مؤكداً رفضه للعمل السياسي، وإخلاصه لمهنته

العالم المصري الدكتور فاروق الباز لـ"عربيات": إدارة الأزمات "يوم بيوم" هي أزمة رؤية وتخطيط

عربيات - القاهرة: صفاء عزب
صور وفيديو

بين جيولوجيا الأرض وعلم الفضاء ورؤية الباحث يضع مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد فى جامعة بوسطن الأمريكية العالم المصري فاروق الباز أحداث العالم العربي تحت المجهر، معرباً لـ "عربيات" عن تفاؤله بمستقبل يقوده الشباب، ومخاوفه من تعامل الحكومة المصرية مع الأزمات بطريقة "يوم بيوم"، وتطلعاته إلى ثورة ونهضة علمية عربية نحو التكنولوجيا والبحث العلمي، مؤكداً أن جني ثمار الثورة لن يتحقق إلا  بالتفكير والعمل للمستقبل. ومن خلال تواجده في قلب الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة بوسطن بدأ حوارنا معه.

بداية وبعد أحداث بوسطن الأخيرة، هل لمستم عودة النظرة العدائية في الشارع الأمريكي للمسلمين والعرب؟
فى نظرى لم يتغير تعامل الشعب الأمريكي كثيراً مع العرب والمسلمين بعد تفجيرات ماراثون بوسطن، ولم نسمع عن إعتداءات أو ظاهرة تخوُّف عامة من العرب والمسلمين بعد ذلك الحادث.

خلال فترة تواجدك الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، هل سبق لك أن عانيت شخصياً من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو الممارسات العنصرية في الفترات التي شهدت أعمال إرهابية؟
قد يكون هناك نوع من الإضطهاد الذي يمارس ضد بعض المسلمين الذين يقومون بممارسات لا تتوافق مع نمط الحياة هنا فى أمريكا، أو تلفت الأنظار بشكل مثير للريبة، أما أنا شخصياً فلم أعانى من ذلك على الإطلاق منذ أن كنت طالباً ثم باحثاً وموظفاً فى مرحلة السبعينات، لم أعاني إطلاقاً من مثل هذه الأمور.

ما سر نجاح الدكتور فاروق الباز وتميزه عالمياً، بالرغم من أنه نشأ في بيئة بسيطة مثله مثل الكثير من المصريين؟ وهل ترى إمكانية تكرار قصة نجاحك بين الشباب اليوم؟
سر النجاح والتميز فى حقيقة الأمر يرجع للولاء للمهنة، والإخلاص فى العمل والإدارة السليمة والعمل للصالح العام. فإذا أثبت الإنسان كفاءته، وأدرك أهمية عمله، وأولاه الاهتمام المطلوب فسوف يفرض إحترام أداءه على الجميع، ويفتح بذلك أبواب النجاح محلياً أو دولياً، وبالطبع الفرصة سانحة لكل طالب عربي لتكرار هذه التجربة في مختلف المجالات، بل في واقع الأمر هذا هو أملي فى الشباب الواعد الذي يمثل المستقبل المنشود.

 

لهذه الأسباب أرفض الوزارة وأفضل الابتعاد عن السياسة

من المعروف أن شقيقك الدكتور أسامة الباز كان مستشاراً للرئيس السابق حسني مبارك، إلا أنك آثرت الإبتعاد عن السياسة، لماذا؟
آثرت الابتعاد عن السياسة لأن الإستغراق بها أو العمل فيها يأخذ من وقت العالِم ويبعده عن إنجازاته وفتوحاته العلمية، ولإيماني بأن وقت العالِم على درجة عالية من الأهمية ويجب تخصيصه لتحقيق إنجاز عملي وعلمي يعود على البشرية بالفائدة. ولقد كانت لي تجربة فى فترة سابقة توليت خلالها منصب المستشار العلمى للرئيس أنور السادات، لكنى لم أستمر بالرغم من أن مهام المنصب كانت مرتبطة بطبيعة البحث العلمي.

الباز مستشاراً للسادات

ماذا عن توقعات تعينك وزيراً للتعليم أو البحث العلمي فى مصر؟ وهل تشعر أن هناك سوء تقدير للعلماء والعقول المهاجرة؟
فى حقيقة الأمر أنا لا أقبل بالعمل السياسي لا فى مصر ولا فى أي بلد آخر، لأنني ببساطة عالم، أما سوء التقدير بشكل عام أو التقصير في الاهتمام بالعلماء بعيداً عن العمل السياسي، فهو لا ينتج في إي دولة إلا إذا كان هناك خلل في نظامها وتخطيطها للمستقبل.

