مطالباً المبدعين بتجديد أدواتهم الفنية وتطلعاتهم الإنسانية

الناقد صلاح فضل: يلزم من يرعى جائزة أن لا يسبب إحباطاً للمبدعين

الطائف: سلطان المنصوري
صور وفيديو

تدهشك كمية الحفاوة التي يجدها هذا الناقد في أي محفل ثقافي يحضره، يلتف حوله كبار الشعراء والنقاد من أساتذة الجامعات في الدول العربية فتجدهم يشاركونه تفاصيلهم الصغيرة في الذاكرة عندما كانوا طلاباً له في قاعات الجامعة.


هو رمز نقدي عربي قرر أن يخرج من نطاق المحلية المصرية إلى العربية بامتدادات متعددة إلى تجارب غربية ليطل على الثقافات المتعددة ويربط الملامح المتشابهة والمتنافرة فيصنع له تجربة شخصية ذات تأثير واسع.


الناقد العربي الدكتور صلاح فضل - رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبي- استضافته عربيات في حوار جريء جعل فضل يعتقد بأن نشر الحوار تحدٍ إعلامي لقوة حديثه، ولم يخفِ امتعاضه من الإعلام السعودي الذي يفرط في وجود المثقف العربي ولا يتفاعل معه بل يكتفي بتغطية جلسات معينة دون البحث في معالم المثقف وتفاصيل فكره ومشاريعه وتجاربه، فإلى الحوار:

في ندوات متعددة، وأوراق مختلفة كان لمفردة الحرية جزء كبير، فـأتت على أنها قضية وأتت على أنها هاجس، ما هي معالم الحرية التي يسألها الكاتب والناقد؟
أنا أشرت بأن هذا المسار في الحرية النقدية يعود لينتقي من المنظومة الإيديولوجية التي كانت مسيطرة على النقد العربي في منتصف القرن الماضي والستينيات ثم جاءت بعد ذلك التيارات البنيوية وما بعدها للتركيز على الجوانب الجمالية والنصية، لكن كان النقاد دائماً وهم يمارسون تحليل التقنيات الفنية في الشعر وفي الرواية وغير ذلك يفتقدون إمكانية أن يدمجوا في هذه المنظومة التقنية شيء يرتبط بوظيفة الفن والأدب في أن يكون رافعة حضارية للمجتمع الذي يتوجه إليه.
ومن خلال تطور تجربتي النقدية استطعت ابتداء من عقد التسعينيات حتى اليوم أن أجد هذه المنافذ التي تربط بين الجوانب الجمالية من ناحية والجوانب التقنية من ناحية أخرى.
وعندما تمثلت أنا الحرية وترجمتها وجدتها تتعلق بكل أفق من الأفاق الإنسانية, الحرية مثلاً في الفكر السياسي تترجم إلى الديمقراطية وتداول السلطة, الحرية في الفكر الاقتصادي تترجم إلى الفكر الاقتصادي الانفتاحي الرأسمالي الذي يُراعى بعد العدالة، ولا يؤدي إلى التوحش الرأسمالي وتضخيم الفوارق بين الطبقات, الحرية في الثقافة على عمومها تعني الانفتاح أيضا لتماثل الثقافات الأخرى وعلى التهجين والتخصيب وعدم الانغلاق, لأن الانغلاق يؤدي إلى الذبول ويؤدي إلى العنصرية والى الانكماش لكن الأفق في الحرية الذي أعنيه فيما يتصل بمجال الأدب وفنونه على وجه التحديد, هو أنه يتعين على المبدع أن يمتلك طاقته لكي يجدد في أدواته الفنية ويجدد من آفاق تطلعاته الإنسانية حيث تتحول الحرية إلى قيمة جمالية، وهذه هي النقطة المحورية التي ركزت عليها وأصدرت كتابا بعنوان "جماليات الحرية في الشعر" فبحثت عن سرين من أسرار كبار الشعراء العالمين والعرب على وجه التحديد في أنهم عندما جددوا شاعريتهم كانوا يستشرفون آفاق حضارية يقودون إليها مجتمعاتهم، وأن مجتمعنا العربي بثرائه وتعداداته وإمكانياته العظيمة, طاقته وكنوزه الروحية وكنوزه المادية لكي يستطيع أن ينافس عالمياً ولكي يستطيع أن يتجاوز المراحل التي هو غارق فيها الآن, لا بد له أن يتمثل الحرية باعتبارها القيمة العليا التي تحجب التطور الحضاري المعاصر, يكفي مثلاً أن نتذكر أن دولاً عظمى مثل الاتحاد السوفيتي كانت لا تنقصها القوة العسكرية الضخمة بآلة منافسة, ولا تنقصها القوة العلمية التي كانت قد سبقت الغرب كلهم في اجتياز الفضاء والوصول إلى القمر, ولا تنقصها قوة الاقتصاد, والاقتصاد الاشتراكي كان من أقوى الاقتصاد في العالم ولكن كان ينقصها سر التقدم الحضاري وهو الحرية, وانهيار الاتحاد السوفيتي ليس بمؤامرة من الغرب ولكن لأنه كان يفتقد صلب وقوام ورافعة التقدم الحضاري وهو الحرية, الفنون السوفيتية نفسها كان لا يزدهر منها ولا يصبح عالمياً إلا إبداعات المنشقين, هؤلاء المنشقين لأنهم كانوا يستشرفون هذه الحرية فاستطاعوا أن يكونوا إنسانيين, إذن، إشباع الحاجات المادية للإنسان وتغطية المجتمعات بالرخاء كل ذلك لا يغني عن الحرية في مستوىاتها المتعددة لأننا نعمل بالنقد ونعمل بالأدب والذي يعنينا منها هو المستوى الجمالي.


