الشذوذ الساذج

المستر- رجالات

رانية سليمان سلامة

المنتجات المهجنة بدأت تغزو الأسواق بكثافة ومؤخرا قرأت خبرا يفيد بأن الشكل المستدير للطماطم كما نعرفه سيودع الأسواق قريبا وسيطرح بدلا منه في العام المقبل أنواع مختلفة من الطماطم المهجنة، منها ثمرة الطماطم التي تشبه فاكهة الفراولة حلوة المذاق... وبعضها قد تم طرحه بالفعل في الاسواق الامريكية، ومنها الطماطم المخططة باللونين الأحمر والأخضر التي يطلق عليه (ستروماتو).

حبة الطماطم (المتفورلة) والمخططة والملونة تذكرني كثيرا بكائنات بشرية مهجنة تتكاثر بشكل غريب في ظل تجاهل الاعتراف بها كمشكلة وظاهرة شديدة الخطورة ومثيرة للاشمئزاز... فقد كنا نعلم أن الجنس البشري ينقسم الى ذكر وأنثى إلى أن ظهر مايسمى (بالجنس الثالث) والذي تنتمي له فئات شاذة معترف بها في الغرب وبناءاً على ذلك الاعتراف بدأت بعض المصطلحات المتعارف عليها لتعريف (النوع) تتحور لتضم هذه الفئة، ففيما مضى كان التعريف عن الهوية يستخدم له اللفظ (sex) الذي يحدد إما بالذكر أو الأنثى فقط، واليوم استبدلت بكلمة (Gender) وتعريفها وفقا للموسوعة البريطانية بأنها (تقبل المرء لذاته وتعريفه لنفسه كشيء متميز عن جنسه البيولوجي الحقيقي) بمعنى أن مايحدد كونك رجلا أو امرأة أو (مسخا) ليس طبيعتك التي خلقك الله عليها بل هو إحساسك الداخلي حتى وإن كان مضطربا.

من هنا كانت فرصة سريعة الإقتناص لمن يود أن ينضم إلى وهم ركب الحرية حتى لا يتخلف عن مسار العصر حيث على الجميع أن يمارسوا أوهام الحرية وبما أن الحرية المسؤولة لا ينالها إلا اصحاب البعد الثقافي العميق وتتطلب مجهودا وقدرات عقلية وتترتب عليها مسؤوليات، فقد اختار اعضاء نادي مايُسمى الحرية الجنسية الانضمام لما هو أسهل من ذلك والسير في الطريق المعبد ليس لخلل هرموني ولا جينات وراثية ولكن لمجرد ممارسة أي نوع من أنواع الحرية الوهمية التي تكفل لهم التميز عن غيرهم وإن كان تميزا مشوها.

كان ذلك نتاجا لمطاطية وضبابية تعريف الحرية والجنس في الغرب.. ولكن لا أدري تحديدا ماهو الذي دفع ظاهرة دخيلة إلى الانتشار في بعض مجتمعاتنا العربية تسمى باضطراب الهوية؟! ولست هنا بصدد مناقشة الشذوذ الجنسي ولكنني اتناول مشكلة (الشذوذ الساذج) الذي غالبا ما يبدأ في تلك المجتمعات النسائية تحديدا بالانسياق وراء ماتم تسويقه في الغرب استنادا الى تعريف Gender من ملابس وعطور تراعي الفئة التي اختارت أن لا تكون رجلا ولا امرأة وهي منتجات unisex فكانت إحدى خطوات توحيد المظهر الخارجي للذكر والأنثى واصبحت من اهم خطوط الموضة العالمية التي اطلقها الغرب لتناسب ظاهرة مرضية شائعة لديه... ان بعض مجتمعاتنا العربية والحمد لله لا تعاني كثيرا من مشكلة الشذوذ الجنسي بقدرمابدأت تعاني من مشكلة (الشذوذ الساذج) الذي لا يعلم حتى من يمارسه دوافعه لاختيار هذا الطريق بل وبنقاش بعض الحالات مع الاخصائيين في علم الاجتماع والنفس بدا الأمر لغزا في غاية الغرابة ولم يتمكن أحد من وضع تفسير منطقي يسهم في علاج حالات المسترجلات تحديدا.. بالرغم من وجودها ولم يعد من المناسب تجاهلها .. وللمفاجأة هذه الظاهرة في بعض المجتمعات العربية نجدها في أوساط متحررة لا تعاني فيها الفتاة من التضييق على حريتها، كما نجدها لدى شرائح تعاني من الكبت الشديد والتضييق المبالغ فيه على ممارسة حياتها ونجدها لدى فئة تتوفر لديها حياة متوازنة بلا افراط ولا تفريط ولدى فئات مثقة وأخرى أمية .

والاكثر عجبا ان انتشار علاقات الاعجاب بين الإناث والعلاقات الثنائية التي تلعب فيها أنثى من فئة (المستر- رجالات) دور رجل بريئة إلى حد كبير من مشكلة تأخر سن الزواج والعنوسة بدليل وجود هذه الظاهرة في أوساط نساء متزوجات، وفي وسط النساء المتزوجات نجدها لدى نساء يعانين من قهر الأزواج وأخريات يمارسن القهر على الأزواج.. ونساء كبيرات في السن وأخريات شابات بل وصغيرات ينحرف مسار إعجابهن بزميلاتهن أو مدرساتهن إلى حد الغرام والهيام .

كيف تسللت هذه الظاهرة إلى بعض المجتمعات النسائية في العالم العربي؟ سؤال لا إجابة عنه بعد... ولكن لماذا بدأت هذه الظاهرة بالانتشار؟ فربما لذلك الانتشار إجابة.. ملخصها أن العرب يغضون - بغير وعي- الطرف عن المرأة أو الفتاة المسترجلة على اعتبار أن ذلك سينأى بالأنثى عن الوقوع في علاقات غير مشروعة مع الجنس الآخر وتتواكل بعض المجتمعات العربية على الثقة بأن الأمر لايعدو عن كونه مظهرا خارجيا وممارسات للفت الانتباه أو محاولة فاشلة للتميز بانحراف هو في الواقع لا يقل خطرا عن انحراف العلاقات غير الشرعية بين الذكر والأنثى.

وقد يكون بوسع الشرع والعلم حل المشاكل الجنسية والبيولوجية وعلاجها؟ أما هذه السذاجة فتتطلب التعجل بفتح أبواب العيادات النفسية لها على مصراعيها حتى لا تجد تلك المجتمعات نفسها تقف في حيرة أمام تصنيف هوية كائن بشري.

العرب ليسوا من فئة الطماطم المهجنة ليتقبلوا تجارب التهجين وليس بوسعهم أن يتلاعبوا بالألفاظ أو يخففوا من حجم ظاهرة هي في الواقع تهديد للفطرة الإنسانية والمجتمع السوي ويغير من طبيعة العلاقات البشرية.

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