العلم ودوره في خدمة الجريمة

بصمات

رانية سليمان سلامة

أحد القراء الأفاضل لفت انتباهي إلى الخبر الذي تناولته وسائل الإعلام مؤخراً عن قيام طبيب بإزالة بصمات اليد لمهربي مخدرات واستبدالها بجلد مستخلص من باطن القدم، القارئ الكريم طلب مني مشكوراً التحقق من صحة الخبر والكتابة عن الانعكاسات الأمنية لمثل هذه الممارسات، فوجدت نفسي أمام خيارين إما البحث الطويل أو التطبيق العملي حيث سارعت باستدعاء إحدى الزميلات وأخبرتها بأن التجربة العملية هي خير وسيلة لإعداد مادة صحفية ولذلك فأنا أنوي خنقها بيدي حتى الموت ومن ثم سأغادر المكتب لتغيير بصمات أصابعي ورصد نتائج التجربة... المسكينة غادرت مكتبي ثم عادت بعد قليل لتطلب مني إعادة ما قلته ففعلت غير أنها هذه المرة ابتسمت ابتسامة الانتصار وهي تخبرني أنها قامت بتسجيل اعترافي بواسطة الهاتف الجوال وسترسله حالاً لزوجها كدليل اتهام لم يجعلني أشعر باليأس بقدر مادفعني إلى توسيع نطاق البحث ليشمل بصمة الصوت التي قد تدحضها عمليات حقن الحبال الصوتية لتغيير نبرتها.

أتساءل إلى أين سيصل العلم؟ ولمصلحة من يتطور؟ ومن سينتصر في ظله؟ الخير أم الشر؟...فكلما نشط العلماء لمواجهة التحديات الأمنية وتوصلوا إلى تيسير أمر الأدلة الجنائية لخدمة العدالة يواجههم فريق آخر من المختصين بتوظيف العلم لخدمة الجريمة، وعلم البصمات هو نموذج مثالي لحبل العلم الذي تتجاذبه قوى الخير والشر.

بصمات الأصابع تحديداً كنت أنظر لها بتقدير شديد وأتطلع إلى أن أعتمد عليها يوماً بدلاً من التوقيع الذي يوقعني في حرج مع الآخرين عندما يدركون أنني لم أعد أحسن الإمساك بالقلم بعد أن حل (الكيبورد) محله في حياتي فترتعش يدي عند ملامسته وأغمض عيني وأحركه على الورقة لينتج ما أجادت إحدى الزميلات بوصفه كرسم للحلزون بواسطة طفلة في المرحلة الابتدائية. علم البصمات بدد آمالي فعملية تغيير البصمات تكررت و ثبتت على البعض في قضايا كبرى بينما لاتزال قضايا أخرى عالقة في المحاكم الغربية تحوم حول المتهمين بها الشكوك في أنهم قاموا بتغيير البصمات أو زراعتها من أجساد الموتى أو من جلد القدم، وهنا ومن باب الحرص يجدر بي تقديم النصيحة للبنوك التي تعتمد على بصمات العميل لكي تبدأ بطلب بصمات اليدين والقدمين خاصة مع رواج خدمات تقديم القروض التي يكون المواطن بأمس الحاجة إليها للحد الذي لن يجعله يمانع إذا أضافت من ضمن شروط العقد (المنطقية) أن يبصم بالعشرين حتى تضمن حقها المضمون أساساً... كما يجدر تنبيه قارئات الكف إلى سؤال (المغفلين) قبل القراءة إن كانت خطوط اليد أصلية أم مزروعة وربما تطرح عروض جديدة فتدفع مقابل لقراءة الكف وتحصل على قراءة للقدم بالمجان... وبعد أن سقت البشرى للمجرمين والمنتفعين لا مانع من إحباطهم فقد ظهر اكتشاف جديد حيث نمت لدى بعض الحالات قطع الجلد المزروعة واكتسبت نفس البصمات الأصلية للمجرم ليواجه هو وطبيبه المصير المحتوم.

العيون كذلك سلبت بسحرها ألباب العلماء حتى تحولت بصماتها إلى قائمة الأدلة الجنائية ولكن الجدل يدور حولها بين الفريق الذي يؤكد أنها دليل قاطع لا يتشابه ولا يتبدل وبين فريق آخر يؤكد أنها تتغير مع تقدم العمر كما يمكن التدخل لتغييرها بزراعة الشبكية وغيرها بالإضافة إلى أن بعض الأمراض كالسكري والمياه البيضاء قد تؤثر على بصمة العين. الرائحة هي الأخرى دخلت إلى قائمة البصمات حيث ثبت أن لكل إنسان رائحة مميزة وقد أكد على ذلك علماء المسلمين استناداً إلى قوله تعالى في سورة يوسف:«إني لأجد ريح يوسف»... ولا أدري إن كان لتلك البصمة حل ولكن أتوقع أنها ستدفع المجرمين إلى المحافظة على نظافتهم وأخشى من أن يكون في جدة الكثير من المجرمين حتى لايسرفوا في استخدام المياه فتتفاقم مشكلة شحها. هناك أيضاً بصمة الأذن والشعر وسمات الوجه بما فيها الشفاه والأنف وغيرها وهذه البصمات تحتاج إلى إعادة النظر لإسقاطها من قائمة الأدلة الجنائية خاصة إذا كانت المتهمة امرأة استبدلت أدوات التجميل في حياتها اليومية بعمليات التجميل الجراحية والسيليكونية والبوتيكسية وتوصيلات الشعر. تبقى بصمة الحمض النوويDNA هي البصمة التي تقطع الشك باليقين حتى الآن ولعلها تؤكد بمسماها أن العصر النووي بمختلف صور النووية قادم لامحالة ليكتسح بقية العلوم ويستبدل أدواتها.

 


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