الجهات التنفيذية، التشريعات، المكاشفة والمحاسبة

التنمية المتوازنة وخطوطها المتوازية

رانية سليمان سلامة

نودع هذا العام بثلاثة أحداث هامة ومتتالية وهي اللقاء الوطني السادس، والدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليــج العربية، وإعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد... وقد حمل لنا كل منها بشارات عديدة تطمئننا على الغد وعلى خطط التنمية في مجالات مختلفة، غير أنني عجزت كالمعتاد عن كبح زمام موجات (التشويش) التي تغزو الطمأنينة بالقلق، ومازال يشغلني أمر الخطوط المتوازية التي نحتاج بشدة إلى رسمها على حافة الخطوط الأساسية حتى يواكب الوعي الاجتماعي القرار السياسي دون أن يتقاطع معه أو يعطل مسيرته، وحتى يضطلع الجهاز التنفيذي والتشريعي بمسؤولياته دون تقاعس.

ـ فاللقاء الوطني السادس للحوار الفكري الذي تناول التعليم بما فيه من مستقبل مبشر وواقع أليم، يحسب له وللمركز إقدامه على خطوة جديدة مع كل لقاء حيث بدأ في اللقاءات السابقة بالجلسات التحضيرية لتوسيع نطاق المشاركة، وفي اللقاء السابق انطلق البث التلفزيوني المباشر للجلسات ليسهم في نشر ثقافة الحوار، وفي اللقاء الأخير تمت الاستجابة لمطلب مشاركة المسؤولين على أمل أن تخرج التوصيات من حيز النقاش إلى برامج التفعيل... ولكن يبقى التحدي أمام المركز كبيراً لنشر وتفعيل هذه الثقافة التي ترتكز إلى حكمة أساسية تؤكد أن الإصلاح الحقيقي هو الذي يبدأ بمساحات حوار حضاري ينبثق منه الوعي الاجتماعي ويتشكل عن طريقه القرار السياسي... لذلك بعد نجاح حوار النخب لايزال يحدوني الأمل في انطلاق حوار موازٍ يستهدف الشباب ومن قبلهم الأطفال... فالعديد من الدول العربية والخليجية قد أقدمت على خطوة تأسيس برلمانات ومجالس الشباب والأطفال التي تنعقد جلساتها دورياً، ولعل أقدمها برلمان الأطفال في مصر الذي كانت تبث جلساته أسبوعياً على الهواء مباشرة، وأبرزها مؤخراً برلمان الأطفال في اليمن الشقيق الذي فوجئت بخبر يشير إلى أنه اتجه إلى استجواب برلمان الكبار لعدم اهتمامه بالعنف المنزلي ضد الأطفال، كما تبنت إمارة الشارقة هذه التجربة واحتضنت برلمان الأطفال الذي تأسس عام 1997م وتتراوح أعمار أعضائه بين 9 و14 سنة بالإضافة لبرلمان الشباب الذي تأسس عام 2004م وتبث – على حد علمي – جلسات كل منهما على الهواء مباشرة... الهدف من وجود هذه المجالس أو البرلمانات هو توطين الأطفال من سن مبكرة على لغة الحوار وتبادل الأفكار والتعامل مع الرأي الآخر، بالإضافة إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذاتهم عن طريق نقل وسائل الإعلام لجلساتهم ومشاركة المسؤولين معهم لتلبية ومناقشة مطالبهم... ومن جهة أخرى فهو درس عملي عن كيفية الاشتراك في العملية الانتخابية بما تتضمنه من (قيد وتسجيل وترشيح ودعاية واقتراع وطعون) وهو وسيلة ناجحة لتنمية الشعور الوطني لدى الناشئة لنقطف نتاج ذلك جيلاً يعرف حقوقه ويدرك واجباته ويتحلى بالوعي الذي لايمكن للقرار السياسي الحكيم أن ينجح دون مساندته.

