجديدة ورئيسها سعد الدين الحريري التوفيق والنجاح ونجاح البلد لأن نجاح الحكومة هو نجاح لكل لبنان .