الإعلام الموجه تجربة أثبتت فشلها

جسور التواصل لتجسير الفجوات بين الشعوب

رانية سليمان سلامة

«في إحدى الولايات الأمريكية وعلى مائدة العشاء برفقة 8 زملاء من دول مختلفة هي ألمانيا، فنزويلا، اليابان، روسيا، أسبانيا احتفلنا معاً بانتهاء دورة عمل قصيرة جمعتنا هناك، ودار الحديث بيننا إلى أن سألني أحدهم قائلاً: أحمد... لماذا يفعل العرب هذا بالإسرائيليين؟
أنا: ماذا تقصد؟!!
هو: أقصد القنابل والقتل والتفجير وكل مايتبع ذلك من ممارسات عنف يومية!!
أنا: عزيزي لم يجد الفلسطينيون وسائل أخرى لنيل حقوقهم المشروعة في ظل تعنت الحكومات الإسرائيلية.
هو : هل تعتبرون القتل والتفجير أسلوباً للمطالبة بالاستقلال وبحكم ذاتي للفلسطينيين في جزء من الأراضي «الإسرائيلية»؟
أنا (باستغراب): أود أن أسالك قبل هذا عن معلوماتك بخصوص نشأة دولة إسرائيل، وكيف؟ ومتى؟ ولماذا نشأت؟
هو: كل ما أعرفه هو أنها دولة قائمة وبها «أقلية» من العرب يقومون بهذه الممارسات الوحشية للانفصال عن دولة إسرائيل وإقامة دولة عربية مستقلة خاصة بهم.
أنا: هل لي أن أوجه السؤال لبقية الزملاء؟ ماهي معلوماتكم أعزائي عن هذا الأمر؟

تلقيت نفس الإجابة تقريباً من الجميع!! ولن تصدقوا مدى استغرابهم وتعجبهم حين أخبرتهم بعد ذلك بجذور القضية، حتى إنني أذكر تعليق الفنزويلي عندما قال «هذا التوضيح يقلب الأمور رأسا على عقب، إذن أنتم في حالة دفاع!!». ويستطرد أحمد تعليقه على القصة التي سردها قائلاً: «المسألة لا تقتصر على ثمانية أشخاص فهم في واقع الأمر يمثلون المفاهيم السائدة في مجتمعاتهم عن قضايانا وبنظرة بسيطة إلى الدول التي جاؤوا منها بوسعنا أن ندرك أن فكرة العالم عنا مقلوبة رأساً على عقب كما وصفها الزميل الفنزويلي... وبرأيي المتواضع أعتقد أن اللائمة الكبرى تقع على عاتق عاملين رئيسيين هما (الإعلام) و(التعامل)، فالإعلام هو الوسيلة التي تصل إلى كل عين وأذن وعقل بشري في العالم وهو بذلك يملك القدرة على تشكيل المفاهيم وعلى تبديل الحقائق... أما التعامل وأقصد به تعامل الأفراد فهو كذلك وسيلة اتصال فعالة وطريق تعارف وتعريف كفيل بتكوين الانطباعات عنا في ذهنية الآخر، ولن أتطرق هنا إلى مايجب علينا أن نضعه بعين الاعتبار في تعاملنا مع الآخر لأني لا أعتقد بأنني سآتي بجديد».

أتوقع بأنني كذلك لم آتِ بجديد عندما نشرت قصة ورأي الأخ (أحمد)، ولكن الجديد والجدير بالذكر هو أنني قد أخرجت هذا الرأي من أرشيف أحتفظ به منذ عام 1997م في أقدم جهاز كمبيوتر اقتنيته في حياتي ومن داخل برنامج شبكة محلية إلكترونية ربطت آنذاك عدداً من مشتركي المملكة قبل دخول الإنترنت، والعبرة هي أننا كنا نعرف المشكلة والحلول قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصراع الحضارات والحرب على الإرهاب والجدل الدائر حول تعريفه الذي تداخل مع المقاومة... كل من خاض تجربة احتكاك مع أفراد عاديين في الغرب بوسعه أن يدرك حجم الفجوة الكبيرة في المفاهيم والرؤى بسبب تعثر وسائل التواصل والاتصال بالرغم من كثرتها.

بعد 10 سنوات من تلك القصة وللإنصاف لابد أن نعترف أننا قد حققنا نجاحاً كبيراً على الصعيد الرسمي وبين النخب للتعريف بحقيقة مواقفنا وقضايانا ولكن بقيت الفجوة على المستوى الشعبي كبيرة، نستطيع أن نرى عمقها عندما نتواصل معهم أو بنظرة سريعة إلى مشاركاتهم في الاستطلاعات والبرامج التفاعلية ومنتدياتهم الإلكترونية، فرؤاهم المغلوطة تستند إلى جهل يؤكد فشل وسائل التواصل والاتصال بيننا وبينهم ومواقفهم لاتختلف عن مواقف أكثر الأفراد تشدداً بيننا والطرفان يعجز كل منهما عن تفسير موقف الآخر فيكتفيان بسوء الظن الذي يستحيل تجسير الفجوات معه.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم ينجح الإعلام بتجسير الفجوات؟ وباعتقادي أن أحد أهم الأسباب ببساطة هو عدم وجود مبادرات شعبية كافية تستند إلى لغة مشتركة قابلة للفهم والاستيعاب فالإنترنت على سبيل المثال بكل ماوفرته من فرص تلاقٍ بين شعوب العالم ظلت اللغة فيها حاجزاً بين الغرب ليصل لوجهة نظر الشرق وبين عدد كبير من الأفراد في العالم العربي للتواصل مع الغرب بلغته... كما أن تجربة (الإعلام الموجّه) قد أثبتت فشلها الذريع ولنا عبرة في أكثر من 200 مليون دولار استثمرتها الحكومة الأمريكية من أموال دافعي الضرائب لتحسين صورتها والترويج لسياستها في الشرق الأوسط عن طريق الإعلام المرئي والمسموع، فأخفقت في الوصول لجمهور بات ينفر من الأدوات الموجهة بأهدافها المعلنة التي لاتحترم عقله ولا تلتزم بالحيادية.

لعلنا كنا حتى وقت قريب ننادي باستثمار عربي وإسلامي لبث قنوات ناطقة باللغة الإنجليزية ولكن علينا إعادة النظر في ذلك وربما الأقرب للنجاح هو القيام بدبلجة مباشرة لقنواتنا العربية الجاد منها والإخباري لتصل إلى الطرف الآخر صورة حقيقية ومحايدة دون أن يشعر الجمهور المستهدف أننا نخصه ببث نمارس فيه أدواراً تمثيلية ضمن مسرحية تغيير الصورة النمطية الخاطئة عنا... ترجمة برامج القنوات العربية للإنجليزية والعكس قد تكون تجربة ناجحة لمساعدة الشعوب على استيعاب المواقف وكشف الحقائق كما أنها ستكون وسيلة فعالة لإبادة (الآراء المتأرجحة) التي نجد أصحابها يقدمونها بتناقض فاضح على حسب (هوى) القناة المستضيفة وجمهورها.


مايحتاجه المواطن في الغرب هو أن تصله نفس الرسالة الإعلامية التي تصل للشرق وتعكس وجهة نظره، و مايحتاجه المواطن في الشرق هو أن يخضع لنفس المؤثرات الإعلامية التي يخضع لها المواطن في الغرب، وبتلك الفرصة العادلة قد ينجح الطرفان بالوصول إلى نقطة فهم واستيعاب مشتركة.

 


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