ـ انعقدت الدورة السابعة والعشرون للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض وجاء البيان الختامي مبشراً وكان أبرز مافيه برامج الشراكة الاقتصادية وإصدار العملة الموحدة لتحقيق تقارب اقتصادي... ذلك التقارب بأمسّ الحاجة إلى صيغة تقارب اجتماعي بين شعوب الخليج لتدعم هذه الخطوات السياسية والاقتصادية الهامة، وهذه الصيغة الاجتماعية لن تنجح بكتابتها وتفعيلها سوى منظمات المجتمع المدني التي لابد من تأسيسها وتفعيل دورها ليشعر كل مواطن خليجي من خلال برامجها (بالانتماء) ويتعرف على دوره في هذه الشراكة وعلى شريكه... لابد أن نعترف أن الشعوب لم تصل بعد إلى وعي القيادات بأهمية هذا الاتحاد وقد لايتجاوز مفهوم مجلس التعاون الخليجي لدى بعض الأفراد أكثر من ترديد نشيد (خليجنا واحد) وتعارف عن بعد من خلال المسلسلات والبرامج التلفزيونية، أما الآن وقد خطا كل مجتمع محلي من مجتمعات دول الخليج خطوات هامة في إطار الحوار الداخلي فقد آن الأوان لكي يتجه هذا الحوار الذي يرمي إلى التعارف والتقارب والتعايش والوحدة ليجمع الشعوب الخليجية مرتكزاً على القواسم والمصالح المشتركة لتدعم هذه الشعوب أهداف ومسيرة مجلسها.

ـ استقبلنا الأسبوع الماضي إعلاناً مبشراً عن ميزانية هذا العام التاريخية بأرقامها، المستقبلية بخططها وقد عزز الإعلان من ثقة المواطن في من قاد هذا الوطن ومن خطط مستشرفاً المستقبل، ومن جهة أخرى ضاعف الإعلان من أهمية إجادة رسم ثلاث خطوط متوازية تمثل (الجهات التنفيذية، التشريعات، المكاشفة والمحاسبة)... فمع الأسف لطالما مارست بعض الجهات واللجان التنفيذية دور إبادة الأمل وعرقلة الانتقال من مراحل التخطيط إلى التنفيذ، ولعلي أذكر مثالاً بسيط فقبل عامين تقريباً اختارت مجموعة من السيدات التوجه بالزكاة للمرضى في أحد المستشفيات الحكومية التي قمن بزيارتها وشعرن بالأسى على حال مرضاها ومبناها وتجهيزاتها والمفاجأة أن أحد المسؤولين أفادهن بأن المستشفى تلقى مكرمة ملكية وتبرعاً سخياً قبل سنوات وبين يد إدارته شيك قابل للصرف لإنشاء مبنى جديد وشراء أجهزة حديثة، غير أن اللجنة التنفيذية تجتمع كل عام لتقرر عدم رضائها عن التصميمات التي قدمها المقاولون ويبقى الحال على ماهو عليه، والأسوأ أن هذا المسؤول لخشيته من المساءلة أو لعدم ثقته في وجود تشريعات تحميه رفض تحمل مسؤولية الكشف عن هذا التعطيل لأية وسيلة إعلام وربما يكون قد بقي الحال على ماهو عليه حتى تاريخه.

الآمال معقودة اليوم على تقويم الاعوجاج الذي يعاني منه خط الجهات التنفيذية، وتحديث القوانين والتشريعات الكفيلة بإصلاح الفساد الإداري وتحسين المناخ الاستثماري وحفظ الحق الإنساني... وعلى هذه الخطوط أن تدرك أنها الدعائم الأساسية لخطط التنمية، وأن المواطن السعودي لابد أن يصبح مرآة عاكسة لاقتصاد بلده، فنمسح خط الفقر ونطفئ ديون ذوي الدخل المحدود والمتوسط ونكشف ونحاسب الأفراد والجهات التي تسلب بأطماعها وجشعها من المواطن البسيط كل ماتمنحه الدولة له.

 


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]

المصدر: صحيفة عكاظ