بعد تتويجها من اليونسكو بلقب سيدة الكيمياء لعام 2011م

الدكتورة زينب أبوالنجا: أطمح إلى الحصول على جائزة نوبل وأنا أعمل في بلدي

عربيات - القاهرة: صفاء عزب
صور وفيديو

تعد الدكتورة زينب أبو النجا من أبرز الوجوه النسائية العلمية فى مصر والعالم العربى بل وعلى مستوى العالم، بعد تتويجها من قبل منظمة اليونسكو بلقب سيدة الكيمياء لعام 2011م، تقديراً لإنجازاتها العلمية وتطبيقاتها المتوافقة مع أهداف المحافظة على البيئة وصحة الإنسان، وهو ما كان محور حوارنا معها عن إنجازاتها وطموحاتها وآليتها في مواجهة التحديات.

كيف جاء تتويجك بلقب سيدة الكيمياء من اليونسكو؟
تم ترشيحي لجائزة اليونسكو على ضوء بحثي الذي نشرته في دورية علمية عن إمكانية استخدام المركبات الكيميائية الطبيعية المستخلصة من الطحالب البحرية كمبيد حشري آمن، وحصلت على لقب سيدة الكيمياء لعام 2011م تزامناً مع المئوية الأولى لحصول العالمة الفرنسية ماري كوري على جائزة نوبل للكيمياء، حيث تمت استضافتي في مدينة تريستا بإيطاليا في مقر اليونسكو لمدة أسبوعين لتدريبي على كيفية تبسيط العلوم والتواصل مع المجتمع من خلال وسائل الإعلام لإيصال الجديد فى العلوم المختلفة وكيفية تطبيقها لخدمة المجتمع وتنميتة، وذلك حرصا من منظمة اليونسكو على دور المرأه فى العلم وتنمية مجتمعاتها، وفى نهاية فترة التدريب قمنا بزيارة للمؤسسات العلمية المتميزة في مدينة تريستا، ومن أهمها مركز أبحاث الهندسة الوراثية ومفاعل "إنريكو فيرمي" النووي السلمي، وأخيراً كان حفل التكريم والتتويج باللقب.

 

منظور القرن العشرين للكيمياء هو الاستدامة والعودة للطبيعة

هل يمكن تبسيط الإنجاز العلمي الذي حصلت بموجبه على هذا التكريم؟
الهدف العام من مجمل أبحاثى العلمية هو التوصل إلى بديل آمن للمبيدات الحشرية على البيئة وصحة الإنسان، يتم استخدامه لمكافحة الحشرات الضارة طبياً واقتصادياً دون آثار ضارة تنعكس على الكائنات غير المستهدفة، وبذلك نتفادى مشاكل المبيدات الحشرية التقليدية. لقد خلق الله كيمياء طبيعية هي عبارة عن مركبات كيميائية تنتجها مجموعة من الكائنات الحية لأغراض مختلفة، ومن بينها النباتات التي تقوم بإفراز مركبات كيميائية سامة للحشرات أو طاردة لها، ومن هنا جاء دور العلماء للبحث عن هذه النباتات وفصل المركبات الكيميائية الطبيعية وتحديد خواصها البيولوجية واستخدامها لخدمة المجتمع بصورة أكثر استدامة وأمان، حيث يعد هذا الفرع من العلوم أحد أهم الفروع العلمية فى القرن الحالي نظراً لإتجاه العالم أجمع نحو حلول الاستدامة والعودة للطبيعة من أجل الحفاظ عليها وعلى حياة البشر. 

إلى أي مدى كانت تلك المهمة صعبة؟
هذا النوع من البحث العلمى يتطلب الكثير من الجهد والإمكانات التى لا تتوفر في العديد من المؤسسات البحثية، خاصة في مرحلة فصل وتعريف المركبات الكيميائية، لذا تمت الاستعانة بجامعات ألمانية وسعودية تتوفر فيها هذه الإمكانات والأجهزة اللازمة لاستكمال الأبحاث والخروج بنتائج تم نشرها فى دوريات علمية عالمية.

ماذا عن تكاليف وميزانيات هذه الأبحاث؟
ميزانية البحث العلمي فى مصر كانت ولازالت ضئيلة ولا تكاد تذكر وليس لها دور كبير فى إنجازات البحث العلمي، لذا تم عمل التحاليل العلمية إما عن طريق التمويل من الدخل الخاص بي، كما تم إجراء بعض التحاليل والدراسات مجاناً نتيجة للتعاون العلمي المشترك بيني وبين بعض الزملاء في ألمانيا بنفس التخصص.

 

بواسطة بناء شبكة تواصل علمية تجاوزت تحديات التمويل

هل هناك تواصل فى عملك مع علماء من دول عربية أو أجنبية؟
بالطبع هذا هو الطريق الذى تغلبت بواسطته على تحديات التمويل ونقص الإمكانات البحثية، فأنا حريصة دوماً على بناء شبكات علمية دولية وتطويرها من خلال التواصل والتعاون العلمى المستمر.