القارئ من يقيد حرية المبدع

 بعد أن يعرض الكاتب والناقد تجربته على المتلقي، كيف يشعر؟ هل يشعر أن هناك سقف يجب أن يتجاوزه ؟
مسألة السقف مسألة نسبية جداً, ومن خبرتي في ممارسة الأدب والنقد في الوطن العربي بأكمله لأني لم أحصر نفسي على الإطلاق في النطاق المصري, وإنما حاولت أن أسهم بأكبر قدر أستطيعه في المجال العربي وحتى خارج الوطن العربي, أتصور أن النموذج الذي نتمثله مباشرة بحواسنا هو نموذج السماء, وإذا توقفنا في الفضاء لوجدنا بأن السماء محدودة وعلى مد البصر تنطبق على الأرض, لكننا لا يمكن لنا في سيرنا أن نصل إلى النقطة التي تنطبق فيها السماء على الأرض, كلما سرنا كلما امتد هذا الأفق فإذا كان نقطة السماء عندما تنطبق على الأرض هذه هي حدود الحرية, نحن نتوهم الحرية، نحن نتوهم للحرية حدود بينما كلما اجتزنا مساحة اكشفنا مساحات أخرى, هذا ما يمكن أن نطبقه على الأدب , مثلا : حرية المبدع في اكتشاف أشكال جديدة, لا يمكن أن نقول بأن هذا الشكل هو نهاية العالم وهو الذي يحد حرية المبدعين ولا ينبغي على المبدع بعد ذلك أن يمتد إلى استشراف أفق جديد لهذه الحرية في ابتكار أشكال لأن الإبداع ليس له حد ولكن يشترط أمر واحد وهو أن حرية المبدعين هي حرية فردية لكن المتلقين جماعة و الفرد قد يشتط في تجاوزه لما تطيقه جماعة, فإذن الذي يقيد حرية المبدع هو قارئه, عندما تمارس حريتك فيستمتع قرائك فأنت مازلت في منطقة الأمن, لكن إن مارست حريتك وترتب عليها أن جرحت إحساس قراءك أو اعتديت على مقدساتهم أو انتهكت سماءهم فلابد أن تراجع نفسك لأنك لا تملك حرية مطلقة وإنما حرية نسبية مشروطة بقدرتك على تحرير قراءاتك, بمعنى أن كل المبدعين الكبار يلعبون دوراً عظيماً في توسيع دائرة الحرية لدى قرائهم وأنهم يملكون المهارة والدهاء والذكاء الذي يجعل قراءهم يتقبلون بأريحية وطواعية واستماع الجديد عليهم, وإذا لم يكن يملكون هذه المهارة في تحرير قراءهم فهم عاجزون فسيعاقبهم قراءهم أشد عقوبة وهي أن يديروا لهم صدورهم, بمعنى أن ما يحد سقف الحرية عند المبدع هو تفاعل جمهوره معه.

