عادات بفعل القانون الاجتماعي والأمر الواقع

العادات الشرعية والوطنية والجبرية

رانية سليمان سلامة

العطلة الشرعية:
من وقت لآخر تطفو على السطح فكرة تعديل الإجازة الأسبوعية لتصبح يومي الجمعة والسبت، ورغم أنني لست من المستفيدين ولا المتضررين إلا أن تبرير نائب رئيس مجلس الشورى المهندس محمود طيبة لمعارضة الفكرة كان ملفتاً إذ اعتبر أن التغيير أمر غير مقبول في بلد يعتمد على كتاب الله وسنة نبيه دستوراً!! ولا أدري ماهي علاقة يوم الخميس بالكتاب والسنة إلا إذا كنا نعتبر أن كل أنظمتنا المرتبطة بساعات العمل والدراسة والإجازات قد أصبحت مقدسة بفعل الخصوصية، كما لا أرى أنه أمر يتعارض مع الشرع ولكنه قد يتعارض على سبيل المثال مع أغنية (ليلة خميس) للفنان محمد عبده فتفقد الأجيال القادمة قدرتها على تذوق الأغنية وربطها بليالي الأعراس!!.

وثيقة التقاليد الوطنية:
لعل المثال السابق يؤكد على أن كل شيء اعتدنا على ممارسته أو على وجوده في حياتنا قد أصبح دون أن نشعر من ضمن العادات والتقاليد، كما يلقي الضوء مجدداً على إشكالية خلط العادات والتقاليد بالشرع ليتحول كل شيء مألوف -سواءً أكان سلبياً أو إيجابياً- إلى أمر مقدس وثوابت وقواعد شرعية مستحدثة ما أنزل الله بها من سلطان... ولعلنا في مواجهة ظاهرة (خياطة) الملابس الشرعية على قياس (القد المياس) للعادات والتقاليد نحتاج إلى (وثيقة تقاليد وطنية) نعرف من خلالها ماهي عاداتنا وتقاليدنا المشتركة والأصيلة التي تستند إلى جذور تاريخية وتخدم وحدتنا الوطنية دون أن تتعارض مع النصوص الشرعية لنتمسك بها، وقد نكتشف عندها أن مايستحق أن نتمسك به هو القيم الأخلاقية والصور الاجتماعية الإيجابية وربما نتمكن بعدها من وضع حد فاصل بين هذه القيم وبين المتغيرات التي تألفها الشعوب في أزمنة معينة لتناسب ظروفاً محددة دون أن تستحق التوريث. علينا أن ندرك أن خطورة هذا الخلط بين الدين والعادة لاتقتصر على الخوف من انتشار التشدد أو التقوقع ولكنها كذلك تهدد بسهولة الانحراف والرغبة بالانسلاخ من الهوية بناء على قياس عكسي يجعل البعض ينظر إلى الفروض الدينية كعادة... شئنا أم أبينا لابد أن ندرك أن طبيعة النفس البشرية وارتباطها بالعادات والتقاليد المتوارثة أضعف بكثير من الارتباط بالوازع الديني الراسخ الذي ينشأ عن فهم واستيعاب واقتناع واختيار... وشئنا أم أبينا لابد أن نعترف أن هذا الخلط كما أفرز تشدداً في الدين فهو قد أوجد ثغرة للتحرر من الدين لانستغرب في ضوئها أن نرى شريحة كبيرة من الشباب (ذكوراً وإناثاً) يخلعون ثياب الدين وأخلاقياته بمجرد تجاوز حدود الوطن معتقدين أنها عادة مرتبطة بالنطاق الجغرافي يمارسونها بفعل القانون الاجتماعي المحلي لا بالارتباط العقلي والروحي والنفسي بالدين.

عادة على طريق الأزمة:
بعيدا عن العادات التي مارسها الأجداد وتوارثها الأحفاد، ثمة عادات تفرضها علينا طبيعة المكان ومنها عدم استخدام الأقدام كوسيلة مواصلات أو ربما بمعنى آخر عادة استخدام السيارة مهما كانت المسافة التي سنقطعها طويلة أو قصيرة وبغض النظر عن الحالة الجوية التي لاتحول في بعض أشهر السنة دون الاستمتاع بالهواء الطلق... هذه العادة جبرية فرضتها علينا عبقرية تخطيط الشوارع والطرق في مدننا فلاتوجد أرصفة عريضة تستوعب السير وإن وجدت فهي متقطعة بحفريات أو أحواض أشجار أو( مزاج) أصحاب المنازل والمراكز الذي يجعلهم يقتطعون جزءاً من الرصيف أو يبتلعونه أثناء عملية البناء، كما أن الشوارع أغلبها لايمكن للمشاة (قطعها) لأن السيارات (ستقطعهم) إرباً إرباً فلايبدو أن من خططها قد اطلع على تجربة رسم خطوط مشاة على وجه الشارع لإجبار السائق على التوقف نزولاً عند حق المشاة ورغماً عن أنف سيارته المسرعة، عدم مراعاة ذلك يفرض على الراجلين في الطرقات أن يقدموا الشهادتين قبل التفكير في قطع الشارع وربما يتطلب منهم التدريب على قفز الحواجز نظراً لوجود أرصفة تتوسط الشوارع العريضة وتحصن نفسها بأسوار منيعة... النتيجة ليست أننا لم نعد نستخدم أقدامنا كوسيلة مواصلات أو أننا نفتقد حق ممارسة رياضة المشي في شوارعنا فحسب، ولكنها تنعكس في ذات الوقت على أزمة الازدحام المروري وتضع فلسفة خاطئة لاستخدام السيارة لتصبح أداة أساسية لحياة كل مواطن ومواطنة، وقد تتحول الأزمة إلى كارثة حقيقية مع ازدياد التعداد السكاني.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر:  صحيفة عكاظ