الانعكاس النفسي للهزائم المتكررة على الإنسان

جيل (النكسة) وجيل (الوكسة)

رانية سليمان سلامة

لا أدري لماذا تتكبد وسائل إعلامنا عناء تغطية الحروب التي تقام على مسارح عربية أو إسلامية.... أزعم أننا قد حفظنا فصولها وبوسع الإعلام أن يقوم بإعادة بث ونشر التغطيات السابقة دون أن يشعر بذلك أحد.... السيناريو لا يتغير، التصريحات متقاربة، الأبطال متشابهون، الضحايا أبرياء، العمار يتحول إلى دمار، النتيجة النهائية خسرنا الحرب، الخطوة القادمة نعيد البناء لنهدمه.

ـ لست من أنصار التخاذل ولا الاستسلام، ولكني ابنة جيل (الوكسة) الذي بات يحسد جيل (النكسة) ويخشى أن يغبطه على حاله جيل قادم لانعرف حتى الآن الصفة التي ستلتصق بأبنائه وإن كان (الانكسار) هو الأقرب إليهم بعد أن عاصروا قبل أن يتشكل وعيهم صورا مخيفة لأشكال الموت والظلم والهوان.

ـ أخشى حقاً من الانعكاس النفسي للهزائم المتكررة على الإنسان.... وأخشى من رحى حرب تدور على دولنا لترسل رسالة قاسية للغاية لأجيال اليوم والغد تخبرهم فيها بأنهم مهزومون، وتنزع من أنفسهم الثقة في الرموز والشعارات وفي قدرتهم على تحقيق انتصار كامل.

ـ نحن جيل حلق في طفولته مع قصص البطولات الإسلامية والعربية الخالدة، ثم سقط في قراءة فجوة تاريخية شهدت خلالها أمته الانتكاسات.... وأخالنا نسينا لعقد من الزمان كل ذلك حتى أفقنا على انتفاضة الحجارة فاستعادت الذاكرة ماتوارثته.... ومالبثت الأحداث أن تسارعت من حولنا لنسمع القسم (القاعدي) الذي أكد بأنه لن تهنأ أمريكا بالأمان حتى تعيشه فلسطين، فسقطت أفغانستان ولم تنجح حتى الآن في تحرير نفسها من الصراعات الداخلية.... وانتظرنا أن تنتحر قوى التحالف على أسوار بغداد ولكن الأسوار  الحرية التي تقر كل الأعراف بأنها مشروطة بالمسؤولية يسقط شرطها عندما يكون المقام حرباً تهدمت بينما يكاد أن ينتحر الأمل في استعادة العراق لحضارته وقواه.... واليوم نحن موعودون بمفاجأة تزعم التصريحات أنها ستكون سارة بالرغم من أن الثمن المبدئي لها كان مجازر في فلسطين وتدمير لبنان والتلويح بممازحة سوريا ومغازلة إيران.

ـ حصدت كل الحروب التي عاصرناها أرواحا بريئة انتقلت إلى بارئها، و خلفت وراءها روحا معنوية مذبوحة لم يتوقف أحد عند دمائها كونها لا تظهر أمام عدسات الكاميرات فهي بحاجة إلى مجاهر فاحصة تقرأ وتهتم وتعالج الانعكاسات النفسية للحروب المتتالية والهزائم المتعاقبة.

ـ دهاء خصمنا يجعل خططه لا تُغفل العوامل النفسية ذات الأثر بعيد المدى والقدرة على إصابة الثقة باهتزاز قبل أن تصبح مع التكرار في عداد العناصر المفقودة من نفوسنا.... هكذا قرأنا نكسة الأسلحة الفاسدة في عيون التاريخ، وهكذا تتخلل هزائم اليوم فواصل من أوهام تحقيق المكاسب ينسجها الخيال بالتحالف مع خصم لانجده يسارع بكشف حقيقتها حتى نعيشها ونصدقها ومن ثم يتحول الحلم إلى صدمة واهتزاز.... يهيئ لنا أن الدول المستهدفة تملك قوى خارقة نبني عليها الأمل بالانتصار قبل أن نكتشف أنها ليس بوسعها أن تصمد وتدافع عن نفسها عوضاً عن قدرتها على مهاجمة غيرها.... ولم تكن مصادفة على هامش الحروب أن لانعلم سريعاً عن حقيقة الطائرة الأمريكية التي أسقطتها بندقية المزارع العراقي (منقاش)، ولا أن تظل الفضائيات لساعات تتحدث عن الجسم الغريب الذي أسقطه حزب الله قبل أن ندرك أنه طائرة ورقية أو منطاد.... كما كان لإخراج قائد عربي من بين الجحور دلالات، وكان لتحول من اعتقدنا أنهم أبطال معركة إسقاط الشيوعية إلى ثكنة الإرهاب والاختباء في الكهوف معان بين السطور.... إن لم يكن أهمها فأقساها قد كان اليأس والإحباط.

ـ نعيش ونتعلم، ولقد علمتنا الحرب الأخيرة أن (دية) الأسير الإسرائيلي وفقاً لشريعة الغاب الدولية هي عبارة عن (بلد عربي)، فإذا كانوا أسرى فالثمن الطبيعي بلدان مثل (فلسطين،ولبنان)... كما علمتنا أن البلد المنكوب يجب أن يتم تدميره أولاً وإبادة أهله ومن ثم يمكن أن يبدأ التفكير في مفاوضات أو سلام أو حرية.

ـ الحرية التي تقر كل الأعراف بأنها مشروطة بالمسؤولية يسقط شرطها عندما يكون المقام حرباً، ويصبح لأي دولة قوية حرية أن تشن حرباً شعواء دون أن تتحمل أدنى مسؤولية.

ـ ترى لو كانت هناك عقوبات دولية عادلة تلزم كل طرف من أطراف الحرب أن يتحمل (دية) الضحايا الأبرياء ويتكفل بإعادة بناء المنشآت المدنية التي هدمتها قنابله، هل كنا سنشاهد عندها حروباً تشن بهذه البساطة؟ هل كان بوسع إسرائيل أو غيرها أن تحرق في طريق غضبها الأخضر واليابس دونما أدنى مسؤولية؟ وهل كان قلب السيدة (رايس) برقته المعهودة سيطاوعها على تحفيز إسرائيل على الاستمرار بطغيانها لو أنها تعلم أن ثمة تعويضات سيفرضها عليها قانون دولي نافذ ويلزمها بسداد ديون تثقل معها كاهل أصدقائها الأوفياء؟.

ـ مازال الأمل يحدوني بانتصار عادل ومشرف ومستحق، وسيظل هذا الأمل محفوفاً بالخشية من أن لايجد الانتصار العربي من يحتفي به إذ ربما تكون الشعوب عندها ووفقاً لتسلسل الأحداث قد أبيدت عن بكرة أبيها وسكنت الأشباح ديارها.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

المصدر: صحيفة عكاظ