أول مبادرة تضامنية بين الفكر والمال للنهوض بالأمة العربية

مؤتمر الفكر العربي الأول في القاهرة

عربيات : القاهرة - إيهاب سلطان
صور وفيديو
احتضنت القاهرة فعاليات مؤتمر الفكر العربي الأول الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي التي أنشأها سمو الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز لتكون أول مبادرة عربية تضامنية بين الفكر والمال للنهوض بالأمة العربية .

ويناقش في المؤتمر على مدار ثلاث أيام في الفترة ما بين 21-23 شعبان عام 1423هــ نخبة من المفكرين والمثقفين والمسؤولين والصحفيين العرب إشكاليات العصر الحالي وكافة المخاطر التي تواجه الأمة العربية من خلال عشرة محاور هي " نحو علاقة عادلة بين العرب والغرب " و " ماذا لو فشل خيار السلام " و " تكامل الاقتصاد العربي وأسباب الفشل " و " التعليم العربي : الواقع والمستقبل " و" الشورى والديموقراطية : رؤية عصرية " و " الديانات السماوية والهوية العربية " و " المعالجات الإعلامية للمشكلات العربية " و " متى يصبح العرب منتجين للتقنية " و " إسهام المرأة في الفكر العربي " و "اللغة العربية وروح العصر "

ويكرم المؤتمر خمسة من الرواد العرب هم د. ادوارد سعيد من فلسطين و د. حسن الكرمي من الأردن والفنان حسين بيكار من مصر ود. محمد بن راشد الفقيه من السعودية ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي .

بالإضافة إلى تكريم خمسة من المبدعين هم د. انطوان زحلان من لبنان والمهندسة زهاء محمد حديد من العراق ود.عبد الله محمد الغذامى من السعودية والشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان ود. يونان لبيب رزق من مصر .

وأيضا تكريم أربعة من شباب الموهوبين العرب هم إبراهيم بن سليمان الحسيني 19 عام من سلطنة عمان وموهوب في الهندسة الإلكترونية وله العديد من الاختراعات .

وفي مجال الفن التشكيلي سيتم تكريم الطالبة أميرة حسن عبد الوهاب من مصر ومن اليمن تكريم جمال مطر عبد الله 8 سنوات وهو أصغر موهبة في حفظ القرآن الكريم وقرض الشعر .

ومن تونس يكرم سامي وناس 17 عام وهو موهوب في العلوم التجريبية وبرامج الحاسب الآلي والأدب ويجيد 4 لغات حية .

وتهدف مؤسسة الفكر العربي إلى الاعتزاز بثوابت الأمة العربية وقيمها وهويتها من خلال البرامج الثقافية الملائمة وترسيخ الأفكار والفعاليات التي تعمل على نبذ دواعي الفرقة بما يضمن تحقيق تضامن الأمة وتوحيد جهودها بالإضافة إلى العناية بمختلف المعارف والعلوم لدفع التقدم العربي .

ملاحظات على الأداء والسياسات

ومن أهم الأبحاث التي يناقشها المؤتمر ورقة العمل المقدمة من الدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس مجلس إدارة صحيفة الوطن السعودية والمشرف العام على التحرير وعضو مجلس الشورى السعودي بعنوان ملاحظات على الأداء والسياسات والتي تم مناقشتها ضمن محاور المعالجات الإعلامية للمشكلات العربية .

حيث يرى الدكتور فهد العرابي الحارثي أننا متفقون على احتدام أزمات العالم العربي في ظروفه في الداخل وفي علاقته بالخارج وهي التي أوحت أو أملت على منظمي فعاليات المؤتمر الأول للفكر العربي أن يناقشوا أهمية الإعلام في معالجة القضايا والتحديات الراهنة .

ويضيف د. فهد أنه لم يعد من الممكن الاستمرار في السكوت على مكابرات المعنيين بشئون الإعلام من مسؤولين وحكوميين أو أهليين أو مكابرات غيرهم من صانعي المنتجات الإعلامية ومصدريها .

وكما تريد مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها الأول أن نقف اليوم وقفة مراجعة وتقويم ولا سيما في هذه المرحلة التي كشفت لنا جميعا عيوبا كبيرة وعميقة في معالجاتنا الإعلامية خاصة وأن التطورات الأخيرة في المنطقة العربية قد ساعدت كثيراً على فضح القمع الفاضح لإعلامنا الذي أثر بالسلب على أي تأثير إيجابي لمعالجاته .

وتطرق الدكتور فهد في رؤيته إلى الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما آل إليه مستقبل الطموحات الفلسطينية و العربية من انتكاسات شنيعة جعلت من مسألة تحديد التصورات العربية والفلسطينية حيال شأناً إسرائيليا – أمريكياً محضاً مع الأسف أي لم يعد لنا من وجود حقيقي فاعل فيه فما علينا إلا أن نتلقى ما يقال لنا من إملاءات وأن نقبل بما يقدم لنا من مخططات وتصورات .

ويؤكد د. فهد أننا لم نعد طرفاً من الأطراف5 المعنية بحل القضية الفلسطينية أو المعول عليها واقعا وعمليا في ذلك الصراع وهذا أسوأ ما يمكن أن نصل إليه من ضياع وذلك كله لا يمكن أن يحمل مسمى آخر غير مسمى الفشل الذريع للسياسات العربية .

