الوهم لتغيير الحقيقة

الحلول في المحلول

رانية سليمان سلامة

عندما يتعذر علينا قراءة سطور الأمل على صفحات الواقع قد يحلق بنا الخيال بعيداً، أو ننتظر أمراً خارقاً يغير الواقع في لمح البصر.

قبل سنوات كان مفاجئاً ومفزعاً ومخيفاً بالنسبة لي ربط البعض لما يجري في أفغانستان بظهور المهدي والقحطاني والتنبؤ بقيام الساعة في منتصف شهر رمضان من ذلك العام.

تبعها التنبؤ بظهور السفياني خلال حرب العراق.

واليوم لا أكاد أحذف رسالة من بريدي تشير إلى ظهور المهدي وفقاً للمعتقد الشيعي حتى تصلني أخرى تؤكد مع مقطع فيديو حضوره لإحدى المناسبات ودعمه لحزب الله.

الغرب كذلك لايبدو بعيداً عنا، فهناك من اعتقد بأن عام 2000م سيكون نهاية العالم، وآخرون ينتظرون معركة "أرماجيدون" الفاصلة.

وفي كل أنحاء العالم هناك من يهتم بقراءة الطالع والتنجيم وتأويل الرؤى والأحلام، والقاسم المشترك هو أن كل إنسان يعيش حالة من الترقب والانتظار لأمر ما يغير حياته أو يعلل به نفسه لتحقيق أمل.

وبالرغم من أنني أتجنب الانشغال بالخوارق وأفضل أن يحتفظ الغد بغيبياته أجد كل الأمور الغريبة تسعى إليّ لتحاصرني و تشغلني... ولفرط سذاجتي أتفاعل معها في كل مرة!!.

الأسبوع الماضي وبينما كنت أتجول في أحد أسواق العاصمة البريطانية اتجهت نحوي سيدة آسيوية تسألني بحماس (بماذا تشعرين؟)، اعتقدت للوهلة الأولى أنها من الفئة اللطيفة التي توزع التحيات على كل من تمر بهم فأجبتها بالإجابة التلقائية التقليدية (أنا بخير، أتمنى لك يوماً سعيداً) إلا أنها استوقفتني مؤكدة أنها تبحث عن إجابة أكثر دقة عن المشاعر التي تسكنني في هذه اللحظة تحديداً، وبدأت أدقق في ملامحها لأتأكد من أنها في كامل قواها العقلية وهي تطلب مني أن أعبر عن مشاعري على قارعة الطريق، ولتقطع شكي بيقينها سارعت بتقديم دليل تعريفي عن خدمات المتجر الذي تعمل فيه وهو خاص بالأعشاب الصينية التقليدية التي تستخدم للعلاج مستندة إلى أحدث تقنيات العلاج الحديثة... أردت أن أجعلها تبحث عن غيري فقلت لها أنني في حالة من السلبية يصعب معها تصنيف مشاعري، ولكنها ابتسمت وكأنها قد وجدت ضالتها وقالت (إذن مارأيك باحتساء كوب من الإيجابية مجاناً في متجرنا؟)، أخبرتها بأنني من أعداء الشاي والقهوة ولا أتناول الكحول ولا أتعاطى المنشطات ولا المهدئات، فلم يوهن كل ذلك من عزيمتها وأكدت أنهم بوسعهم أمامي الآن تحضير كوب من العصير الطازج الممزوج بأعشاب الإيجابية بينما أحصل على استشارة مجانية من أحد الخبراء، أدركت عندها أنني أمام تجربة القيام بدور البطولة في رواية الراحل يوسف السباعي (أرض النفاق) وتأهبت لتقمص دور ذلك البطل الذي ابتاع من متجر (أخلاق بالجملة والقطاع) أقراص الشجاعة والصراحة والصبر والمروءة، واتجهت معها إلى المتجر حيث استقبلني الخبير الذي لايشبه عطار القصة ذو الجبة والقفطان، وقامت أخرى بإعداد عصير البرتقال ممزوجاً بأعشاب الإيجابية التي حسبتها بعد أن تذوقتها (ثاني أكسيد المنجنيز)!!.

وبدأت الجولة المثيرة مع الخبير حول الأرفف المليئة بعبوات شاي (الإيجابية، الإبداع، الذاكرة، الخيال، الثقة، الاسترخاء، الهدوء، الصفاء الذهني) ومن ثم اتجهنا نحو الكبسولات التي تعالج كل مايمكن أن يخطر على بال العيادات الصحية والنفسية من مشاكل وأمراض، وبدأت أصف للخبير جميع الحلول التي أحتاج إليها واجتر من ذاكرتي كل الحالات التي تعاني منها أمتي العائلية و"الأصدقائية" لأدرك بعدها أنني قد قمت بتفريغ نصف أرفف المتجر وغادرت بها وأنا أتساءل (أي حماقة ارتكبت؟).

المؤكد هو أنني كنت قد أصبحت أسيرة تماماً لتلك الحلول بدليل أنني في طريقي إلى المنزل توقفت عند متجر آخر يعرض فقاعة زجاجية كبيرة تتراقص بداخلها مياه ملونة ويدعي الإعلان أنها على طريقة (الفينق شويه) الصينية تقوم بتحويل الطاقة السلبية في الهواء إلى إيجابية فسحبت الدليل الإرشادي وأنا أقول لنفسي (مستحيل!! ماهذه السخافة؟) وفي نهاية اليوم كنت اتصل بالمتجر قبل أن يغلق أبوابه لأخبرهم بأنني قادمة حالاً لشراء هذا الاختراع ولايمكنني أن أنتظر حتى الغد!!.

لازلت لا أدري إن كنت قد اشتريت وهماً أم حقيقة، ولكن على مايبدو في زمن الراحل يوسف السباعي كانت البشرية بحاجة لجرعات منشطة للأخلاق الحميدة قبل أن تتفاقم الحالة الصحية والنفسية اليوم مع وقع الحياة المتسارع والقلق والكوارث الطبيعية والصناعية لنصبح بحاجة إلى حل سريع نشربه أو نبتلعه أو ربما يكون على هيئة حقن لإنعاش الوريد قبل أن يجف.

أقف في حيرة اليوم أمام سؤالين، الأول أي من تلك الأعشاب ياترى يليق بإهدائه إلى سادة العالم ليمنحهم شيئاً من الإنسانية ومقداراً من العدل حتى نتخلص من صداع دولي اسمه الحروب؟.... أما الثاني فهو رغبتي في معرفة إن كانت حالتي مستعصية أم أن تلك الفقاعة التي تتراقص مياهها أمامي تستحق أن أقوم بتهشيمها لاستخراج الطاقة الإيجابية بالقوة بعد أن فشلت محاولاتي السلمية معها؟.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