مطار جدة ذكرى أليمة للمسافرين

جدة.. مشاهد على طريق السياحة

رانية سليمان سلامة

توفر جدة لسياحها في الصيف أجواء رومانسية فريدة يصعب أن تجدها في أي مدينة أخرى في العصر الحديث حيث قد يتكرر انقطاع الكهرباء عن الفندق أو المطعم ليتناول ضيوفنا الأفاضل عشاءهم على أضواء الشموع.. في الصيف علينا أن نمنح كل سائح مروحة يدوية وشمعة حب (جداوية) فبالرغم من كل ما تشهده المدينة السياحية من نهضة عمرانية لا تزال الخدمات الأساسية عاجزة عن تجاوز المشاكل التي تتكرر سنوياً.. وكنت أعتقد أن الفنادق قد تأقلمت مع هذه الأوضاع ووفرت مولدات للكهرباء لكن يبدو أن بعضها لم يتكيف بعد مع هذه الأعطال وهذا ما تؤكده رسالة قرأتها في منتدى لدولة شقيقة يحكي فيه أحد الأعضاء عن تجربته الأليمة مع صيف جدة التي حل بها ضيفاً في طريقه لأداء العمرة.. وأتساءل هل تدرك شركة الكهرباء أن هذه الانقطاعات لا يصح أن تقع في الصيف تحديداً لأن جدة واجهة سياحية؟!

* دعوة لطيفة على العشاء تلقيتها من إحدى الزميلات وعند سؤالها عن موقع منزلها بدأت تصف الطريق إلى أن طلبت مني التركيز قائلة: (ثاني مطب يمين ثم إذا صرختي من اهتزاز السيارة فاعلمي أنك قد سقطتي في الحفرة اللعينة فإذا خرجت منها عجلات السيارة بسلام اتجهي نحو اليسار سيواجهك منزلي)... واستدركت: (بالرغم من أن منزلي قريب من مستشفى الولادة إلا أنني في كل مرة استبعد الحوامل من قائمة المدعوات خشية عليهم من الولادة المبكرة)... أجبتها: (لاخوف علينا فقد أصبحنا نحفظ مطبات وحفر جدة عن ظهر قلب، نخشى فقط على السياح فبعض الشوارع لابد أن نضع عليها لوحات -إحذر ممنوع مرور الحوامل- حتى لا تكون نهاية السياحة إجهاضا أو ولادة مبكرة).

* قد تقع في حرج إذا سألك سائح عن متاحف جدة, فعلى حد علمي كان لدينا متحف تعرّض للاحتراق ولم يكن على كل حال كافياً لمدينة تبلغ من العمر حوالى 3000 سنة، فزائر جدة قد يعتقد أنها مدينة ناشئة وحديثة أما قصتها وتاريخها نتداوله في حديث المجالس في حين أننا بوسعنا أن نقيم متاحف سأفرط في الأحلام وأتمناها على مستوى المتاحف البريطانية العريقة التي تتيح لك أن تتجول في تاريخ دولة وتقرأه كاملاً دون أن تمسك بكتاب أو تشعر بالملل، بل تخرج منه منبهراً بما شاهدته عن حضارة وآثار وبقاع تاريخية وشخصيات عظيمة في رحلة ممتعة تظل تذكرها.. تلك الذكرى بالتأكيد تترك وقعاً في النفوس أقوى من وقع مشاهد المباني الشاهقة التي اعتاد السائح أن يشهق برؤيتها في كل مكان حول العالم.. هناك تاريخ يميزنا لابد أن نقدمه للسائح والباحث من خلال المتاحف ليحمله معه في طريق عودته إلى وطنه وموقع جدة وتوافد الزوار عليها يتيح فرصة للتعريف بها وبتاريخ المملكة بشكل عام من خلال المتاحف.

* تطل جدة على البحر الأحمر إلا أن مياه هذا البحر الغزيرة عجزت حتى اليوم عن تغطية احتياجات المدينة من المياه وتقول رسالة إلكترونية ساخرة بعنوان (جغرافيا جدة) وجدت طريقها إلى بريدي من إحدى الزميلات: (محطة تحلية المياه لا تعرف منها سوى عامودين يخرج منهما دخان أسود تسبب في أمراض الربو لمن يسكنون بالقرب منه أما المياه لا نعرف إلى أين تذهب؟!)... وتصف الرسالة بحيرة (المسك) في جدة بأنها تمد المدينة في حال هبوب الرياح شمال شرق برائحة عالية التركيز شديدة التعبير سهلة الانتشار محملة بكوكتيل فيروسات.. وللأمانة لابد أن أذكر أننا قد نجحنا بقتل التمساح الذي ظهر فيها, ولو أنني أعتقد أنه كان سيهلك وحده لا محالة!!

* تتميز جدة بوجود أضخم وأرقى المراكز التجارية والمطاعم والمقاهي وهي في ازدياد, لكن القليل منها فقط يطل على البحر وهو أجمل ما في جدة, فلا أعلم لماذا لم يتفتق ذهن أحد أصحاب المشاريع السياحية ليعوضنا عن الحرمان من مشاهدة البحر بباخرات مجهزة لتقديم وجبات الغداء والعشاء واصطحاب ركابها في رحلات سياحية قصيرة.. إنه مشروع لا تخلو منه أي مدينة ساحلية سوى جدة التي يختنق برها ازدحاماً بينما بحرها نسياً منسياً.

* اعتاد السائح أن يحمل من كل بلد جديد يزوره هدايا تذكارية وصورا وطوابع تنبهت إلى صعوبة الحصول عليها عندما استمعت إلى معاناة أحد الأشخاص قبيل توديعه لوفد أجنبي عندما طلب منه أعضاء الوفد أن يشتروا طوابع وصورا لميادين جدة وأهم معالمها واحتار من أين يحصل عليها؟.. لدينا عدد لا محدود من أكشاك البليلة والأطعمة السريعة التي يمتلئ بها كورنيش جدة ولكننا نفتقد لبضع أكشاك إلى جانبها يحصل منها السائح بيسر وسهولة على الصور التذكارية ويحتفظ بها في ألبوم رحلاته ليضع معالم جدة إلى جانب (برج إيفل) و(ساعة بيق بن) و(برج العرب)؟.. هذا مطلب حتمي في ظل منع عدسات التصوير من التقاط الصور في الأماكن العامة.

* في إجازة عيد الفطر المبارك ما أن وصلنا إلى مطار دبي حتى كان أحد موظفي الفندق في استقبالنا ولم يكن أمامنا في طابور الجوازات في المطار الأنيق سوى أسرة إماراتية, تنحت سيدتها جانباً وقالت للموظف: (دعهم يمرون قبلنا ليعلموا كيف يستقبل مطارنا ضيوفه).. سألتها بفضولي المعتاد عن ما ترمي إليه, قالت: (لقد أمضينا حوالى ساعة خارج مطار جدة حيث أبواب المطار مغلقة لامتلائه من الداخل ولم تكن هناك عربات نجر حقائبنا عليها فكان علينا أن نحملها وسط تدافع الحشود نحو الأبواب كلما فتحت لنلحق بموعد الطائرة, وبالمناسبة لم نجد أي تسهيلات من الفندق ذي النجوم الخمس لنزلائه كما تجدون اليوم هنا)... وختمت حديثها بالترحيب بنا في دبي، شكرتها على حسن الضيافة واعتذرت لها بنظرة أمل في أن يستوعب مطار جدة عمّا قريب دوره ومسافريه حتى لا يجعل آخر ما يحمله الزائر من رحلته ذكرى أليمة.

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية 

[email protected]

المصدر: صحيفة عكاظ