عام لايخوننا فيه موعد السعادة

ميلاد الأعياد

رانية سليمان سلامة

هل سبق لأحد كتابة مقال قبل مولده لينشره في يوم عيده؟... هذا السؤال الطريف ظل يحاصرني وأنا أكتب المقال قبل أن أتجه وغيري من الحجيج– بإذن الله – لاستخراج شهادة ميلاد جديدة... وسيصل المقال إلى يد القارئ وهو يحتفل بعيد الأضحى بينما ملايين الحجيج على موعد مع الميلاد الجديد تصديقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»... هذا الميعاد والوعد والميلاد هو الأمل في بداية جديدة نمزق فيها (خربشات) خطتها أعمالنا في الدفاتر القديمة لنفتح صفحة بيضاء ونحرص على أن يكون خط الكتابة فيها مستقيماً ومحتواها ثميناً.

رائع أن تحظى بفرصة لتبدأ من جديد، والأروع مايمكننا أن نستخلصه من هذه التجربة وقد استوقفني طويلاً حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» فقد جاء ربط الحج (بالبر) ووصفه به، محيراً بالنسبة لي بل ولكبار العلماء فعند البحث عن معنى الحج المبرور وجدت تفسيرات عديدة وأقوالاً كثيرة، بالرغم من الإجماع على قاسم مشترك هو أنه الحج التام والمستوفي لأحكامه، أما ماعدا ذلك فهو كما جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام، سئل عن البر، فقال: «البر حسن الخلق»... كما ارتبط البر في القرآن الكريم بالتقوى، ويعتبره بعض المفسرين اسماً جامعاً لكل معروف يقوم به الإنسان في حياته... فالبر قاعدة للعمل، ومن ذلك نستخلص أن الإنسان الذي بوسعه أن ينجح في تجربة الحج المبرور بوسعه أن ينجح في (حياة مبرورة)... ففي الحج تتاح للإنسان فرصة البداية الجديدة التي تتطلب منه أن يتأهب لها ويخلص النية ويجاهد النفس ويبذل الجهد ويحرص على البعد عن المعاصي والمخالفات ويحتسب المشقة ويقرأ بين سطور التجربة دروس التكافل وحكمة المساواة وفضل التسامح ليصل إلى هدف منشود هو (الجنة)... وفي الحياة تلوح دائماً للإنسان فرص قد تغيّر مسار حياته إذا تعامل معها بنفس الآلية محدداً هدفه ومدركاً أن الأهداف قد تكون (جنان) الأرض التي تستحق أن نحج إليها ويصعب أن تتحقق وتقترن بصفة (البر) دون أن تمر بمراحل الاستعداد والإخلاص والالتزام والبذل والعناء والاحتساب والإصرار، ولايستحق صاحبها النجاح مالم يتخذ طريقاً يحترم فيه حق غيره ويستشعر فيه احتياجات الآخرين... حياة عظماء الأمة والناجحين تؤكد أنهم كانوا (يحجون) إلى أهدافهم وأن المطالب لا ننالها بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.

ـ يصادف حج هذا العام ميلاد أول أيام العام الميلادي الجديد، ويوافق احتفال المسلم والمسيحي بالعيد، كل على طريقته -ومع فارق التشبيه- هذه المصادفة تجمع الشتيتين بعد أن (أصرا) ألا تلاقيا، والمظلة التي نجتمع تحت ظلها هي إحساس الفرح والأمل في غد يمحو مخلفات الأمس بعد عام دامٍ من الحروب والانهيارات... كذلك سيعانق العام الهجري 1427 العام الميلادي 2007 بالرقم 7 لمدة 20 يوماً تقريباً نستقبل بعدها عام 1428.

أما العام الحالي فنودعه (هجرياً وميلادياًَ) بعد أن حيّر كل شعوب الأرض في تسميته، كما حيرني في إحساسي بأن مروره كان سريعاً بالرغم من أحداثه الثقيلة، ولازلت أشعر أنه بدأ بالأمس وأصيب الزمن معه (بسكتة وقتية) ربما لأن أيامه لم يكن لها مذاق، وربما لأن أحداثه قد أصابتنا بالتبلد... فلم تعد للأرواح فيه قيمة بعد أن أصبحت (تزهق) يومياً في حروب متتالية، ولم يعد للأموال قيمة بعد أن أصبحنا نشاهدها تتلاشى على الشاشات مع انهيارات أسواق المال، ولم يعد هناك مكان للتعايش وسط صراعات داخلية دفعت الأعداء إلى كف أيديهم عنا لتقتلنا عداواتنا ويهلكنا جهلنا، ولم يعد للحقوق والعدالة مساحة مع مجتمع دولي يحكمه (فيتو) القوي الذي يطحن حق الضعيف.

1428 هـ و 2007 م عام آمل فيه أن نتمكن من استنشاق عبق أيامه فنسحب مع الشهيق أملاً جديداً ونطرد مع الزفير ألماً قديماً... عام لايخوننا فيه موعد السعادة، ولا يخذلنا فيه حلم الانتصار، وتتكلل معه خطوات النهضة بالنجاح.
وكل عيد وعام وأنتم بخير.



رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