سنيا مبارك: الفيديو كليب خطر على الهوية العربية وعبث بجسد المرأة

رئيسة مهرجان الأغنية التونسية تحذر من الفيديو كليب

عربيات : إيهاب سلطان

وقفت بكل ثقة وهي بنت التاسعة من عمرها تشدو بأغنية "احكيلي عليها يا بابا" في إحدى حفلات تونس الساهرة، وبجوارها الفنان الكبير عدنان الشواشي، ومن يومها بدأت رحلتها مع الموسيقى والغناء حتى أصبحت من أشهر الأصوات الدافئة والمعبرة في تونس، وأكاديمية محترفة تدرس حقوق التأليف والانتشار في المعهد القومي للموسيقى، ولها العديد من المشاركات في مسرحيات غنائية منها " عسكر الليل، وصيف 61، وتحت الصور، وعليسة، وقامت بالمشاركة في وضع الموسيقى التصويرية لبعض الأفلام ومنها فيلم رقصة النار، أبو القاسم الشابي، إنها الفنانة سنيا مبارك التي التقت بها "عربيات"، وكان هذا الحوار.

كيف كانت بدايتك الفنية؟
عرفني الجمهور التونسي في إحدى حفلات تونس وعمري تسع سنوات بأغنية " احكيلي عليها يا بابا" مع الفنان الكبير عدنان الشواشي، وهي أغنية للأطفال، وقد بدأت بالغناء للأطفال، ثم درست بالمعهد القومي للموسيقى ـ دبلوم موسيقى عربية ـ حتى أصبحت أكاديمية أدرس في المعهد. وتواصلت مع الجمهور من خلال المشاركة في الحفلات والمناسبات العامة، وصدر لي أول البوم غنائي عام 1992 بعنوان ـ الحرية ـ ثم توالت الألبومات، وقد وفقني الله في الحصول على العديد من الجوائز، ففي تونس حصلت على الجائزة الأولى لأفضل إنتاج موسيقي في مهرجان الأغنية التونسية عام 1987،ووسام الاستحقاق الثقافي في عامي1994- 2000م، وفي عام 1995 حصلت على نوط الامتياز النسائي، وأيضا تكريم مهرجان المبدعات العربيات.... كما شرفت بتمثيل تونس وحصلت على جائزة الديابزون الذهبي الأسطوانة في فرنساعام1997، وميدالية كلارمون فران الفرنسية عام 1997، وجائزة أفضل صوت في مهرجان الأغنية العربية بعمان سنه2002.


شاركت في العديد من المهرجانات الغنائية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي. فإلى أي مدى ساهمت المهرجانات الغنائية في إثراء الأغنية العربية؟
أي مهرجان ينظم في أي دولة سواء كان مهرجان موسيقي محلية أو عربية أو عالمية فإنه يدعم المبدع، ويساهم بصورة إيجابية في إثراء الأغنية العربية لأن تنوع اللهجات العربية أو حتى اللغات العالمية جميعها تذوب في لهجة واحدة وهي اللهجة الموسيقية التي تعد لهجة كونية لا تعرف العوائق ولا الحواجز.

الأغنية التونسية لا تعبر الحدود؟ فما سبب ذلك؟
صحيح أن الأغنية التونسية ما تزال غير موجودة بما يليق بها، ولكن المبدعون الموسيقيون قاموا بمجهود كبير منذ عام 1938، ووقتها كان مؤتمر الموسيقى العربية في تونس، وأراد فنانون كبار نشر الأغنية التونسية واخذوا معهم التراث التونسي حيث كانوا، وأتصور أن الأصوات الغنائية الحالية هي السبب وراء عدم نشر الموسيقى التونسية، ومجهود الفنان التونسي للخروج بالأغنية خارج الحدود نسبي جدا، ولا أعلم هل اختار الفنانون الذين خرجوا للشرق بمحض إرادتهم أم كان هناك ضغوط عليهم من شركات الإنتاج في عدم نشر الأغنية التونسية.... وأرجح أن تكون شركات الإنتاج لعبت دورا كبيرا في حث المبدعين التونسيين على الغناء باللهجة التي تصل بسهولة إلى الجمهور العربي، وكثيرا من الفنانين أرادوا أن يشقوا طريقهم باللهجة المصرية أو الخليجية على أن يقوموا بعد نجاحهم بنشر الأغنية التونسية.