أين تقف العالمة العربية زينب أبو النجا من علماء العالم؟
أشعر أننى أقف فى موقع لا بأس به عالمياً، ولي العديد من المشاركات العلمية العالمية، لكن  مازال أمامي الكثير لتحقيقة حتى أصل إلى غايتي في البحث العلمي.

 

التحديات تولد طاقة إيجابية للإنجاز

ما أهم المشكلات التى تواجهك؟
تواجهنى العديد من التحديات لا المشكلات، فلقد تعلمت في ألمانيا أن أستبدل مصطلح "المشكلة" بـ"التحدي"، وأصبحت أنظر إلى المشكلات على أنها تحديات تولد بداخلي طاقة إيجابية قوية للتغلب عليها. إنها سمات مجتمعية، فأغلب المجتمعات العربية وخصوصا المصرية تعاني من العديد من السمات السلبية داخل المؤسسات، مثل المنافسة العلمية غير الشريفة، ومحاولة عرقلة الأمور، أو التوزيع غير العادل للتمويل والأجهزة العلمية داخل المؤسسة البحثية، بالاضافة إلى أن مجتمعاتنا تميز الرجل على المرأة في كثير من الأمور الحياتية، فتصبح المرأه العاملة فى البحث العلمي خصوصاً ذات مسؤولية أكبر بكثير مما قد يتحملة رجل يعمل فى نفس المجال.

هل فكرت بالانتقال للعمل في الخارج؟
نعم فكرت في ذلك، وجاءتني الفرصة لكن – مع الأسف - كما ذكرت سابقاً الرجل يستطيع أن يسافر ويترك أسرته أما بالنسبة لي من الصعب أن أتخلى عن مسؤوليتي نحو أسرتى وأبنائي. فبالفعل تلقيت أكثر من عرض للعمل بجامعة المانية ولكن لفترات طويلة يصعب على أسرتي التكيف معها.

 

حيث توجد الصراعات السياسية والدينية يموت العلم وينقرض العلماء

ما رأيك فى الاهتمام العربى بالعلم والعلماء وما الدول العربية التى ترينها حققت شوطا مهما فى طريق البحث العلمي؟
إلى الآن لا يوجد اهتمام حقيقى بالعلم والعلماء فى الدول العربية، فحيث توجد الصراعات السياسية والدينية يموت العلم وينقرض العلماء، ولنا فى التجربة الأوروبية المثل، ففى عهد الصراعات الدولية فيما بينهم وفيما بين الشعوب والحكام في عهد الفاشية والنازية الأوروبية انتقل أغلب العلماء إلى أمريكا حيث يوجد الاهتمام والدعم الحقيقى. أقصى ما يمكن أن تحققه أي دولة عربية اليوم هو نشر أكبر عدد من الأبحاث العلمية فى دوريات عالمية، لكن يأتى هنا السؤال الحَكم.. أي الدول العربية أخرجت لنا عالم حائز على جائزة نوبل فى البحث العلمى وهو مقيم في بلاده؟ مثلما فعل عالم الكيمياء الاسرائيلي "دانيال شيختمان"  الحاصل على نوبل فى الكيمياء 2011 لاكتشافاته في مجال أشباه البلورات.

كيف ترين الثورة المصرية بعين الباحثة؟
الثورة المصرية هى أجمل ما حدث فى مصر وفى زماننا، وأرى أن ما يحدث من تخبط سياسي اليوم هو أمر طبيعي بعد أي ثورة، خاصة وأن مصر عانت سنوات طويلة من الفساد وغياب الرؤية، ولابد من أن يُطّهِر المجتمع نفسه بنفسه، وكان من المتوقع أن يأتي ما هو أسوأ من النظام السابق نتيجة لغياب الوعي السياسي والخبرة، لكن الأمل قائم في الأجيال القادمة من شباب مصر، أولئك الشباب الذين لن يقبلوا ببديل للحرية، ولن يتنازلوا عن أن تكون مصر ضمن الصفوف الأولى للدول الديمقراطية المتقدمة علمياً واقتصادياً، فالثورة مازالت مستمرة على كل بقايا الفساد. 

هل هناك خطوات إستكمالية لأبحاثك فى الكيمياء؟
بالطبع أبحث دوما عن كل ما هو جديد فى مجالي لأضفي عليه صبغة التطور والإبداع من خلال الإندماج البحثي بأحد فروع علم الكيمياء الأخرى، وهو "تكنولوجيا البوليمرات" وتطبيقاتها، حيث تم تطوير أبحاثي العلمية بإضافة تكنولوجيا مبتكرة تعمل على المحافظة على فعالية المبيدات الطبيعية أطول فترة ممكنة، دون التأثير السلبي على البيئة، مما قد يزيد من الأثر الفعال للمركبات محل الاهتمام والتقليل من تكلفة التصنيع والانتاج. 

