الملامح الاجتماعية والعمرانية

إنسانية تقتحم الأسوار العالية

رانية سليمان سلامة

"الأسوار المنيعة تزرع الوفاق بين الجيران"، هكذا كتب الشاعر الأمريكي روبرت فروست نظرية وطريق لم تسلكه خرائط بناء المنازل الأمريكية بينما التقطه مهندس معماري عبقري وطبقه على منازلنا التي أصبحت تتنافس في بناء الأسوار العالية لتبدو وكأنها قلاع رومانية حصينة... ويبدو أن هذه الأسوار قد غيرت الكثير من الملامح الاجتماعية والإنسانية لمجتمعنا وبدلاً من الوفاق زرعت خصوصية هي أقرب إلى الانعزالية ليبتعد حتى الجار عن جاره.. لا أدري لماذا تذكرت مشهد أسوارنا العالية وأنا أقرأ عن الأسرة المسلمة التي فازت بجائزة أفضل أسرة حاضنة على مستوى كندا في عام 2003م وهي الأسرة التي فتحت أبوابها ليستقبل السيد إبراهيم عبداللطيف وزوجته آمال نافع أطفالاً من ذوي الظروف الاجتماعية الخاصة تجاوباً مع إعلان نشرته دار رعاية في جريدة يومية تصدر في مونتريال يشير إلى الحاجة لأسر مسلمة تشارك في برنامج "الأسر البديلة" لاحتضان أطفال مسلمين ترعاهم الدار... لقد نبعت مشاركة تلك الأسرة بربها وربتها المتقاعدين من إدراك لقيمة هذا العمل الإنساني وإيمان بأنه جزء من عمل الخير والتكافل الاجتماعي الذي يحض عليه الدين الإسلامي فاختاروا أن يشغلوا وقتهم بهذا العمل الذي منحهم الرضا عن النفس وأتاح لهم الاستمرار بالعطاء بعد انتهائهم من مشوارهم الوظيفي.

تجربة مثيرة تستحق أن نتوقف عندها لنقيس عدد الأطفال من ذوي الظروف الخاصة التي فرضت عليهم دون ذنب والذين تضمهم دور الأيتام والجمعيات الخيرية في بلادنا, بحجم وعي المجتمع وإحساسه بالمسؤولية نحو احتضان هذه الفئة ومساعدتها على الانخراط في المجتمع وتأهيلها وتنشئتها في ظروف طبيعية وفي كنف أسر تضم الأب والأم... وقد اتضح لي أن مفهوم الأسر البديلة والحاضنة مطبق لدينا ومعترف به إلا أن التجاوب معه ضعيف بالرغم من وجود تسهيلات ووسائل تيسر عملية الاحتضان على الأسرة البديلة والأطفال منها على سبيل المثال أن تأخذ الأسرة الأطفال دون الثانية على أن تكون ربة الأسرة مرضعة ليصبح الطفل ابناً لها بالرضاعة كما تراعى شروط أساسية تزيل الحواجز النفسية مثل أن يكون شكل ولون البشرة للطفل مقارب للأسرة البديلة... كما تتوفر برامج الأسر الصديقة التي تتيح استضافة الأسرة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لفترات قصيرة تسهم بمنحهم فرصة الانخراط في المجتمع وتزيل من نفوسهم مشاعر السخط على ظروفهم وتخفف من وطأة المعاناة من النظرة السلبية لهم. أسوار شائكة من الخوف ومن المفاهيم المغلوطة والأحكام القاسية على هذه الفئة تحول دون انتشار ظاهرة الأسر الحاضنة والبديلة والصديقة وقصور في استيعاب المسؤولية الدينية والاجتماعية يؤدي إلى اقتصار العطاء لهم على العطاء المادي وتجاهل الاحتياجات النفسية الطبيعية التي يتحول معها ذوو الظروف الخاصة من عالة على المجتمع إلى أفراد أسوياء ومنتجين ولهم القدرة على التكيف معه.

وثمة أمل في أن تتغير المفاهيم ويزول القصور لتتسابق الأسر على خوض تجارب مثيرة كالتي خاضتها الأسرة المسلمة في كندا والتي جنت ثمار صنيعها بسعادة انعكست عليها وتركت أثرها على أبنائهم الأصليين الذين عايشوا التجربة... كل ما نحتاجه هو أن نسمح للإنسانية بأن تقتحم خصوصية أسوارنا العالية.

 

* رئيسة تحرير مجلة عربيات الالكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