ملامح الحياة في الصحراء المغربية

الصحراء حكايات تنسج بخيوط الشمس

المغرب - الكنتاوي لبكم

خاص- عربيات: سكان زرق عاهدوا شمس الصحراء على المحبة، تشبثوا بحبات الرمل الذهبية، وجعلوا منها أساور يتجملون بها في أعيادهم، زادهم تراث صحراوي يوغل في الذاكرة، ويجعل من تجلياته وشما يتوارثه كل جيل ضد التعرية التي تفرضها الحياة العصرية.


للمكان عبقه، وللأغنية سحرها المنبعث من الحناجر ودقات الطبول ورقصات تهرق فرح الجسد، كما للأنثى حضور لافت باعتبارها محور الحياة الصحراوية التي تشاء أن يكون المكان أسطورة والتراث إقامة يومية مع الأجداد تضيف إلى حياة أبناء يتطلعون إلى الغد دون إقصاء لمباهج الأمس.

 

 

الحكاية الشعبية الصحراوية

 

لاشك أن الحكاية وليدة التجمعات الإنسانية ولعل الصحراء مشاع خصب لتنامي الخيال وتوالد (الرواية) كما يصطلح المجتمع الحساني الصحراوي، والحكاية في الصحراء تجسيد للصراع القائم بين قوى الخير والشر حيث البطل يدخل في صراع مع كائنات تنتمي إلى عوالم غريبة كعالم الجن.

وبطل الرواية يحضر في الخيمة، ويتجسد في حيوانات لا تنفصل عن بيئة الصحراء (غزلان، أفاعي، ضباع، ذئاب)  كما قد يكون حيوانات خيالية أوحت بها بيئة الصحراء (نيروبوكرة، شرتات).

ويبقى الليل وقتا مناسبا لسرد الرواية إما لتسلية الأطفال حتى يناموا أو للتسامر بين الكبار بما تتطلبه الحكاية الحسانية من مهارة السرد والتمثل والتشخيص الصوتي والدقة في توصيل المغزى... و نجد الراوي  إما شيخا (شيباني) أو عجوزاً (كهلة)  لقدرتهما على السرد وحفظ متون الروايات معتمدين في ذلك على اللهجة الحسانية.

وتعرف حكاية (شرتات) انتشارا واسعا في ربوع الصحراء، إذ تذهب أغلب الروايات الشفوية أن شرتات كان بشريا يعيش في الصحراء متنقلا بن أطرافها، كما يتخذه البعض كناية على بعض الحيوانات كالذئب في خداعه، والأسد في تجبره، فيما تشير روايات أخرى إلى انه مسخ بين الإنسان والحيوان يصيب من يراه بالذهول.

 

 


مشاهد من مسرحية تجسد شخصية شرتات

 

أتاي أو الشاي الصحراوي

لا يجتمع صحراويان إلا و(أتاي) ثالثهما بما يمثله من رمز لحسن الضيافة والكرم، وتوطيد العلاقات الاجتماعية، وتلطيف أجواء المجالس، فـ(التياي) أي المعد للشاي غالبا ما يعد ثلاث أكواب (الجر والجمر والجماعة) تتخللها تجاذبات لأطراف الحديث.
ولا تستغرب إذا شاهدت من قدم لهم أتاي يرمون بالأكواب اتجاه معد الشاي تعبيرا عن رضاهم واستحسانهم.
كما أن للشاي الحلو المذاق حضور في الطب الشعبي في الصحراء باعتباره مسكنا لصداع الرأس خصوصا أتاي العصر(يشرب بعد صلاة العصر).