 

الحياة كيمياء، والحب سر النجاح في الحياة العلمية

أليس من الصعب على المرأة أن تتخصص فى علم الكيمياء؟
بالحب يصبح الصعب سهلاً، فالحب هو سر النجاح في الحياة العلمية والعملية، والكيمياء من وجهة نظري أحد العلوم الهامة للحياة، ومادام لدى الإنسان الدافع القوي لمعرفة الأسرار التى تحيط به، فلابد وأن يكون لديه شغف ولهفة للتعرف على أسرار هذا العلم، خاصة عندما تدرك أن كل ما يحيط بك أو يتكون منه جسدك مبنى على أساس كيميائى. 

ما موقف زوجك تجاه عملك؟
زوجي طبيب وأستاذ جامعى ناجح في حياته العلمية والعملية، أحترم فيه فكره وذكائه الإجتماعى، فهو دائماً ما يكون المحفز والمنشط لأبحاثي العلمية، ولقد تعلمت منه كثيراً وسأظل أتعلم من بحرعلمه وإدراكه للأمور. إنه يحترم في شخصيتي الطموح العلمي ويشجعني على مواصلة مشواري. 

أعرف أنك أم لأطفال فكيف تمكنت من التوفيق بين مسؤوليات العمل والمنزل؟
على المستوى الشخصي ألجأ إلى ترتيب الأولويات، والتخطيط الجيد للأهداف على المستوى الأسري، وأحمد الله أن عائلتي تساعدني فى أوقات السفر أو الإنشغال الزائد بالعمل.

 

أتمنى الحصول على نوبل في عمل مشترك مع زوجي

من قدوتك فى البحث العلمى؟ وما أهم طموحاتك؟
قدوتى على المستوى العالمي هى السيدة "ماري كوري" التي كانت امرأة رائعة فى حياتها العلمية، عانت الكثير في بلادها ولكن ذلك لم يمنعها من مواصلة مشوارها العلمي، كما انها تميزت بالربط بين مختلف التخصصات العلمية، فهى حائزة على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة مع زوجها السيد بيير كورى عام 1903م، ولم تكتفِ بذلك بل واصلت أبحاثها فى مجال الكيمياء فحصلت على جائزة نوبل منفردة في الكيمياء عام 1911م، كما حصلت على نفس الجائزة مشتركة فى مجال الطب مع ابنتها وزوج ابنتها عام 1935م. إنها فعلاً مثال للسيدة المتميزة في مجال العلوم. وأتمنى أن يربطنى عمل علمي فريد بتخصص زوجي لنحصل معاً على جائزة نوبل.

 

أرفض أن أكون مجرد اسم في بلدي

هل حقا تحلمين بجائزة نوبل فى الكيمياء؟
حلم أي باحث يسعى إلى التميز هو الحصول على جائزة نوبل، وأنا أراها ليست بعيدة لأن طموحي العلمي ليس له حدود، لذا أتمنى أن أحصل عليها وأنا أعمل فى بلدي مصر، لا أريد ان أكون اسماً فقط في بلدي، بل أود أن أقدم لها التميز والتقدم من خلال مجموعة من الاكتشافات التطبيقية التى تخدم مجتمعنا والعالم أجمع.

 

هل تشعرين بوجود تقصير من قبل العلماء العرب الموجودين بالخارج تجاه أوطانهم؟
نعم هناك تقصير، لكن المسؤولية لا تقع بالكامل عليهم، بل تتحملها كذلك الحكومات التى لا تهتم بالعلم فتدفع  بعلمائها لخدمة مجتمعات أخرى.

ما أهم التطبيقات العملية والحياتية لأبحاثك؟
أهم التطبيقات فصل مركبات كيميائية طبيعية يمكن استخدامها فى الوقاية من الإصابة بآفات الحبوب المخزونة والدقيق، دون القلق من الآثار السامة للإنسان إذا ما تعرض لهذه المركبات، وبالتالى يتم الحفاظ على القيمة الاقتصادية للحبوب المخزونة دون الإضرار بالصحة العامة والبيئة. كذلك فصل مركبات طبيعية تقضي على البعوضة المنزلية والتى تعد أحد أهم الآفات الطبية التى تنقل العديد من الأمراض القاتلة، هذه المركبات طبيعية وآمنة على البيئة و على صحة الإنسان. وحديثا يتم إجراء تطوير فى البحث العلمى محل الاهتمام من خلال إدخال تكنولوجيا الانتشار الذكية للمبيدات، حيث نعمل كفريق عمل مكون من أستاذ متخصص فى كيمياء البوليمرات، ومتخصص فى كيمياء المنتجات الطبيعية، ومتخصص فى علم الحشرات، وذلك للتحكم فى معدل خروج الجرعة المميتة من المركبات  الطبيعية محل الاهتمام مما يزيد من تخصصية المبيد والتقليل من سعر تكلفة الاستخدام.