إجابة تموت الطموحات على أعتابها أو تحيا

أنشطة تجارية محظورة على النساء

رانية سليمان سلامة

قبل أن أتجه لوزارة التجارة لتجديد السجل التجاري حدثتني نفسي التوّاقة للمتاعب بأن أجري بعض الاتصالات للاستفسار عن متطلبات إضافة نشاط تجاري جديد, ووجهت لكل من تلقى اتصالاتي نفس الأسئلة التي كنت أحملها قبل ست سنوات عندما حصلت على السجل التجاري, ووجدت نفسي من جديد أمام أسئلة تتراكم فوق إجابات غامضة... ثمة فارق في الزمان وفي ردة الفعل التي تلقيتها قبل سنوات من رجل وتلقيتها هذا العام من امرأة طلبت مني بلباقة أن أمهلها بعض الوقت لتستفسر عن وجود أنشطة من هذا النوع وانتظرت الرد الذي لم يصل... فعاودت المحاولة وأنا أشعر أن السؤال يسبب شيئاً من الارتباك لكل من يتلقفه حيث أحالتني الغرفة التجارية للقسم النسائي في وزارة التجارة الذي أخبرني بدوره أنه (قد) تتمكن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أو (ربما) وزارة الثقافة والإعلام من مساعدتي في هذا الأمر... ولم أكمل مسيرة المحاولات بعد أن أبلغتني إحدى الأخوات في القسم النسائي بوزارة التجارة أن الأنشطة المتعلقة بالإنترنت والتقنية عموماً ليست متاحة للنساء!! وإن كان ولابد من ممارسة هذه النشاطات فيجب أن تكون المؤسسة لرجل... وقاطعتها قبل أن تكمل مناقشة هذا الخيار بسؤال آخر عن إمكانية إلغاء الوكيل الشرعي فكانت الإجابة أن هذا متاح (فقط) للمؤسسات النسائية التي تمارس أنشطة نسائية مثل المشاغل وصوالين التجميل و... و... (ولكن مهلاً مهلاً!!) قاطعتها من جديد متسائلة (ماذا لو كان المكتب نسائياً 100% ولكنه لا يمارس أياً من تلك الأنشطة التجارية الناعمة)؟ فأجابت إذن احتفظي بالوكيل الشرعي (لابد من ذلك).

كانت جميع تلك الإجابات والحلول بالنسبة لي مقبولة ومبررة ومتوقعة في عام 2000م عندما كنا نخطو خطواتنا الأولى نحو عصر المعلوماتية وثورة الاتصالات, كنت أجد لها التفسير آنذاك وألتمس العذر عندما أقول انترنت فيسألني أحدهم باستغراب عن ماهية هذا الشيء الذي أتحدث عنه أو يعتقد آخر بأنه عبارة عن جهاز (أتاري) أو ألعاب كمبيوتر أطلب ترخيصاً لاستيرادها... تلاشى ذلك التعجب ولم تتغير الإجابات المتعلقة بالتعامل مع الإنترنت كبيئة للأعمال فرضت نفسها على واقعنا دون أن يواكب التعاطي معها ذلك التواجد... فإجابات من هذا النوع اليوم تبدو خارج سياق التاريخ والحاضر والمستقبل، وأنا هنا أحاول أن أجعل طموحاتي في غاية التواضع وأطالب بالحد الأدنى المطلوب والمتوقع وهو أن يتم تزويد الموظفات والموظفين في الجهات المعنية بمعلومات ووثائق تسهل عليهم الإجابة مباشرة عن أي تساؤل حول نشاط تجاري غير شائع ومتطلباته من تراخيص وإجراءات حتى يكون السائل على بينة من أمره بعيداً عن (قد) و(ربما) و(لعل)... أما إذا أردت أن أطلق العنان لأحلامي فالمفترض أن تكون جميع الأنشطة التجارية متاحة للنساء مادامت شروطها متوفرة ومتوافقة مع أحكام الشريعة بما فيها التقنية والاتصالات والصناعة والدعاية والإعلان والإعلام وغيرها، فبعد أن أثبتت استثناءات نسائية سعودية جدارتها في إدارة شركات ومؤسسات رائدة في مجالات جديدة لابد أن يكون امتداد تلك التجارب تسهيلات وتشريعات واضحة في متناول الجميع لتتكرر تلك التجارب ونستثمر الشهادات والخبرات النسائية في مختلف المجالات التي يمكن للمرأة أن توظف فيها علمها ومالها.

