التحول إلى المصادر البديلة للطاقة

مقاطعتنا ومقاطعتهم

رانية سليمان سلامة

من وقت لآخر ولأسباب سياسية أو دينية مختلفة تنطلق حملات المقاطعة الشعبية العربية لبعض المنتجات المستوردة وبغض النظر عن جدواها أتفاءل بها كونها تذكرنا أولاً بأننا أمة واحدة لها مصالح مشتركة تغار عليها وتتحرك لأجلها وثانياً لأنها تذكر العالم من حولنا أن الشعوب وإن تم وضعها في (قدر ضغط) الفوضى الخلاقة ستظل تحتفظ بإرادتها وتمارس حقها في الضغط بطريقتها الخاصة على من أسقط هذه الإرادة من حساباته وسياساته.

هذا التفاؤل لايخلو من الإحباط عند مقارنة المقاطعة الشعبية العربية بالمقاطعة الشعبية الغربية وتحديداً الأمريكية، فالفارق أننا نقاطع ونبحث عن بدائل أخرى مستوردة، بينما المقاطعة عند الطرف الآخر مدروسة ومصحوبة بمحاولات جادة لإيجاد بدائل آمنة لمستقبل أمة مستقلة بثرواتها الطبيعية والصناعية والبشرية.

نرفع في حملاتنا شعارات مثل (كل ريال تنفقه في شراء هذه المنتجات يساوي رصاصة في قلب فلسطيني) بينما ترفع حملات المقاطعة الشعبية الأمريكية شعارات (كل دولار تنفقه لتعبئة سيارتك بهذا البنزين يذهب لتمويل الإرهاب الذي يستهدف قتلك أو الإضرار بمصالحك) والفارق بين هذا وذاك أن الشعار الثاني يتمتع بأوجه عديدة من الدعم.

وفي هذا السياق قام معهد بروكنغز وفقاً لتقرير واشنطن بعمل مشروع Opportunity الذي يهدف إلى ترشيد الجدل والحوار العام أثناء انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2008 وطرح بعض الأفكار والسياسات البديلة على الرئيس الأمريكي القادم بشأن التحديات التي ستواجهه ومنها قضية التبعية النفطية التي تشغل الرأي العام الأمريكي، حيث يؤكد التقرير أنه ليس من وسيلة للخروج من حالة التبعية النفطية أسرع من تحويل السيارات إلى العمل بالطاقة الكهربائية التي تمتلك الولايات المتحدة بنية أساسية ضخمة لتوليدها شريطة أن تتحرك صناعة السيارات الأمريكية في هذا الاتجاه وتتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية.

ووفقاً لأحد سيناريوهات التقرير المبنية على بيانات وزارة المواصلات الأمريكية فإنه عند الوصول بنسبة السيارات الكهربائية إلى 75% من إجمالي السيارات المباعة في السوق الأمريكي بحلول عام 2025 سوف تصبح السيارات الكهربائية عندئذ أكثر من نصف السيارات العاملة وأن هذه النسبة سوف توفر أكثر من ثلث النفط المستخدم.

ويقترح التقرير أن تقوم الإدارة الأمريكية بطلب شراء 30 ألف سيارة كهربائية سنوياً من إجمالي نحو 65 ألف سيارة تقوم بشرائها سنوياً لتشجيع القطاع الخاص وباقي مؤسسات الدولة على السير في الاتجاه ذاته وبشكل يدفع قطاع صناعة السيارات إلى التكيف مع هذا التحول، كما يقترح تقديم الحوافز المالية والضريبية لأول مليون مشتر من السيارات الكهربائية مع رفع الضرائب على استهلاك البنزين وإعادة استخدام الدخل الناتج عن هذه الضرائب كامتيازات ضريبية لمستخدمي السيارات الكهربائية. ورغم التأثيرات السلبية المتوقعة لزيادة الضرائب على البنزين إلا أن التقرير يشير إلى استطلاعات الرأي التي تؤكد استعداد المواطن الأمريكي لتقبل هذه الزيادات إذا كان الهدف منها هو الخروج من حالة التبعية.

كما يدعو التقرير إلى تشجيع ومساعدة محطات الوقود على تحويل جزء من مضخاتها للتوافق مع ضخ الإيثانول لدعم ثقة المستهلك الأمريكي في إمكانية الحصول عليه بسهولة. وبالرغم من أن التقرير يعترف بأن الإيثانول حالياً يتمتع بدعم من الحكومة الفيدرالية يصل إلى 51% من قيمة الجالون إلا أنه يؤكد ضرورة وجود المزيد من آليات الدعم ومنها عند انخفاض أسعار النفط على سبيل المثال أن يتم رفع حجم الدعم للإيثانول للحفاظ على تنافسيته أمام البنزين. أو تخفيض حجم التعرفة الجمركية المفروضة على واردات الإيثانول.

وكالمعتاد تمتد الخطط والدراسات الأمريكية إلى خارج نطاقها فيعتبر التقرير أن استفادة الاقتصاد الأمريكي من التحول إلى المصادر البديلة للطاقة لن يكتمل إلا بتحول بقية الدول المستهلكة للنفط معتبراً أن تحول الصين على سبيل المثال إلى الاعتماد على المصادر البديلة سيكون مفيداً للاقتصاد الأمريكي أكثر من تأمين إمدادات إضافية من نفط الخليج.

حسناً، السؤال البريء الذي طرح نفسه منتحراً من أعلى قمة هذا التقرير حتى سقط على صدر الصمت الرهيب هو كيف سيكون حال دول الخليج عندما يتراجع اعتماد الدول الصناعية على النفط؟ المشكلة التي سنواجهها لن تكون مشكلة تبعية واستقلالية فحسب بل قد تصبح مسألة حياة، فنحن اليوم نملك حق المقاطعة بينما غداً قد لانملك ثمن المنتجات الاستهلاكية المستوردة، والمواطن الذي عانى من البطالة وتدني مستوى الدخل والفقر والديون في العصور الذهبية للنفط أين سيصبح تصنيفه عندما تخسر منطقته هذا الامتياز؟. لا أنكر أن المشكلة يجري تناولها على النطاق المحلي في المؤتمرات والمنتديات ولكن التقرير السابق والتجارب من حولنا تؤكد أن الحل يتطلب وجود مراكز أبحاث إلى جانب وعي الأفراد وتحرك حكومي يصاحبه تحرك القطاع الخاص في نفس الاتجاه لنستشرف مستقبلنا الاقتصادي.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