تنتزع من نفوس الأيتام الحقد والحرمان

لمسة وفاء

رانية سليمان سلامة

تشرفت الأسبوع الماضي بحضور الحفل الختامي لفعاليات مهرجان أرامكو (لمسة وفاء) المخصص لذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام الذي جسّد أنموذجاً مشرفاً لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، ولا أدري كم من الشركات السعودية بوسعها تنظيم مهرجان على هذا المستوى لمدة ثلاثة أسابيع ولأكثر من 400 طفل وطفلة وإن كنت أعتقد أن البنوك السعودية على الأقل بوسعها أن تزاحم أرامكو على شرف القيام بهذا الدور.

لم يكن المهرجان مجرد فرصة لذوي الاحتياجات والظروف الخاصة للاستمتاع بوقتهم ولكنه منح الحضور كذلك فرصة فريدة لتجربة (عدوى المشاعر) وتفاعل الحواس وقراءة لغة العيون، فخلال الفقرات انتقلت مشاعر الفرح والسعادة والتفاعل من الصغار إلى الكبار فكنت أنظر إلى زميلتي التي تجلس إلى جانبي بينما هي تنظر إلى طفل معاق يتابع العروض وتمنعه إعاقته من التعبير عن تفاعله بالتصفيق مثلنا فكان يحرك يده تجاه صدره كردة فعل تلقائية تؤكد أن التصفيق ليس بالضرورة يدين تضرب إحداهما الأخرى بل هو تفاعل بوسع كل منا أن يعبر عنه بأسلوبه وطريقته، غير أن القاسم المشترك كان ابتسامة مرسومة على وجهه وهو يتابع العرض وعلى وجه زميلتي وهي تنظر إليه وعلى وجهي وأنا أنظر إليهما معاً.

تفاعل المتطوعين والمتطوعات كان كذلك مشرفاً ومبشراً ساهم بانتقال روح العطاء والمشاركة منهم إلى كافة الحضور ومجدداً جسدت زميلتي ذلك عندما وجدتها تقفز من مقعدها أثناء العرض لتركض وراء طفل صغير وتربط شريط حذائه حتى لايقع وتثبت البطاقة التعريفية لآخر وتبلغ المتطوعين بقلق عن أخرى فقدت بطاقتها التعريفية ولكن يبدو أن التنظيم كان متأهباً لكل شيء فطمأنها أن كل طفل يرتدي شريطاً بلون مختلف حول عنقه ليتم التعرف على الجمعية التي ينتمي إليها وإن فقد البطاقة أثناء اللعب.

عندما انتهت الفعاليات واتجه الأطفال لتناول وجبة العشاء شاهدنا رسائل صامتة مكتوبة بحروف واضحة بداخل عين كل طفل ومحتواها (ليت هذا المهرجان لاينتهي) أو (ماذا بعد؟) وربما (كم من الوقت سننتظر ليستضيفنا مهرجان آخر؟)، الواقع أن هذه الرسائل التي يعتمد الأطفال للتعبير عنها بلغة العيون لم تكن جديدة فقد شعرت أنها ذات الرسائل التي كانت تحملها نفس العيون في كل مناسبة جمعتنا بها منذ أن كنت على مقاعد الدراسة حتى اليوم، وهي رسائل تستحق أن نقرأها بصوت مرتفع يحرك الشركات لتكثيف جهودها والتنسيق فيما بينها وبين الجمعيات حتى تتاح لهذه الفئة فرص مماثلة على مدار العام وليس فقط في المناسبات السنوية، كما أنها رسائل لابد من أن يتوقف عندها المجتمع مضطلعاً بدوره في تحقيق التكافل الاجتماعي الذي حث عليه الدين الإسلامي ومدركاً أن ذوي الاحتياجات والظروف الخاصة شأنهم شأن غيرهم من الأطفال لاتقتصر حاجاتهم على المأكل والملبس بل تمتد إلى الاحتياجات النفسية.

في الملتقى العلمي الأول لرعاية الأيتام بالرياض أشارت بعض أوراق العمل إلى أن السلوك العدواني للأطفال يزيد بوجودهم في دور الرعاية الاجتماعية بسبب شعورهم بأنهم مختلفون عن غيرهم، كما أشارت دراسة إلى أن الدول الغربية بدأت تتجه نحو إلغاء العناية المؤسساتية بالأيتام والتحول إلى دعم الأسر للتكفل برعايتهم في أجواء طبيعية وصحية. والواقع أن نظام الأسر الحاضنة والبديلة والصديقة موجود محلياً غير أنه لم يحظ بالترويج وبالتالي لم يتوج بالتفعيل على نطاق واسع بالرغم من أن الأرضية خصبة لتطبيقه، فالشؤون الاجتماعية تقوم بتقديم الإعانات الشهرية للأسر الحاضنة ووفقاً لصحيفة الجزيرة في عددها الصادر بتاريخ 13 ربيع أول 1428هـ تحصل الأسرة الحاضنة قبل دخول الطفل إلى المدرسة على 2000 ريال شهرياً أما بعد التحاقه بالمدرسة فتحصل على 3000 ريال شهرياً كما أن إعانات الزواج المقدمة للأسرة الحاضنة هي 60,000 ريال للابن و 20,000 ريال للابنة.

قد تكون الأسر الحاضنة مقتدرة وليست بحاجة لهذه الإعانات، وقد تكون محتاجة ولكن بوسعها استيفاء الشروط المعنوية لاحتضان الطفل وهنا أعتقد أن الشؤون الاجتماعية بحاجة إلى إجراء دراسة حول إمكانية استبدال دور الرعاية بالأسر الحاضنة بواسطة إعادة توزيع ميزانيتها ليكون الجزء المخصص للأسر الحاضنة أكبر من المخصص لدور الرعاية، فهذا التحول لن يخدم تنشئة الأطفال فحسب بل لعله سيساهم في سعودة الرعاية وتقليص عدد المستخدمات الأجنبيات الذين تستعين بهم دور الرعاية.

بين المسؤولية الاجتماعية للشركات والأسر الحاضنة لايمكن أن ننسى دور الأسر الصديقة التي بوسعها أن تستضيف طفلاً أو مجموعة من الأطفال دورياً وبحسب مقدرتها فتساهم في دمجهم في المجتمع وتنتزع من نفوسهم مشاعر الحرمان التي قد تتحول إلى أورام غير حميدة مليئة بحقد يصعب استئصاله بعد بلوغهم سن الرشد.
 

 

رئسية تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