الدراعة وصنوتها الملحفة

 

 

 

 

الدراعة ثوب يلبسه الرجال وتكون مفتوحة من الجانبين(الأكمام)، وتتنوع حسب نسيجها فهناك: دراعة الشكة ودراعة بلمان ودراعة بازان... وتتخللها تطريزات متنوعة تضفي عليها مسحة من جمال وروعة الإتقان... ومادام الإنسان ابن بيئته فالدراعة ابنة بيئتها فهي تناسب المناخ الصحراوي خصوصا بعد تتويجها بلثام اسود يقي من الحر وأشعة الشمس اللاهبة.
أما الملحفة الزي النسائي البسيط الصنع يعتمد على تقنية التلوين بواسطة مستخلصات صباغية من بعض النباتات تجسد بشكل مذهل على فضاء الملحفة مستلهمة في تشكيلاتها الموروث الشعبي الخرافي، وما تذهب إليه المخيلة من مواضيع تشكيلية... هناك أنواع كثيرة من الملاحف فمنها: ملاحف كاز وملاحف الشكة وملاحف الغيرة... وتجدر الإشارة إلى أن تسميتها أصبحت تحين حسب الأحداث وطوارئ المجتمع، فمثلا أصبح المجتمع الصحراوي يعرف ملاحف الجزيرة تأثرا بالانتشار الكبير الذي حققته قناة الجزيرة في عالم الإعلام وهناك أيضا ملاحف بن لادن إلى غيرها من التسميات التي لا تخلو من طرافة ومن مسايرة الصحراوي لوقائع الحياة رغم قسوة الطبيعة.

شعر وموسيقى ورقص

 

 

رقصة الكدرة: الشعر الحساني أو (لغنى) مكون أساس في الثقافة الحسانية وله ارتباط وثيق بالذات الشاعرة بكل انفعالاتها ووعى هذا النحو نجد أن الشاعر الحساني متعلق بشغف بالمرأة مما يدفعه إى التغني بجمالها وحسن حديثها ولباقتها، وفي تغنيه يركز على الجانب المعنوي أكثر من تركيزه على الجانب الحسي لان المجتمع الحساني يحيط كيانه بكثير من العادات والتقاليد.

ويأتي شعر الفخر والحماسة في المرتبة الثانية، فالحسانيون كانوا قبائل متصارعة على الماء والكلأ والطرق التجارية فكان لابد لكل قبيلة من شاعر يتغنى بأمجادها ويبث الهلع في نفوس أعدائها.

لا يقتصر نظم الشعر على الرجال فقط، فللنساء حظوتهن في إبداعه لكن ذلك في أجواء تطبعها السرية بسبب الحشمة والرقابة، ويسمى الكلام الشعري الذي تدعه النساء بـ(التبراع ) وهي قصيدة صغيرة يعبرن بها عن مشاعرهن وتغزلهن بالرجال... وعموما لا تختلف أغراض الشعر الحساني عن مثيلاتها في الشعر العربي الفصيح، ولازالت القصيدة متوهجة في وجدان الصحراوي رغم حياة التمدن.

أما الموسيقى الحسانية فهي مرآة تعبيرية للإحساس النفسي والجمعي لمبدعها، فالغناء أو -الهول- بالتعبير الحساني يشكل نزعة تصوفية عند الحساني ويعتبر شرطا لإقامة الحفلات والأفراح الاجتماعية كالزفاف والولادة.

العازف أو (ايكيو) يتفانى في نغماته الموسيقية مستعينا بالات موسيقية تسمى (أزوان ) وفق نظام صوتي متناغم... ومن مميزات الموسيقى الحسانية ارتباطها بالشعر الحساني، فلا انفصال بين لغنى وأزوان، إنهما كل متجانس.

الرقص أو(الركيص) فن إيقاعي لدى الرجال أكثر حركية وأكثر التصاقا بالشباب ومن الركيص نذكر: (ركصة كيرة) التي يؤديها رجلان متقابلان يقتصران على تحريك الأرجل.

فيما يخص الرقص النسائي، نلاحظ أن المسنات يرقصن وهن يضعن اللحاف على وجوههن مكتفيات بحركات اليدين (التريتيم) على إيقاع موسيقى هادئة بعكس ركيص الفتيات الأكثر صخبا كرقصة(كمبة بي بي).

وتبقى رقصة (الكدرة) أشهر الفنون الإيقاعية لما تجمعه من أداء غنائي وحركي في عرض جماعي، وتختص هذه الرقصة بالنساء حيث ترقص امرأة واحدة وسط حلقة من الرجال (الكارة) يصفقون ويرددون الأهازيج تحميسا للراقصة.