نمو سوق عكاظ بطيء، وتطلعي له عربي لا سعودي

نعود إلى مفردة التجديد، سوق عكاظ بعد أن ظهر من الرماد, أو انتفض من الرماد كطائر الفينيق وعاد مجدداً, كيف تقرؤون ملامحه وتفاصيله في العام الخامس له ؟
لو تسمح لي بقدر من الصراحة في ذلك، أعتقد أنني كنت مبهور بالفكرة منذ أن سمعت عنها ولم يقدر لي بالمشاركة فيها وكنت حفياً بها جداً ولذلك سعدت بالمشاركة فيها, ولكن بعد خمس دورات أجده بطيء جداً فيما ينبغي أن يأخذ به نفسه من نمو وتطور فهو مازال ينظر إليه باعتباره حدثاً محلياً في المملكة العربية السعودية يطل عليه بعض الضيوف من الوطن العربي.
أنا أتصور أنه لا بد أن يكون عربياً بامتياز وليس سعودياً, تعريب السوق بمعنى جعل منطلقاته تخضع للمنطق العربي بأكمله تخرج من المحلية إلى أن تكون ممثلة للوطن العربي بخطوة مازال من الضروري إتمامها هذا الأمر الأول, والأمر الثاني توسيع دائرة التجارة به تحمل خطورة شديدة على مستقبل السوق في أن يتحول إلى سوق تجاري بحت وأرى من الضرورة أن يحتفظ له بطابعه الثقافي.


سوق عكاظ كانت له جوانب تجارية واقتصادية كبرى ولم يكن ثقافياً بحت؟
لا يا سيدي العالم القديم يختلف عن العالم الحديث و التجارة التي أستسيغها في سوق عكاظ في القرن الحادي والعشرون هي التجارة الثقافية التي لا تقتصر على كتب فقط وإنما على أدوات المعرفة الجديدة ما يتصل مثلاً بالكمبيوتر، فكل الأدوات يمكن أن تدخل في التجارة, تجارة الفنون التشكيلية هذه ثقافة, تجارة السينما, تجارة الفيديو والكمبيوتر هذه ثقافة كل أنواع التجارة التي تصب لهدف ثقافي .
إنما أرى في تجارة أحذية أو تجارة ملابس في سوق عكاظ تشويه للسوق، وهذا مضاد لروح الفن والجمال والشعر ولا بد أن يكون سوق عكاظ قاصراً على الأفق الجمالي الذي يرتبط مع الفنون الثقافية.


