أدباء ومثقفون ونقاد لـ عربيات

مثقفات الخليج تجاوزن الذاتية، ويواجهن المعوقات الاجتماعية بعقلانية

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

تشهد الساحة الخليجية وجوداً متنامياً لإسهامات المرأة المثقفة والعاملة على كافة المستويات؛ فهي حاضرة بقوة كاقتصادية وسيدة أعمال وباحثة علمية، وهي أيضاً حاضرة لدى أوساط العمل السياسي كحزبية ناشطة وبرلمانية مدركة لطبيعة التحديات المحلية والإقليمية والدولية، وقريباً من كل هذا تبقى المثقفة الخليجية كشاعرة وقاصة وروائية وناقدة، حاضرة بقوة لدى مفردات المشهد الثقافي الخليجي، وخاصة فيما يتعلق بنشاطها الهادف إلى بلورة وجودها النوعي والإنساني وإلى إثبات قدرتها على التحدي العقلي والفكري، ورغم أنها حتى الآن لم تستطع تجاوز الذكورية العربية المهيمنة، إلا أنها غير مستسلمة، وتحقق طفرات غير مسبوقة في التفوق على منافسها التقليدي. حول مستقبل التحديات القائمة ومدى قدرة المرأة الخليجية على مواصلة مشوارها الإبداعي في قيادة الحراك الثقافي في منطقة الخليج استضافت عربيات عدد من المثقفين والمثقفات لقراءة المشهد. 

 الدكتور زيد الفضيل: مشاركة الأديبات والمثقفات تحرك المياه الراكدة

من جهته صرّح المفكر والأكاديمي السعودي الدكتور زيد بن علي الفضيل لعربيات قائلاً: "أي متابع لتطور الحراك الثقافي في الخليج يسجل بإعجاب وتقدير حجم ونوعية مشاركة المرأة فيه، فقد بات المشهد الثقافي الخليجي  يعج بالكثير من الأديبات على الصعيد القصصي والروائي، وعلى صعيد الشعر، ناهيك عن البروز في النقد ومجالاته، علاوة على مجالات الفن البصري من فنون تشكيلية وتصوير ضوئي ونحت وغيرها من الفنون، وحالياً تبرز أسماء لامعة كرائدات في العمل الثقافي، كالتشكيلية صفية بنت زقر والشاعرة ثريا قابل، وغيرهن العديد من المبدعات في مختلف مجالات الأدب والمعرفة على الصعيد الخليجي والجزيرة العربية ككل". 

وعن انعكاس الإنترنت على المنجز الإبداعي للمرأة الخليجية، يقول: "الأمر لا يقتصر على المرأة وحسب، فالعمل الأدبي واحد من حيث الإبداع وجماليات الحرف والشكل، وبالتالي يصعب تخصيص المرأة بأي ملمح تأثيري إيجابا أو سلبا دون غيرها، لكن الأديبة والمثقفة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على شبكات التواصل الاجتماعي ولو بشكل غير مباشر، إذ تحرك المياه الراكدة، وتدب الحياة في كنف كل محيط تحل فيه، وهو ما ينعكس إجمالا بشكل إيجابي على وتيرة الحراك الثقافي الافتراضي إن جاز القول". 

الدكتورة رزان إبراهيم: ضعف في المنحى اللغوي والمهارات السردية

رزان ابراهيمومن جانبها أشارت الأكاديمية وأستاذة النقد الأدبي الحديث بجامعة البتراء الأردنية، الدكتورة رزان إبراهيم إلى بعض الإشكاليات والمعوقات التي تؤثر في ملامح الرواية النسوية في الخليج قائلة: "الروائية الخليجية يغلب على أسلوبها منحى وظيفي يودي أحياناً بالمنحى الفني الجمالي. فقد لمست ضعفا بارزاً في المنحى اللغوي وفي التقنيات السردية الفنية. ومن غير المقبول بطبيعة الحال رد هذا القصور إلى مقولات بيولوجية، وإنما هي صنيعة بيئة خاصة بالمرأة الخليجية. أو صنيعة سياقات ثقافية حالت دون اللحاق بتراكمات معرفية أصيلة في المشروع الروائي. وهو ما أكده عرض تاريخي لأحد دارسي الرواية النسوية في الخليج رأى أن عددا ليس بالقليل ممن كتب الرواية هن نساء دون العشرين من عمرهن. وهو ما كانت له تداعياته الخطيرة من حيث القصور الفني واللغوي.
 
