أفكارك تصنع مشاعرك، ومشاعرك تصنع تصرفات

تعريف المشاعر

رانية سليمان سلامة

"بوسع الإنسان أن يُقاوم اشتياقه لمن يحب، لكن لا يمكنه أن يُقاوم الشفقة عليه" كانت هذه الجملة بمثابة الحد الفاصل لسنوات من المعاناة عاشها زوجان لم يكن بوسعهما أن يعيشا معاً ولا أن يحتملا ألم الفراق، وفي كل مرة يقع الانفصال تعود المياه لمجاريها المسدودة مدفوعة بأسباب خارجية لم تكن الزوجة تعيها حتى جلست أمام المستشارة النفسية تحكي لها أنها هذه المرة كانت قد اختارت الطلاق عن قناعة تامة وتجاوزت شوقها إلى زوجها وافتقادها لبيتها حتى علمت بأنه على وشك إشهار إفلاسه وإغلاق شركاته بالإضافة إلى حالته الصحية التي تدهورت وحالتها النفسية التي انتكست.
 
كانت على ما يبدو تلتمس عذراً أمام نفسها للعودة ثم تعود وتفكر فيما سيتبع ذلك وتتردد لكن ما إن سمعت الجملة أعلاه حتى شهقت وكأنها استيقظت من كابوس مزعج وقفزت من مقعدها وصافحت المستشارة النفسية وشكرتها قائلة: «لقد حسمت القرار»، فبادرتها المستشارة بقولها: «لست متأكدة ماهو قرارك ولكن ما يهمني هو أن تتخذي القرار السليم بعد أن تصلي للتعريف الصحيح لمشاعرك أولاً» فأجابتها: «حبي له كان اعتياداً، وشوقي إليه كان إدماناً لنمط حياتي السابقة وخوفاً من بداية جديدة، وغيرته عليّ كانت حب امتلاك، أما أزمته الصحية فلم تكن بسبب ألم فراقي بل كانت بسبب ضياع أمواله، الواقع الوحيد هو أنني كنت أشفق عليه في كل مرة دون أن أدرك بأن الإحساس الذي يعتريني ويدفعني للعودة هو الشفقة». وصدر حكمها الأخير على حياتها الزوجية بالطلاق لعدم اكتفاء أدلة استئناف الحياة معه وعدم وجود مُحفزات لتقديم التنازلات كالأطفال مثلاً.

استمعت إلى تلك القصة وأدهشتني فكرة «تعريف المشاعر»، فلا توجد قواميس لتفسير مفرداتها ولا دليل لتحديد الأعراض المصاحبة لكل إحساس مع توضيح الفوارق بينها ولا مجس للكشف عن حقيقة المشاعر وصدقها ولم يكن بإمكان المستشارة المتخصصة نفسها بالرغم من خبرتها أن تجزم بتعريف محدد لمشاعر تلك السيدة التي بدورها كانت تخلط بين الحب والشوق والشفقة والإدمان والتضحية فظلت تتخذ قرارات خاطئة مستندة إلى تعريف خاطئ لسنوات، مما يؤكد أهمية نشر ثقافة خاصة هي ثقافة المشاعر التي تختلف عن الثقافة العامة كونها تتطلب تنمية مهارات اتصال الإنسان بعقله الباطن.

الوعي في هذا المجال الغامض أعتقد أنه يبدأ باستيعاب حقيقة علمية هامة تقول ان "أفكارك تصنع مشاعرك، ومشاعرك تصنع تصرفاتك". وهي حقيقة تدحض الاعتقاد الشائع بأن المشاعر قد تسبق التفكير. فالواقع أن الأفكار التي نحملها أو نختزنها هي التي تحرّك مشاعرنا باتجاه دون غيره، وبالتالي لا توجد مشاعر مجنونة ولكن يوجد وراءها -إذا ضلت الطريق- أفكار بحاجة إلى الاحتواء والتقويم.

أما الأفكار فبعضها يطفو على سطح الوعي لنجد الإنسان يعرفها ويردّدها وينشغل بالتفكير فيها، بينما البعض الآخر يسكن في اللاوعي كترسبات من تجارب الماضي وربما أوهام وأضغاث أحلام تصنعها الروايات الواقعية والخيالية التي قد تتوق النفس لتمارس دور بطولتها أو يسقطها الإنسان على نفسه وعلى حياته والأشخاص المحيطين به دون أن يدري، ولا زلت أذكر تضحية جليلة قامت بها إحدى السيدات لتقف إلى جانب زوج لم تحبه يوماً ولم يُحسن إليها أبداً، فقالت في مشهد درامي حزين وبكل فخر واعتزاز: «أنا سعيدة بتضحيتي وأشعر أنني كغادة الكاميليا» ليخرجني ذلك التشبيه من سياق تعاطفي معها فأناشدها أن تبحث لنفسها عن دور آخر تلعبه في الحياة ذلك أن غادة الكاميليا كانت غانية!!.

إذا آمنا بأن الأفكار تصنع المشاعر ندرك بأن المشاعر هي ردود أفعال طبيعية لأفكار الوعي التي نعرفها، واللاوعي الذي يُرسل إشارات قد تكون مُضللة للمشاعر، والأمر ليس بحاجة إلى تحليل وتفسير وتعبير وطبيب أو مستشار نفسي يقوم بكل ذلك ففي الواقع المطلوب هو التأمل الذي يمنح الإنسان فرصة للاتصال بأفكاره ومشاعره واختبار صحتها.

تبقى المعضلة التي حيّرتني وهي الكيفية التي تمكنت بواسطتها صاحبة القصة الأولى من اكتشاف أن إحساسها هو عبارة عن شفقة وإذ تقول: «نزعت من المشهد الحال الذي آل إليه فكان قراري ألا أعود، وأدركت أن ما كنت أحمله له في تلك اللحظة شفقة ستنتهي صلاحيتها بمجرد تجاوزه للأزمة ومعاودته لسلوكه السابق وهذا ما أضعت سنوات عمري فيه» وتضيف: «لقد اكتشفت أمراً آخر عندما اختليت بنفسي وبدأت أفسر المشاعر التي أحملها له فانزع واحدة واختبر الأخرى حتى اكتشفت أن ما جمعنا لم يكن حباً ولكن كان في حياة كل منا صفحة من سؤال واحد هو "املأ الفراغ العاطفي التالي بالاسم المناسب" كتب اسمي عليها وكتبت اسمه عليها واتضح أن الإجابة خاطئة لأننا لم نستذكر دروس الحياة الزوجية قبل أن نتأهل للاختبار، وإن كنت قد تعلمتها واحترمتها لاحقاً فبذلت الجهد لتستمر الحياة بيننا إلا أنه تمسك بأن أظل اسماً على هامش صفحة حياته التي يملأها بالأخطاء ويرفض تصحيحها».

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

[email protected]

المصدر: صحيفة عكاظ