البعد العلمي في سوق عكاظ جوهري، والبعد التجاري سيدمر السوق

 

ماذا يعني إضافة الجوائز العلمية والابتكار و النانو تكنولوجي في المجالات العلمية البحتة ؟
يا سيدي هناك جزء أساسي في الثقافة المعاصرة والمجال العلمي هو صلب بل هو الأساس. وكانت الفلسفة في العصور القديمة هي أم العلوم ولئن صار العلم هو أبو العلوم الإنسانية صار النقد العربي الذي أمثله يطمح لأن يكون علماً, ويطمح لأن يستفيد من أبحاث الذكاء من كيفية تشكيل الذاكرة وكيفية الاستدعاء في الذاكرة, فالعلوم بعد أساسي في الثقافة الإنسانية والاهتمام بالجوانب العلمية اهتمام ضروري ستظل الثقافة العربية متخلفة وغير إنسانية وغير قادرة أن تضيف للمجال الحضاري الإنساني عطائها الخاص ما دام لا تدخل مرحلة التنافس العلمي، فإدخال البعد العلمي في سوق عكاظ جوهري، وأعتقد أنه خطوة بالغة الأهمية لكن إدخال البعد التجاري البحت سيدمر سوق عكاظ .


الحجب سياسة فاشلة وتولد الإحباط


لكم مشاركات في المسابقات العربية الشعرية منها أمير الشعراء، هناك من يطالب في الإعلام بأن تكون جائزة شاعر عكاظ بناء على مسابقة مشابهه إلى حد قريب بأبعاد وتفاصيل مختلفة من هذه البرامج التلفزيونية, ما رأيكم بهذا الأمر ؟
لا يحسن استنساخ مسابقة في شكل مسابقة بمجال آخر، فكل مسابقة تأخذ شكلها الخاص بها ولا يجوز التقليد في هذا الأمر, مسابقة أمير الشعراء انطلقت لاكتشاف الشعراء الشباب، ولتعبئة الجمهور التلفزيوني لكي يكون مستعد لتقبل ثقافة شعرية وثقافية نقدية وقد نجحت في ذلك فيما أرى أنها انتهت إلى اكتشاف أجيال جديدة من الشعراء لم نكن نسمع عنهم وبعضهم من المملكة العربية السعودية،  ولقد فوجئت بأن فيها شعراء شباب بهذا القدر من النضج والجمال, ولذلك نحدد أهدافها في نطاقها, أعتقد بأن سوق عكاظ يتعين عليه أن يبحث عن وسيلة، وأن يعدد مستوياتها، فأنا أرى أن سوق عكاظ لابد أن يكون له مستويان, مستوى خاص بالشباب يشجع الشعراء الشباب في مسابقاته ، ومستوى خاص لكبار الشعراء العرب الذين لم تشملهم مسابقة أمير الشعراء والتي تقتصر على الشباب فقط , لكن كبار الشعراء العرب للأسف خارج نطاق لا أقول التنافس بل الاهتمام الفكري والثقافي بالقدر اللازم .
أنا انتظر من سوق عكاظ وقد سمعت هذا الاقتراح من إحدى الأستاذات والتي كانت حاضرة في حفل الافتتاح بأن تكون هناك شهادة تقديرية لكبار الشعراء لا تخضع للمنافسة ولا يتقدم لها الشاعر بنفسه وإنما يرشح من الهيئات الأخرى, أعتقد أن تجربة سوق عكاظ لا بد أن تتطور, تبحث عن شكلها، وتغطي ما لا تغطيه المسابقات الأخرى, فأنا حزين جداً ولا بد أن أعلن حزني في هذا الحديث عندما أجد أن الجائزة تحجب لأن الحجب سياسة فاشلة، وأن الحجب إعلان إفلاس ولا يمكن لمن يريد إنعاش الحياة الثقافية العربية بأن يبادر بإعلان إفلاسها من الشعراء, نحن نطعن مواهبنا، وإننا نقبر شبابنا عندما نحجب عنهم الجوائز لأننا نضيع الهدف الأساسي منها، لذلك أنا ضد سياسة الحجب وأحزن حقيقة شخصياً مع إنني لم استفيد ولست متقدماً ولم أكن انتظر أن تمنح لي جائزة لأنني اعتقد بأن الحجب يولد الإحباط وعلى من يرعى جائزة عليه أن لا يسبب إحباطاً للمبدعين فيها.