وتضيف قائلة: "ما نلاحظه في الرواية الخليجية النسوية هو اتكاء واضح على التجربة الذاتية واستدعاء الحدث عبر فعل التذكر، ليركن النص في النهاية إلى التعبير عن ذات متشظية تحاكم وتتأمل وتعطف وتجرم. ولابد أن يأخذ بعين الاعتبار تأخر ظهور الروائيات في الخليج على الساحة قياساً إلى غيرهن في الوطن العربي, وهو أمر له أبعاده الاجتماعية المعروفة عن دول الخليج العربي. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن هذا سمت يجري على تجارب كل نساء الخليج الروائية، إذ هناك حالات تستحق الاهتمام، خصوصاً أن عملية انتشار التعليم في العقود الأخيرة على مستويات متعددة أدت إلى ملاحظة طفرة كتابية نسوية على مستوى الكم والنوع، وحتى على مستوى الموضوعات التي تكتب فيها. علما أني أرى في بعض الأسماء الخليجية النسوية ما يعد بإضافات فنية فارقة تضاف إلى منظومة الكتابة الإبداعية النسوية في العالم العربي".

الكاتبة هالة القحطاني: الإعلام يسلط الضوء على قضايا المرأة ولايبرز نقاط قوتها

هالة القحطانيأما صاحبة "قفص العصافير" القاصة والكاتبة السعودية هالة القحطاني، فتقول: "في هذه الفترة من الزمن برز نشاط المرأة الخليجية ككاتبة وأديبة وروائية وقاصة، حيث أسهمت أعمالها المتنوعة بشكل كبير حين كشفت عن مهارات سردية مميزة في الأدب والفكر ساهم في إثراء الثقافة العربية بشكل عام، ولم يقتصر نشاطها على الخليج فقط، الحقيقة ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تعريف العالم العربي وربما الغربي أيضاً على مثقفات الخليج، حيث لم تبرزهن وسائل الإعلام بالطريقة المناسبة، بل سلطت الضوء على قضايا المرأة والسلبيات حولها دون أن تعطيها حقها في إبراز نقاط القوة والتمكن سواء كان في فكر المرأة الخليجية أو عملها". 

 

 

الدكتورة ملحة عبدالله: الإبداع يفرض نفسه وغياب الناقد يؤثر على الكاتب

وحول المثقفات الخليجيات وما يواجههن من تحديات، قالت الدكتورة ملحة عبدالله عميدة المسرح السعودي: "لدينا كاتبات حصلن على جوائز دولية ومحلية، ولدينا شاعرات وفنانات تشكيليات، إلا أنهن لم يفرضن أقلامهن على المواقع الثقافية بسبب غياب النقد والناقد المتخصص، وسيطرة المتثاقفين ـ وليس المثقفين ـ بالإضافة لقصور سببه المحسوبية وسيطرة المال، ناهيك عن قصور التعليم الأكاديمي". 

ونفت وجود هيمنة ذكورية على الساحة بقولها: "الإبداع يفرض نفسه، وأنا شخصياً لم أعاني من أي مما يروج له البعض بالرغم من ابتعادي عن الوطن، فقد كتبت ما يزيد عن 70 مؤلفا ومن بينها موسوعتين ونظرية أدبية، وحائزة على المركز الأول دوليا في التأليف المسرحي وكتبت ما يقرب من 600 مقالا وعدداً محدوداً من الحوارات ، فإن كان ذلك لا يرفع الراية فلكم حرية الحكم ". 

 

 

الروائي فؤاد قنديل: المرأة الخليجية اقتحمت الساحة بالتدريج وبجسارة

فؤاد قنديلمن جانبه صرّح الكاتب والروائي المصري الكبير فؤاد قنديل لـ عربيات قائلاًً: "من الإنصاف القول إن المرأة الخليجية نزلت إلى الحياة العملية بالتدريج ولكن بجسارة منذ ما يزيد على عشر سنوات، وشاركت في معظم الفعاليات العلمية والإدارية والتنموية والأدبية والفنية، وقد لمست في عدة مناسبات امتلاكها للرؤى التي تتناسب مع المجال المنوط بها وقدرتها على الدفع بآليات العمل نحو التطوير والتأثير، بحيث تمكنت هذه المرأة أن تقدم ذاتها في صورة ناصعة ومشرقة دون أن تقع في سلبيات تشوه دوره ؛ إذ أبانت عن ملكات ونضج في التنظيم والإدارة والقيادة والحوار المنهجي ودقة بلوغ النتائج الإيجابية، ومن الإنصاف أيضا ألا ننكر على القيادات الذكورية بعض الفضل فيما قطعته المرأة من خطوات وما أحرزته من نتائج وضعتها في مواقع متقدمة على الساحة العربية. وقد لمست بشكل مباشر قدرات المرأة الخليجية في إبداع نصوص قصصية مميزة وكذلك في الأداء الصحفي والفني وتنظيم الندوات والمعارض والمهرجانات، ولا أبالغ إذا قلت إن المستقبل ينتظرها بشغف لتضيف للحراك الثقافي العربي نقلة نوعية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن هنا تبدو الروح المتطلعة للعمل والنهم الثقافي والثقة بالنفس وقبول التحدي، مع تمكن الموهبة من العوامل الرئيسة التي أسهمت وستسهم مستقبلاً في دفع المرأة الخليجية لقطع هذا المشوار الجدير بكل تقدير واحترام". 