هل تغيرت مشاعر شقيقك الدكتور أسامة الباز بعد الثورة فى ظل التقلبات الراهنة على الساحة؟ وماهي مشاعره حيال  محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك؟
أخى أسامة فى حقيقة الأمر أصابه مرض أنساه ما يحصل على الساحة، وهو لايعرف ما يجرى على حالياً، وربما كان ذلك بسبب كبر سنه، لكننا نحمد الله أنه لايعلم عن ما يجرى خاصة وأنه كان قد انفصل عن الرئيس السابق حسني مبارك منذ عشر سنوات، وهو الآن سعيد فى المحيط الذى يعيش فيه. 

 

آمال العالم العربي معقوده على شبابه، والثورة لاتزال قائمة

كلما ابتعدنا عن الشئ رأيناه بشكل أوضح فكيف يرى الدكتور فاروق الباز أحوال العالم العربي من موقعه الفضائى؟
العالم العربى على وجه العموم مازال يعاني من مشاكل متراكمة يطول الحديث عنها، لكن الآمال معقودة على الجيل الصاعد لتصحيح الخلل والنهضة بالعالم العربي إلى مصاف الدول المتقدمة.

وسط الأحداث الراهنة على الساحة المصرية بعد الثورة، هل تتفق مع من يشعر بحالة من الإحباط؟ أو يظن أن أحلام الشباب قد فشلت؟
عن نفسي، لم أصب أبداً بالإحباط لأننى كنت أتوقع أن الثورة ستتبعها أوقات عصيبة، هذا ما يؤكده التاريخ فكل ثورات العالم كانت متبوعة بفترة من عدم الاستقرار، لأن الثورة عبارة عن هدم لكيان قديم وعملية الهدم قد تكون سريعة، أما إعادة البناء فهي عملية تتم تدريجياً ولابد أن تستغرق وقت أطول. 

ماذا عن من يرى أن الثورة انحرفت عن مسارها؟ أو اختطفت؟
بإعتقادي الثورة المصرية لم تنحرف عن مسارها، ولم تختطف، ولكنها فى حقيقة الأمر لازالت قائمة، ونتيجتها لم تظهر بعد، بل ستمتد إلى تسنح الفرصة للشباب الذين قاموا بها ليتسلموا زمام الأمور، وهو ما يتطلب بعض الوقت، وربما ننتظرعقد كامل من الزمان حتى يتحقق ذلك.
 

إدارة الأزمات "يوم بيوم" هي أزمة رؤية وتخطيط

ما رأيك فى حكم الإخوان وهل لازال هناك مبرر للتخوف من وصولهم إلى سدة الحكم؟
لقد عمل الإخوان المسلمون فى الخفاء لمدة طويلة، ولم يمارسوا السياسة بشكل كافٍ، كما أن من مساوئهم  الخلط  بين الدين والسياسة لأنه خلط قد يسئ للدين. كنت أتمنى أن يتخذوا "العمل" شعاراً لهذه المرحلة لنلمس الزيادة فى الإنتاج والإصلاح فى التعليم، لكن التجربة الحالية كشفت أن حكم الإخوان مازال متأرجحاً، بلا رؤية ولاخطة واضحة، بل البارز أنه يجري حالياً التعامل مع المشاكل بطريقة "يوم بيوم" في ظل غياب لبعد النظر والتفكير بعيد المدى في إدارة الأزمات. ومع ذلك أنا لا أشعر بالقلق من تواجد الإسلاميين على الساحة، لقناعتي بأن المتشدد منهم سيكتشف أن الغالبية في المجتمع المصري ترفض تشدده.

إذن أنت تتفق مع من يرى ضرورة منح الرئيس محمد مرسي فرصة أخرى؟
نعم، لازلت أطالب بإعطاء الرئيس محمد مرسي الفرصة لأنه وصل إلى الرئاسة بموجب انتخابات نزيهة بدرجة كبيرة، لذلك يجب أن نمنحه الفرصة الكاملة، وإذا ما أثبت جدارته سيحصد الإحترام، أما إذا أثبت أنه غير مؤهل لقيادة هذا البلد العظيم  فسيقع الاختيار على غيره. المهم أن نحافظ على آلية الاختيار عبر صناديق الانتخابات.

 

محاكمة الماضي تشغلنا عن العمل للمستقبل

ماهي توقعاتك في حال تفاقم انعكاسات محاكمة وبراءة الرئيس السابق حسني مبارك أو أقطاب النظام السابق؟
فى هذا الصدد أود أن أقول أننا إذا أردنا أن نجني ثمار الثورة فيجب أن ننظر إلى المستقبل، بدلاً من الاستغراق في النظر إلى الماضى. علينا أن ننسى النظام السابق وننصرف إلى العمل الجدي في سبيل هدف موحد هو مستقبل الوطن ورفعته.

