علم النفس والإجتماع لتحليل الظاهرة

مكافحة الإرهاب ووقاية خير من علاج

رانية سليمان سلامة

أشرت في مقال سابق إلى لجنة مناصحة الموقوفين والتي قامت وزارة الداخلية مشكورة بتشكيلها لتصحيح مفاهيم الفئة الضالة وإعادتها إلى سواء السبيل... وقد كان أكثر ما لفت انتباهي هو أن اللجنة الأم تندرج تحتها ثلاث لجان فرعية متخصصة, هي اللجنة العلمية التي تضم مختصين في العقيدة والعلوم الشرعية, واللجنة الأمنية, واللجنة الاجتماعية والنفسية.. والأخيرة استوقفتني طويلاً لأن الجوانب النفسية تحديداً لم تنل حظها من الاهتمام فيما مضى قياساً بالجوانب الشرعية التي أشبعت طرحاً وتحليلاً.. فنعلم بأن هناك من يسعى إلى تجنيد شباب المسلمين بوسائل شتى يتحولون معها إلى قنابل متحركة ومبرمجة لتدمير مصالح نفس القضايا التي يظنون أنهم يدافعون عنها.. غير أن المشكلة لا تبدأ من وجود الأفاعي التي تتجه إلى ضحاياها لتبث سمومها في عقولهم لأننا قد نقتل الأفعى دون أن نزيل الخطر الأهم ألا وهو الثغرات الموجودة في شخصية الضحية والتي تتسلل عن طريقها الآفكار الضالة أو المنحرفة حتى تحكم سيطرتها على الإنسان وتفكيره وممارساته.

بنظرة سريعة إلى الفئة التي سلكت هذا الطريق نلاحظ أنها في مرحلة الشباب وفي طور صياغة التوجهات الفكرية, وندرك أنها قد تعرضت لحالة من التضليل قبل أن تضل... لكن السؤال الذي يظل يشغلني هو لماذا يتأثر (سين) من الناس سريعاً بمحاولات التضليل بينما ينجو (صاد) منها علماً بأن كلا منهما قد عاش في نفس المجتمع وتلقى نفس التعليم وربما نشأ مع رفيقه الذي ضل الطريق في نفس الحي وفي منازل متجاورة؟

والإجابة لا أتوقع أن نصل إليها أو تصل إلينا بشكل دقيق يتجاوز الاجتهاد إلا من خلال اللجنة النفسية والاجتماعية التي تدرس هذه الحالات ضمن عملها في لجنة المناصحة, فقد يكون نشر نتائج دراساتها هو لحظة الانطلاق الحقيقية لوعي المجتمع بالمشكلة وآلية الوقاية منها.

لقد أحسنت لجنة المناصحة باستعانتها بالمختصين في علم النفس والاجتماع أولاً لما ستسهم به هذه اللجنة من دور إيجابي في تذليل عقبات عديدة من بينها تخليص المذنب من العزة التي قد تأخذه بالإثم وتحول فيما بينه وبين التجاوب مع اللجان الأمنية والشرعية... وثانياً لتضع يدها على سمات الشخصية المهيأة للوقوع في هذا الخطر حتى تدق لنا جرس الإنذار الحقيقي الذي يجب أن نهب على صوته باحثين عن الوقاية المطلوبة ومستندين إلى متطلباتها قبل أن نجد أننا بحاجة إلى قنطار علاج.

خطوة رائعة أن يتم نشر وإذاعة المكاشفات مع الفئة التي استعادت صوابها... ولكن تبقى معرفة ثغرات الشخصية هي مفتاح إصلاحها.

وأساس المشكلة قد يكون ببساطة شاب ذو شخصية ضعيفة أو مهتزة مهيأة للانقياد سريعاً وراء هذا أو ذاك.

وقد تكون شخصية مندفعة, لعاطفتها الكلمة الأولى والأخيرة التي تطغى على صوت العقل... فبضع مشاهد مؤلمة وشعارات حماسية بوسعها أن تؤجج مشاعرها لتتحرك معها معطلة مكابح العقل ودوره في توجيه الإنسان إلى الاتجاه الصحيح لتفريغ هذه المشاعر.

وقد تكون شخصية محبطة, عانت من ظروف استثنائية أفقدت صاحبها الثقة بنفسه وبمن حوله وبالحياة بأسرها حتى غدا الموت الغاية المنشودة.

وقد تكون شخصية ضائعة عجزت على أن تتعرف على ملامحها لتحدد هدفها في الحياة.. والنفس قد جبلت بفطرتها أن يكون لها أهداف وطموحات تتأجج في مرحلة الشباب ويحركها الوعي الذي إن غاب يسلم دفة القيادة لبائعي الأحلام والأهداف الجاهزة والمصحوبة بدليل إرشادات نحو طريق الهلاك.

وقد تكون شخصية ساخطة لا تملك أن ترى من حولها سوى السلبيات ولا تعرف من ردود الأفعال سوى لغة الثأر والكراهية والانتقام.

يبقى كل ما سبق مجرد احتمالات تمحو الفائدة من سردها كلمة (قد) بينما تتحول هذه الـ(قد) مع نتائج لدراسات دقيقة تخرج إلينا من المختصين الذين أتيحت لهم فرصة دراسة هذه الظاهرة عن قرب إلى حالة من الوعي والتحرك الصحيح لسد ثغرات تهددنا بالخطر الذي يبدأ من حيثما يجد هذا الفكر لنفسه بيئة خصبة في عقول الشباب يسكنها وينمو فيها ويستشري سريعاً كما يستشري المرض السرطاني الخبيث في الجسد... نحن في أمس الحاجة لمعرفة نتائج هذه الدراسة ليس فقط للمساهمة في مكافحة الإرهاب ولكن لمكافحة كافة الانحرافات التي قد يقع فيها الشباب, فبلا شك المجتمع بأسره تملؤه الرغبة في المشاركة الإيجابية لدعم المجهودات المبذولة في هذا الإطار, إلا أننا بحاجة إلى المعرفة والآلية لنشارك بالشكل الصحيح ونقدم الدعم المطلوب.

رسالة :
أحمد القحطاني القارئ الوفي لهذه الزاوية وصاحب (كيبورد) يحسن فكره أن يدق على مفاتيحه, كتب رسالة بعنوان (متى يفيق الشباب للعبة السياسية؟) تضمنت تساؤلاً تسبقه قراءة سريعة لبعض الأحداث التاريخية أنقل بعض سطورها -بتصرف- حيث يقول:

بعد إرادة الله العليم الحكيم

- أرادت قوى عظمى إحكام قبضتها على القارة الهندية فأوقدت نار الجهاد ضد الهندوس.

- أرادت قوى عظمى إجلاء فرنسا عن المغرب والشام فدعمت الجهاد في الجزائر وسوريا.

- أرادت قوى عظمى وقف الزحف الروسي فأقامت الجهاد في أفغانستان.

- أرادت قوى عظمى دق آخر مسمار في نعش السوفييت فدعمت الطاجيك والشيشان.

ويتساءل القحطاني في ختام جولته على صفحات التاريخ بقوله:

هل لاحظتم كيف كان شباب المسلمين الأشاوس هم أبطال كل هذه الغزوات وكيف كانت النتيجة دائماً في صف الطرف الآخر؟

 

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