هل تعاني الساحة الفنية العربية من نقص في الشعراء؟
الشعراء موجودون وإنتاجهم غزير، وهناك شعراء متميزين في كتابتهم للقصائد بمختلف اللهجات العربية فهناك من يكتب باللهجة البدوية، والحضرية، و والخليجية والمصرية والشامية والتونسية والراي ، وهناك من يكتب بالعربية الفصحى، وبالنسبة لي فإني مقتنعة بأن الموسيقى هي اللهجة الحقيقية، وهي التي تنتشر طالما في نطاق اللغة العربية لأن اللهجات مهما اختلفت فهي من نفس المنبع والأصل.

احتكار شركات الإنتاج لصوت الفنان بات سمة العصر الحالي، فهل توافقين على احتكار صوتك؟
احتكار صوت الفنان ليست ظاهرة جديدة، ولكنها طغت في الآونة الأخيرة، وأصبحت القاعدة، وهي موجودة في أوربا، وبالنسبة لي كلمة احتكار بمعنى تقليص حرية المطرب في اختيار إنتاجه الذي يقدمه للجمهور فهذا هو الخطر، فالمقبول هو أن توفر شركة الإنتاج الأدوات الإنتاجية لصعوبة قيام المطرب بتوفيرها.... وبالنسبة لي فإن فرضت شركة الإنتاج علي غناء لون معين يحول دون تقديم شخصيتي الفنية فأنا ارفضه تماما، وخطورة الاحتكار الآن هو أن الفنان لا يستطيع اختيار أغانيه، ويفرض عليه غناء لون غنائي واحد حتى أصبحت الأصوات النسائية المتواجدة متشابهة مع بعضها البعض إلى حد كبير، وأصبح بعضهن يغني بالجسد وليس بالصوت وتجتهد في الإغراء ليميزها الجمهور عن غيرها، ومع الأسف الشديد يواجه الفنان الآن صعوبات عديدة ليصل إلى الجمهور بدون شركة إنتاج، وهذه هي الإشكالية التي تواجه الفنان كيف يصل للجمهور دون أن تمس هويته وشخصيته أو بدون تقديم تنازلات.

انتشار المطرب يخضع لأشياء كثيرة بعيدة عن جودة الصوت بعد دخول التكنولوجيا الحديثة في الغناء، فما رأيك في ذلك؟
معايير انتشار المطرب اختلفت كثيرا، فكلما " نشَّذ " انتشر، المهم الانتشار وتكرار أغانيه في الفضائيات وكافة وسائل الإعلام حتى يحقق التواجد في الساحة الغنائية، ونسمع أن هناك شركات إنتاج لا يهمها الصوت أو المقدرة الصوتية أو المضمون المهم الشكل الخارجي، والمضمون يمكن التحايل عليه فتجعل من إنسان لا يملك أدوات الغناء نجما كبيرا في الغناء، كما أن النجومية الآن ليست مرتبطة بالصوت ولكن بالتسويق الجيد مما جعل الساحة الغنائية تشهد انتشار أصوات على حساب أصوات أخرى.

لماذا لم تخوضي تجربة الفيديو كليب حتى الآن رغم إنتاجك لأكثر من ألبوم؟
لم أقم بتصوير كليب لأنني ما زلت أبحث عن سيناريو جيد، لأن الفيديو كليب عندي له مقاييس موضوعية أو ذاتية دون أن يتخللها العري الفاضح، فإن لم تضف الصورة إلى جمالية الأغنية، وتقدم الفنان في شخصيته الحقيقية وتعبر عنه فلا فائدة من الفيديو كليب.

ما رأيك في أغاني الفيديو كليب التي تسيطر على الفضائيات العربية؟
الفيديو كليب الحالي خطر على الهوية العربية لأنه أخرجنا من هويتنا وخصوصيتنا العربية، واستهتر بجسد المرأة، وعندما يصبح جسد المرأة سلعة فهنا الخطورة، والخطر الأكبر على الأجيال القادمة المتأثرة جدا بهذه الكليبات. وفي رأيي فإن الكليبات التي تتعمد الإثارة والاستهتار بجسد المرأة هي عنف وعبث بجسد المرأة، عنف موجه للمشاهد ولا يتجانس مع المقاييس الثقافية العربية، وكأننا نفتقد للمعايير الأخلاقية، ولا اعرف لماذا نستنسخ الفيديو كليب لنصبح مثل الغرب حتى في طريقة التصوير، ولماذا يسمونه تطورا، ولماذا لا تكون لنا هويتنا وشخصيتنا؟.

