صفعة للديمقراطية

شرطي جديد للعالم

رانية سليمان سلامة

 اختصر غلاف صحيفة (الإنديبيندانت) البريطانية مشاكل العالم في صورة، كان الجزء الأيسر منها يحتوي على أعلام كل دول العالم، أما الجزء الأيمن فكان فارغا إلا من دولتين (أمريكا وبريطانيا) وإسرائيل ثالثتهما.... سؤال صغير كان يقف فوق الصورة الكبيرة قائلاً (من يدعم قرار وقف إطلاق نار فوريا؟) والنتيجة الواضحة في الصورة تؤكد أن ميزان العدالة الدولي قد اختل وبحاجة لمن يصلحه.

ـ فدولة عظمى هي الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب إسرائيل وتجلس إلى جانبها بريطانيا التي كانت ذات يوم تدعي العظمة قبل أن تتحول إلى التبعية، قد كسر هذا الثلاثي ميزان العدالة لترجح كفته عنوة على الكفة التي تسكنها بقية دول العالم.

ـ ولم تكن الحقيقة المصورة ضربة للعدالة فحسب بل كانت كذلك صفعة للديمقراطية التي تتبنى التصويت مبدأ ينقلب على عقبيه مع تجدد المواقف الدكتاتورية التي تجعل القلة القوية تنفرد بحسم القرار ضاربة برأي الأكثرية عرض الحائط.

ـ والخلاصة أنت تريد وأنا أريد والقوى العظمى تفعل ماتريد، وعندما تنقلب الموازين لا عجب في أن يتحدث الظالم باسم العدالة وتتحدث الأحزاب باسم الأمة ونقف أمام مشهد غريب نستعرضه في قاعة الفنون السياسية الحديثة وقد نصاب بصداع نصفي قبل أن نفك طلاسمه المعقدة والمخيفة.

ـ لم تكن صورة صحيفة (الانديبيندانت) الأصعب استيعاباً فعلى هامشها المزيد من الصور المتفرقة التي بوسع هواة اللوحات السياسية جمعها لتركيب الصورة الكبيرة والاستمتاع بمشاهدة أحد أبشع مشاهد التاريخ البشري .

ـ فتلك لقطة تحذر فيها روسيا سوريا من استخدام الأسلحة التي اشترتها منها ضد اسرائيل، وهو تحذير يكشف عن أن روسيا كانت تزود سوريا بالأسلحة مفترضة أنها يجب أن تستخدمها ضد شعبها أو ربما ضد جاراتها من الدول العربية!!.... تلك لقطة لها امتداد تاريخي لايمكن أن نمحوه من ذاكرتنا فأسلحتنا أثبتت الحروب دوماً بعد فوات الأوان أنها إما فاسدة أو دفاعية لاتجدي في الهجوم أو شرعيتها محدودة للاستخدام في نزاعات لاتتجاوز حدود البيت العربي.... ويكتمل هذا الجانب من الصورة بعلمنا أنه ليس بوسع أي من دول المنطقة –عدا اسرائيل- صناعة السلاح أو تطويره.

ـ وعلى خلفية ذلك المشهد تضفي السيدة (رايس) بعض اللمسات الجمالية ببشرى (خلق شرق أوسط جديد)!! لم نفهم إن كانت هي ذاتها صورة (الشرق الأوسط الكبير) التي سبق رسمها في هواء التصريحات، ولم نتعرف على ملامح أي من الصورتين فأصبحت اللوحة أمامنا (سيريالية) قد يعجز (بيكاسو) عن فك طلاسمها لشدة السواد الذي اختار الفنان السياسي أن يحيطها به قبل أن تخرج للجمهور ويتم تعليقها على حائط العالم كأكبر لوحة أنجزتها ريشة فنان واحد لايؤمن بالمدرسة الواقعية.

ـ للعجب!! يفترض أننا كشعوب شرق أوسطية أبطال الصورة، غير أن الرسام يصر على أن لايتجاوز دورنا (الكومبارس) حيناً والمتفرجين أحيان أخرى على شرقنا الذي نسكن أوسطه وجوانبه ويجري تشويه ملامحه لتبرئة المغتصب من جريمته حتى يهنأ بالحياة حراً بينما نتبوأ مقاعدنا بين إطارات صورة جديدة لا ندري إن كنا سنبتسم فيها حقاً أو غصباً بأمر ريشة الفنان.

ـ السيدة (رايس) المتحدثة باسم (أتيلييه) رسم صور العالم الجديد أخبرتنا عن مشروع رسم لوحة الشرق الأوسط الجديد وهي امرأة حرة في عالم حر لها أن تصرح بما تشاء تماماً كما أشعر أنا بعد قراءة البيان الصادر عن وطني أنني امرأة مرفوعة الرأس بهذا الموقف الأقرب إلى الحكمة والمنطق والأكثر مراعاة للشرعية والإنسانية والأقوى تمسكاً بالحق.

ـ لقد عزز البيان السعودي الأخير وثبّت ثقة كادت تهتز في نفوسنا لنعود فندرك أننا ننشد السلام بغير عجز ولا ضعف وأننا نلتزم بالشرعية الدولية متى ماكانت موجودة ومؤطرة بالعدل وبأن السيدة (رايس) يحق لها أن تفصح عن آمالها كما يحق لنا أن نطالب في المقابل بشرطي جديد للعالم يتم انتخابه بناءً على قدرته على إصلاح ميزان العدالة وتحقيق السلام لنعيش في عالم جديد ينكس فيه رايات الحرب والطغيان ويفسح لنا مساحة للحياة بسلام، نازعاً كل الأسلحة التي خلفها سلفه هنا وهناك حتى يقف الجميع على قدم المساواة في ساحة العقل ويصبح عندها للحوار والتفاوض مكان يؤسس لحل المشاكل وفض النزاعات دونما خشية من البطش والطغيان.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