هل تعتقد أن أزمة القضاء الحالية مفتعلة؟
القضاء لا يجب أن يسيّس، ولا أعتقد أن رئيس الدولة أو البرلمان لهم الحق بالتدخل في القضاء الذي يجب أن يظل مستقلاً ليمارس دوره في إرساء العدالة وتطبيق القوانين بعيداً عن الأزمات السياسية والصراعات الحزبية.

 

المعارضة المصرية منفية لم تقترب من عامة الناس

مارأيك في الإتهامات التي تنال المعارضة معتبرة أنها تسعى إلى تخريب مصر لمجرد كراهيتها للإخوان؟
لا أظن أنه من المنطقي أن يتمادى أي معارض في معارضته مستهدفاً التخريب لمجرد كراهية الحزب الحاكم، لكنى أعتقد أن خلافات المعارضة وتشرذمها ووجود منابر متفرقة لها دون اتحاد يضعف من استعدادها لخوض الانتخابات القادمة. المعارضة عليها أن تقترب من الناس فى مختلف المناطق بما فيها العشوائيات، وتحتك بعامة الناس لتخرج من عزلتها. 

هل توقف مشروع ممر التنمية؟
لم يتوقف مشروع ممر التنمية، ولكنه يسير في مسار الدراسات والمحاضرات، فهو ليس مشروع "يوم وليلة" نتحدث عنه اليوم وننساه غداً بقدر ما هو مشروع لمستقبل مصر وإخراجها من المآزق التي تمر بها، وقد لا أراه على أرض الواقع في حياتي لكن أتمنى أن تجني ثماره الأجيال القادمة.

 

دول الخليج في مأمن من الثورات، ومصر هي العمود الفقري للعالم العربي

مع وصول الثورة لسوريا هل يمكن أن تنتقل عدواها لمنطقة الخليج العربى؟
أعتقد أن دول الخليج فى مأمن من تلك الثورات لعدة أسباب، منها اختلاف طبيعة الحكم فيها عن حكم العسكر فى الدول التى قامت بها الثورات، ففي الخليج الحكم قائم على المشورة بين القبائل والطوائف والجماعات والأفراد.   كما أن الحكومات فى تلك الدول تعمل على الإزدهارالإقتصادي بمساعدة أموال النفط.

هل ترى أن  التقارب القطري المصري جاء على حساب  علاقات  مصرية عربية أخرى؟  
لا أعتقد ذلك، فقطر في حقيقة الأمر مثل غيرها من الدول العربية تود أن تنهض مصر، وهذا هو الواقع الذي ألمسه عندما ألتقي بأشقاءنا في العالم العربي، حيث يتفق الجميع على أن مصر هى العمود الفقرى الذى تلتف حوله كل الدول العربية، لذا الجميع يود لمصر أن تكون بلداً قوية.

فى رأيك ما هي الدول العربية التى خطت خطوات مبشرة نحو الاهتمام بالعلم؟
مع الأسف لا أعتقد أن أي دولة عربية حتى الآن قد خطت خطوات كبيرة نحو العلم والتأسيس لمستقبل علمي وتكنولوجي. هناك محاولات جيدة فى مصر والسعودية والأردن وقطر لكنها مجرد محاولات علمية بسيطة لاتدل على نهضة تكنولوجية بالقدرالذى نتمناه للعالم العربى.

هل ترى أن اعتبارات العلم يجب أن تخلو من المشاعر والاعتبارات السياسية؟ أو بمعنى آخر هل تؤيد التعاون المصري الإيراني على الصعيد العلمى والسياسى وخاصة فى  المجال النووي حتى لو أثار ذلك قلق دول الخليج العربي؟
نعم، الإعتبارات العلمية يجب أن تخلومن المشاعر والاعتبارات السياسية لأن العلم معناه 1 + 1 = 2  ليس أكثر ولا أقل. وبالنسبة لإيران أعتقد أن إيران كانت تعتبر نفسها الأخ الأصغر لمصر وحاولت الوقوف بجوار مصر حتى تقوم لها قائمة، غير أن خطرها لم على منطقة الخليج إلا بعد إحتلالها لجزر الإمارات العربية المتحدة، وأعتقد أن مصر كان عليها أن تنذر إيران بضرورة إخلاء تلك الجزر.. أما عن الاستفادة من القدرات النووية لإيران فبوسعنا تحقيق استفادة أكبر بالتعاون مع دول أخرى لها باع أطول في هذا المجال، وهذا ما قامت به مصر بالفعل فى الستينات، لكن الوضع السياسى لم يؤهلها للتقدم فى ذلك، والخلاصة أننا إذا أردنا تحقيق هذه الاستفادة من الدراسات العلمية  والتكنولوجية بوسعنا أن نفعل ذلك من إيران أو غيرها.