 

الدكتورة رشا غانم: الكاتبة الخليجية تجاوزت مراحل الغرق في القضايا الذاتية

وفيما يتعلق بالوجهة الجماهيرية لدى مثقفات الخليج، وما يرتبط بذلك من فعاليات ومنتديات شعرية وروائية وأدبية وأساليب طرح، قالت أستاذة الأدب العربي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الباحثة والناقدة الدكتورة رشا غانم في حديثها لمجلة عربيات: "المرأة في شتى أرجاء الوطن العربي عربية حتى النخاح، وأنا من موقعي كناقدة أكاديمية أدرس إبداع الشاعرات والكاتبات العربيات وخاصة الخليجيات، وأجد أنهن يتفاعلن ثقافياً في كثير من المؤتمرات الدولية، ولهن حراك ثقافي ملحوظ، ولم أجدهن صامتات أمام الأحداث الجارية، ولكنهن عبّرن في كتاباتهن عن هموم الأمة، كما أنهن لسن تقليديات مهتمات بقضايا عامة أو رومانسية أو مشغولات بمحور ذاتهن فقط، ولا واقعيات تكرس كتاباتهن نموذجا نقديا لسلبيات مجتمعهن، بل إنهن حداثيات تجاوزن هذه المراحل، وعايشن مرحلة الاغتراب المعاصرة، ومعاينة الأسئلة والهواجس الكبرى التي تؤرقهن وتشعرهن بالاغتراب عن الذات، والآخر، والاغتراب عن المكان، فنجد لهن القدرة على التعبير عن خصوصية هذه التجارب الإبداعية وعلاقتها الواعية بالوطن". 

 

 

الدكتورة سناء الشعلان: وظفت موهبتها لإصلاح مجتمعها

سناء الشعلانوعلى صعيد تحليلي آخر عن مبدعات الخليج، تقول الأديبة والروائية الأردنية الدكتورة سناء الشعلان: "المبدعة الخليجيّة استطاعت أن تحقّق مكانها المأمول والطّبيعي في مسيرة ثقافة شعبها وأمّتها، وهي لم تحقق ذلك بسهولة، بل امتلكت من الموهبة والجرأة والرّؤية والصّلابة ما يعينها على ذلك، فقد اختارت أن تجعل موهبتها طريقتها لإصلاح مجتمعها دون مجاملة في قضاياها ورؤاها وقناعاتها، ولذلك قدّمت إبداعات جادّة وجريئة وصمدت أمام الانتقادات الزاعمة أنّها تجرّأت على مجتمعها". 


وتضيف الشعلان قائلة: "المبدعة الخليجيّة تملكت أدوات إبداعها عبر الدّراسة والخبرة والتّخصّص، فهي ليست مبدعة فطريّة وحسب، بل مبدعة مثقّفة ومتعلّمة ومتخصّصة تدرك أدواتها وغاياتها وتعرف رسالتها، وفي الوقت ذاته هي مصمّمة على أن تعبّر عن ذاتها بكلّ صدق ووضوح وجرأة. إنّها مبدعة لا يُدّجنها المجتمع، ولا تستلبها قواه الضّاغطة".