وبالعودة إلى معضلة الوكيل الشرعي والذي احتفينا بإلغائه، كانت مفاجأة بالنسبة لي أن أعلم أن هذه الخطوة الإيجابية الهامة يقتصر تطبيقها على أنشطة محددة... وأحاول بشتى الوسائل أن أقنع نفسي بجدوى وجود الوكيل الشرعي، ودون جدوى لم أقتنع بأن سيدة أعمال عاقلة ناضجة راشدة لها ذمتها المالية المستقلة التي اختارت أن تستثمرها في مجال عمل مشروع يتم منحها ثقة جزئية لممارسة عملها تحت وصاية وكفالة رجل!!... الذريعة التي تغلف هذا الشرط تستمد شرعيتها من أنه لابد من وجود وكيل شرعي للسجل التجاري النسائي حتى يتمكن من مراجعة الدوائر الحكومية التي لا تتوفر بها إدارات نسائية... وهي ذريعة غير مقنعة خاصة ونحن نعلم أنه في المقابل رجل الأعمال مالك الشركة أو المؤسسة لا يراجع بالضرورة هذه الدوائر شخصياً بل غالباً من يقوم بهذه المهمة هو معقب أو موظف مختص... وقياساً على ذلك بوسع سيدة الأعمال أن تمتلك مؤسستها وتديرها باستقلالية كاملة بينما تمنح تفويضاً (عند الحاجة فقط) لرجل ينوب عنها في مراجعة الدوائر الحكومية بدلاً من أن تمنح صلاحيات إدارة مؤسستها بشكل مطلق لوكيل شرعي... هذا هو الخيار المؤقت والمنطقي الوحيد ريثما يتحقق الأمل المنشود بإيجاد إدارات نسائية في كافة الدوائر الحكومية تملك صلاحيات كاملة لإنهاء معاملات سيدات الأعمال دون الحاجة للرجوع للأقسام الرجالية.

قبل أن أكمل لابد أن أشير إلى أنني لا أتناول مشكلة شخصية ولكنني أستعرض تجربة تعمدت فيها أن أسلك هذا الطريق الذي ستسلكه أي امرأة تنوي أن تطرق باب مجال جديد للعمل والاستثمار دون أن تكون لديها خلفية تساعدها على معرفة أي الجهات تخاطب، ومن بوسعه أن يقدم لها المساعدة ويزودها بمعلومات عن الإجراءات المطلوبة... وقبل أن أختتم لابد أن أذكر ما كنت أعلمه مسبقاً من أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات تحديداً لا تفرق بين رجل وامرأة عند منح التراخيص وقد تحققت من ذلك مجدداً قبل أن أكتب هذه السطور, وهذا يعني أن الإجابات التي تلقيتها تشير إلى أن بعض الموظفات في وزارة التجارة والغرفة التجارية والمتواجدات في الصف الأمامي لتلقي استفسارات سيدة الأعمال لا تتوفر لديهن معلومات صحيحة... أو يكشف عن فجوة بين الجهات المعنية تجعل هذه المعلومات متضاربة... أو أن الأمور قد استجد فيها جديد فحظرت وزارة التجارة الأنشطة التجارية المتعلقة بالتقنية والإنترنت عن النساء!!

أن تقع في حيرة من أمرك أو تواجه صعوبة لمجرد الحصول على معلومات أولية صحيحة وتفاصيل عن إجراءات هو أسوأ من أن تكون الإجراءات بحد ذاتها معقدة أو الشروط صعبة، فالخطوة الأولى لسيدة الأعمال أو حتى لرجل الأعمال لا تتطلب من وزارة التجارة سوى إجابة دقيقة تموت الطموحات على أعتابها أو تحيا.

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