أنت صاحبة صوت مميز نال العديد من الجوائز، ورغم ذلك لا تحققي انتشارا في الساحة العربية بما يوازي إمكانياتك الغنائية فلماذا؟
لا توجد شركات إنتاج موسيقي بالمعنى الحرفي، ولكن يوجد شركات توزيع، والمنطق الخاص بها منطق تجاري بحت وليس منطق ثقافي، ولا يهمني تحقيق مبيعات كبيرة وجني المال بقدر انشغالي بالمردود الثقافي للألبوم... لدي أربع ألبومات في السوق، وأستعد لإنتاج الألبوم الخامس قريبا ، وهذه هي مشكلة العديد من الفنانين، وبالنسبة لتونس فقد قامت وزارة الثقافة بدعم الفنان بالمساهمة المادية في إنتاج ألبومه الغنائي، ورغم ذلك تفضل شركات التوزيع تسويق الألبومات الشعبية على تسويق الألبومات الثقافية لما تحققه من مردود مادي كبير.

لماذا لا تنزلي للمستمع وتقدمي ألبومات شعبية طالما النجاح حليفها مقارنة بالألبومات الثقافية على حد تعبيرك؟
أنا لا انزل للمستمع، فالفنان الحقيقي عندما يقدم على إنتاج ألبوم يرفع من الذوق العام فهو مثل المعلم صاحب رسالة، كما أن إنتاجي متنوع ولست متخصصة في الغناء الكلاسيكي، والحمد لله يعرفني الجمهور التونسي جيدا منذ غنيت وعمري تسع سنوات بأغنية " احكيلي عليها يا بابا" مع الفنان عدنان الشواشي، وهي أغنية للأطفال ويتذكرني جيدا بهذه الأغنية ويطالبني بها حتى الآن.

هل تفكرين في إنتاج أغاني للأطفال ؟
بدايتي كانت للأطفال، وأفكر في إنتاج متكامل للأطفال، وابحث عن مشروع قوي لأن الطفل ذكي ويجب أن تخاطبه بما يتناسب مع قدراته، وأيضا ماذا ستقول له، فالأمر ليس مجرد فكرة إنتاج ألبوم للطفل بقدر ما يعتمد على فكرة تناسبه.

رئاستك للدورة الماضية لمهرجان الأغنية التونسية حالت دون مشاركتك بالغناء، فما هو تعليقك على ذلك ؟
لقد شاركت في الغناء كضيفة مع زياد غرس ونبيه القراوي وقدمنا في الافتتاح لقاء غنائي، ولم أتمكن من المشاركة في المسابقة الرسمية، ولكنني تواجدت كفنانة، والحمد لله لاقى المهرجان نجاحا كبيرا، حيث كان اهتمامي هو تنظيمه على أسس جمالية.... وقد شرفت باختيار وزارة الثقافة لي رئيسة للمهرجان ، فأنا أول امرأة ترأست المهرجان منذ 16 عام، وأيضا كنت أصغر مشاركة فيه بأغنية " خلي الحزن بعيد عليك".

ماذا عن ألبومك الخامس؟
الألبوم الجديد بعنوان رومانسيات، وهو خاص باللهجة التونسية، ويضم سبع أغاني من بينها أغنية للشاعر الكبير المرحوم محمد بوذينة وهو من أعلام الشعر التونسي، وألحان أستاذي المايسترو حمادي بن عثمان ـ مدير المعهد القومي للموسيقى.

ما هي أحلام سنيا مبارك الفنانة، والإنسانة والأم؟
كفنانة أتمنى أن تعبر الأغنية العربية بصفة عامة الحدود، وتحقق انتشارا كبيرا على مستوى العالم وأن تتواجد الأغنية التونسية بصفة خاصة في الشرق العربي، ويكون هناك تبادل بين الملحنين والمطربين في الوطن العربي بما يثري الأغنية العربية بشكل كبير، وأن أقدم إضافة للموسيقى التونسية وهذه هي رسالتي التي أتمنى إتمامها على أكمل وجه.... وعلى المستوى الإنساني أتمنى أن أغير وجهة النظر حول الفنان، فهو إنسان حباه الله بمواهب فأتمنى أن أساهم في بناء المجتمع. وكأم ليوسف ومحمد أتمنى أن يختارا على الأقل أن يمارسا الفن ولو هواية، أو أن يختارا الفن كمجال للتعليم، وبالطبع لهما حرية الاختيار، وذلك لأن الموسيقى تنمى العقل وترتقي بالذوق العام.