طفولة صحراوية: لعبة السيك

تتنوع الألعاب الممارسة في الصحراء شكلا ومضمونا ووفق الفضاء الذي تمارس فيه وما تستدعيه خصوصية اللحظة التي تمارس فيها، فللجلسة الصحراوية طابع مرح تصاحبه ألعاب ترفيهية كـ(تامبيهيت) و(دبيليج) و(قاش) وغيرها من الألعاب المتعددة،إلا أن لعبة السيك أشهرها وتتشكل عناصرها من كومة رمال على هيئة ظهر دابة يمتد طولها على حوالي 60 سنتمترا تسمى (لبرا) وتقتضي سيكات لممارسة هذه اللعبة، بالإضافة إلى أدوات تشكل من الحجارة أو العيدان الصغيرة أو قطع من القصب يتحرك بها كل فريق على ظهر (لبرا) في اتجاه الفريق الخصم في محاولة لإخراج عناصره من دائرة التنافس، وتعتبر السيكات وهي 8 أعواد يتراوح طولها بين 30 و40 سنتمترات ذات وجه مقوس وملون وظهر أملس بلون واحد.

تنقسم (لبرا) إلى قسمين يمركز كل فريق قطعه عليها بشكل متوازي مع الفريق الآخر مشكلين متوازيين يتوسطهما خطان من النقط والحفر كمجال تحرك قطع السيك... وتعتمد لعبة السيك على قواعد لاتسمح بالتحرك لأي فرد من لاعب الفريقين على لبرا إلا إذا تمكن من إنجاز رمية تسقط فيها السيكات على وجه واحد قد يكون (الظهر) أو (الوجه)ليبتدئ التنقل بين الحفر على البرا في اتجاه الفريق الخصم وفقا لعدد النقط التي تسجل تبعا للوضع الذي تتخذه السيكات أثناء اللعب... ولعل المتأمل لشكل عناصر اللعبة وأدواتها سوف يلمح التلاقي الواضح بين اللعبة والمحيط الجغرافي مما يضفي عليها شعبية وقيمة اجتماعية.

العريس يصبح سلطانا

 

 

العرس في المجتمع الصحراوي ترافقه مجموعة من الطقوس المستمدة من الدين الإسلامي ومن العادات والتقاليد، فعندما تكتمل أنوثة الفتاة ويبلغ الفتى أشده ينشغل الأب والأم بأمر تزويجهما.

تبدأ الخطوبة بذهاب أم الفتى إلى أهل الفتاة، وبعد الموافقة تعيد الأسرة الزيارة في ظروف رسمية رفقة الأقارب محملين بذبيحة وأكياس السكر والأثواب والعطور، وهو ما يعبر عنه في الحسانية بـ(يوجبو الطفلة).

يحل موعد الزواج، يحضر أهل العريس على الجمال في موكب جماعي تحفه الزغاريد والأهازيج الشعبية يسمى (السلف) فيرفع أهل العروس ثوبا أبيضا تعبيرا عن الفرح وهو طقس يتخلله تجاذب الثوب الأبيض بين أهل العروس وأهل العريس.

وبعد عقد القرآن حسب المذهب المالكي تبنى خيمة العرس( خيمة الرك) بعيدا عن الخيام حيث ينشد (إكاون) أغاني صحراوية ابتهاجا بالعرس، وقبل دخول العريس خيمة (الرك) يطوف بها ثلاث مرات وهو في أبهى الثياب لأنه أصبح سلطانا تتوجه الزغاريد.

وبعد انتهاء الحفل بساعات يدفع العريس السلطان برفيقه( الوزير) إلى إحضار العروس التي تجابهه رفيقاتها بمقاومة شديدة تعبيرا عن تعلقهن بها.

تأتي العروس وقد زينت، وظفر شعرها ولبست(البيص) وهو ثوب ابيض وأخر أسود لتجلس قرب عريسها دون أن تكشف عن وجهها... خلال الليلة الثانية وهي ليلة (الدخول) تزين العروس بالحناء ويتم إعدادها نفسيا من طرف صديقاتها المتزوجات، لتعود مرة ثانية إلى خيمة (الرك) في موكب بهيج.