 

التشكيلية زهرة زيراوي: مبدعة الخليج قادمة بحمولتها التاريخية

ومن بروكسل، صرّحت الأديبة المغربية والفنانة التشكيلية زهرة زيراوي لمجلة عربيات قائلة: "دور المرأة الخليجية الآن ما هو إلا حنين و إصرار على استرجاع تلك القوة الفكرية التي كانت في عصور نظيراتها المبدعات أمثال سكينة بنت الحسين و دنانير البرمكية وولادة بنت المستكفي، فهذا زادها و تلك  حمولتها التاريخية. ومبدعة الخليج  قادمة من ذلك الماضي. لذا لا عجب أن نراها فاعلة في حراك ثقافي متميز، سبق وأن أشار إليه الدكتور علي راشد النعيمي معتبراً إياه طفرة كبيرة، إدارة وتأليفاً ونقداً وقراءة. وهو حراك يؤكد عمق التنمية الذي حققته دول الخليج في مجال حقوق المرأة، فما نراه من غلبة العنصر النسائي على الكثير من اللقاءات والفعاليات الأدبية والثقافية، إشارة واضحة إلى التحول الخليجي الكبير في الأدوار المتاحة أمام المرأة ثقافة وإبداعاً ومشاركة". 


وأثنت زيراوي على جائزة الشيخة شمسة بنت سهيل المخصصة للمبدعات بالخليج ، مؤكدة أنها دليل واعتراف كبير بدور المرأة الخليجية كلاعب أساسي في التنمية، وهو ما ينم عن ثقافة فكرية وخلقية عالية، تجعل من المرأة صنوا حقيقيا للرجل في كثير من المجالات، وشريكة له تشاطره الحقوق، وسط ذلك البحث الدائب عن الثروات الفكرية الروحية التي هي قدرهما المشترك.

 

الكاتبة إلهام بكر: تسابق الزمن في إثبات ذاتها والنهوض بمجتمعها

إلهام بكروأبدت الكاتبة والشاعرة السعودية إلهام بكر فخرها واعتزازها بامرأة الخليج قائلة: "بلا شك المرأة نصف المجتمع إن لم تكن المجتمع ذاته، والمرأة الخليجية صانعة الأجيال قبل التعليم، وبعد أن تعلمت أصبحت تسابق الزمن في إثبات ذاتها وقدرتها على التفوق والنهوض بالمجتمع على المستوى الثقافي والعلمي، وهانحن الآن نرى الوزيرة والمحامية لتكون مبعث فخر واعتزاز للخليج أمام دول العالم". 

 

 

 

الكاتبة نبيلة محجوب: تواجه المعوقات الاجتماعية بتروي وعقلانية

نبيلة محجوبوفي الختام، فجرت الروائية والكاتبة السعودية نبيلة محجوب عدة إشكاليات ومعوقات قائلة: "في الكويت والبحرين والإمارات استطاعت المرأة الخليجية المشاركة الفاعلة في مختلف الأنشطة الثقافية، وأثبتت أنها لا تختلف عن أخيها المثقف، ولم تقصها الثقافة المجتمعية والفكر المتطرف عن التواجد في المنتديات والمؤتمرات  أومعارض الكتاب، لكن في قطر وعمان والسعودية، لا زالت مشاركة المرأة ضعيفة، ليس لأن المرأة – وأنا أتحدث هنا عن المثقفة السعودية تحديدا – غير مؤهلة للمشاركة، بل لأنها تعاني معوقات اجتماعية، وسيطرة تيار متطرف يحاول وضع العراقيل لإقصائها، مثل وضع الحواجز في قاعات المناسبات الثقافية، وحجز منصات توقيع الكتب في قسم الأطفال، وهذا يعني منع دخول المتسوقين والمثقفين إلى تلك الاحتفاليات المهمة بالنسبة للمثقفة السعودية التي تحتفي بتوقيع كتابها، مما يؤثر عليها سلبا ويؤثر على مبيعات كتابها، والصالونات الثقافية للرجال فقط، كل هذا أجهض جهود الدولة لتعزيز مشاركة المثقفة في الحراك الثقافي، مع أن خادم الحرمين الشريفين يستقبل النساء ويعزز مشاركتهن وكذلك إعطائهن الحقوق السياسية، فأصدر قرار تعيين 30 سيدة في مجلس الشورى، وسمح للمرأة بحق الانتخاب والترشح في المجالس البلدية، كذلك صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبد العزيز دعى المثقفات وسيدات المجتمع في الاحتفالية التي أقامتها امارة منطقة مكة المكرمة للتعارف والسلام عليه وأفسح لهن مكانا في نفس القاعة وذات المجلس، تحاور معهن، واستمع إلى حديثهن وسط كوكبة من المثقفين ورجال الأعمال، هذا يعني أن الدولة في مستواها الأعلى تؤمن بالمثقفة السعودية وتعزز دورها، ولا تشعر المثقفة السعودية والمرأة بشكل خاص أن الدولة هي التي تعيقها عن أداء دورها، بل تعرف خصمها جيدا وتكافح بتروي وعقلانية للتغلب عليه فكرياً".