تستمر الاحتفالات بالعرس الصحراوي سبعة أيام بالنسبة للبكر، وثلاثة أيام للثيب، ويوما واحدا لمن سبق لهما الزواج... ومما لاشك فيه أن العرس الصحراوي لا يخلو هو الآخر من أجواء الدعابة ففي ليالي الترواغ (الليلة الثانية والخامسة) تختفي العروس ويلزم العريس وأصحابه أن يعثروا عليها، وذلك لإثارة غيرة العريس واختبار مدى تعلقه بعروسه... أما الليلة الأخيرة فتسمى (أحشلاف) وتعني النهاية، وفيها تبيت العروس إلى جانب زوجها.

موهبة الصحراوي متعة للعين

 

 


الحرفي الصحراوي لم يقف مكتوف الأيدي بل تجاوز كل المعيقات ليسهل معيشته، وليقول: هاأنا احتفي بالجمال وأتجاوز الحاجة إلى وضع أسس إبداعية ستتوارثها الأجيال... أول ما يثيرك في المجتمع الصحراوي من مصنوعات قدرة صانعها على تحويل الجلد إلى تحف، وسنحاول هنا أن نرصد بعضها:
- اصرامي: وسائد جلدية.
- أمصر: كيس جلدي صغير توضع فيه زينة المرأة من حلي وحناء.
- تاسوفرا: كيس كبير تحفظ فيه الأنثى ملابسها.

وفيما يخص زينة المرأة الصحراوية التي تحظى بمكانة متميزة داخل المجتمع الصحراوي فهناك الكثير منها:
- أمزدح: مصنوع من الجلد ومحلى بالخرز تضعه المرأة على شعرها.
- الفشة: مصنوعة من الجلد ومحلاة بالخرز تعصب بها العروس جبهتها.
- لكرك: نعل الأنثى .

كما أن يد الحرفي الصحراوي طوعت الخشب وجعلت منه مساعداً مهماً في تدبير أمور الحياة اليومية خصوصا على مستوى الطبخ فحول الخشب بقدرة موهوب إلى (كصعة) لتهيئ (الكسكس) وعجن الخبز، وصنعت (الكدحة) وهي إناء لشرب حليب الإبل، وهيأ الخشب ليكون (أمشقب) وهو بمثابة هودج لكن تختص به النساء فقط، كذلك الشأن بالنسبة للراحلة.

وللفضة حضورها البراق في زينة الصحراوية، تتهادى إلى أسماعك رنات الخلاخل الفضية لتموسق مشية الصحراوية وكلما رفعت يدها لمحت دملجا يسمى (غاني راسو)، وفي الأذن أخراص مزينة بالعقيق.

في الصحراء دواء لكل داء

يتعلق الصحراوي ببيدائه في السراء والضراء، ويعتبر الكثير من نباتاتها علاجا لأمراضه انطلاقاً من تراكم خبرته وبحثه الحثيث عن سبل علاجية تزيد تعلقه بالمكان... ومرض(أكندي) هو أشهر الأمراض عند الصحراويين تصاحبه حمى ودوار وثقل السمع وهو عادة يحدث نتيجة الإفراط في أكل مواد مملحة أو حامضة، أو أطعمة لا تتلاءم مع المعدة، فهذا المرض عادة ما يعالج بتناول نبتة (تجماخت) البرتقالية اللون وتجلب من موريتانيا.

ومن الأمراض المنتشرة في الصحراء نوجز بعضها:
- أوراغ: يسببه الإكثار من تناول الأكلات الحلوة.
- لمحور: وهي حرقة تصيب الحنجرة.
- وجيع الكاشوش: الزكام.
- الشكيكة: صداع يصيب الرأس.
- أمخسور: وهو مرض خطير يصيب المرأة الحامل.
- الجلالة: مرض يصيب العيون.

يبقى فقط أن نشير إلى أن جوانب الحياة في الصحراء متعددة لا تحصرها الكلمات ولا الصور ولا الحنين أيضا، تبقى متعة العين و كرم الضيافة والتوق إلى الاستمرار في الحياة رغم قساوة الطبيعة سبل الكائن الصحراوي إلى التجدد والمحافظة على الحبل السري الذي يجمعه بتراثه، وما تمنحه له الطبيعة التي آنسته وفجرت طاقاته الإبداعية.