ويشير د. فهد إلى الإعلام العربي بأنه أسهم إسهاماً كبيراً في تأصيل فشل السياسات العربية في حل الصراع العربي الإسرائيلي وتعميقه فهو لم يستطع أبداً أن يلتقط الخيط المناسب في الوقت المناسب ليسهم في تحقيق التوازن المطلوب للمركب المعصوف به أو للقاطرة التي أخرجتها أحداث جديدة عن مسارها الصحيح مما تسبب في أضرار جسيمة منها أنها قتلت الحياة في كثير من المواطن التي كان من الممكن ان يبقى بها البعض دبيب من حياة .

ويضيف أنه في الوقت التي كانت فيه إسرائيل تستغل الوضاع الإقليمية والدولية الجديدة بعد أحداث 11 سبتمبر بما يخدم نزعتها الاستعمارية فقد فشل الإعلام العربي فشل واضح في الدفاع عن قضيتنا أو التعامل مع الأوضاع المتغيرة بسبب التمسك بالأدوات القديمة ولم يغيروا المنهج التقليدي في النظر إلى الأمور وفي تحليلها وفي استقرائها أو استشراف مستقبلها كما فشل أيضا في اختيار اللغة أو اللغات الجديدة المناسبة لمعالجة المتغيرات الدولية .

ويرى د . فهد أن العالم شهد ولادة جديدة استوجبت تلقائياً أو عمداً تغييراً جذرياً في قواعد اللعبة السياسية كلها وفي العلاقات الدولية بأكملها مما كان يستوجب إعادة بناء الخطابين السياسي والإعلامي وهو ما حدث في العالم بأكمله بما في ذلك إسرائيل بينما أغفلها العرب مع الأسف مما ضاعف من حدة الأزمات العربية في مجال السياسة وفي مجال الإعلام .

واعتبر د. فهد أن ضعف الإعلام العربي أصبح واضحا في سبع ملاحظات هي

أولاً أن عالم اليوم ألغى ضوابط الجغرافيا وأوهن فاعلية السيادات الوطنية أو القومية بما يكفي لتحقيق تداخل و تمازج بين الثقافات وذلك بفعل الثورة المتواصلة في مجال الاتصالات وهو ما عرف بمصطلح العولمة والتي صاحبها تداخل معقد لفعاليات إنسانية كثيرة وكان الإعلام واحداً من هذه الفعاليات .

وقد شهدت منطقتنا العربية ضغوط عنيفة بعد أحداث 11 سبتمبر مما هدد بمسخ الثقافات الخاصة أو تدميرها بحجة الاستجابة لدواعي العولمة أو ضغوطها في غياب الخطاب الثقافي الذي من شأنه أن يحقق التوازن المطلوب بين الخاص والعام أي الذي يحمي القافات المحلية أو يجعلها في حالة انسجام مع ثقافات العالم .

ولم يستطع الخطاب العربي أن يرسم لنفسه خطاً واضحاً من التحديات الثقافية التي أوجدتها أحداث 11 سبتمبر بل ظل متنازعاً ومرتبكاً بين الرغبة في تعزيز فكرة التعايش مع الثقافات

الأخرى والخوف من تفاقم الهجمة على التراث الخاص مما قد يمس الثوابت وهو ما سيقتضي تأثيرات عكسية قد يكون العنف نفسه أحد وسائلها في تعبيرها عن ذاتها وقد يكون العنف أكثر ضراوة مما شاهدناه في أحداث 11 سبتمبر .

ولم ينشأ حتى الآن الخطاب المنهجي الموضوعي الذي يسهم بالفعل في إعادة ترتيب تصوراتنا حول الخاص وحول فرص نموه ويدعم الأفكار التي تعزز علاقات متوازنة مع الآخر ومع ثقافاته ومع مقترحاته من اجل المستقبل .

ثانيا كما يقول د. فهد أن أحداث 11 سبتمبر وضعت العرب ودينهم وثقافتهم موضعا يسهل فيه تسديد الهجوم الشديد عليهم بل وإصابتهم في أكثر من مقتل ولا سيما فيما يتعلق بعلاقتهم مع الحضارات والثقافات الأخرى .

فقد قدمت تلك الأحداث في وسائل الإعلام المعادية للعرب على أنها نتاج ثقافة وليست مجرد انحراف في منهج فكري وقع ضحيته بعض المغرر بهم من الشباب ومن بعض الأقطار العربية ومنها المملكة العربية السعودية .

ولاشك كما يؤكد د. فهد أن كل شيء كان مهيأ لقبول هذه الفكرة والتشبث بها فصورة العرب وصورة الإسلام لم تكن بذلك الوضوح بل لم تكن في منأى عن تشوهات كثيرة لحقت بها على طول التاريخ الطويل للصراع مع القوى المعادية سواء كانت صهيونية أو مسيحية يمينية متطرفة أو متعصبة .

فلما جاءت أحداث 11 سبتمبر أضافت دون أدنى شك زيتاً كثيراً إلى تلك النار التي لم تتوقف عن الاشتعال وتم ربطها بما حدث في أحداث 11 سبتمبر بما أساء لصورة العرب لشدة هول الكارثة " أحداث 11 سبتمبر " من حيث مستوى التنفيذ في إصابة الأهداف التي وجهت إليها ومن حيث حجم الخسائر وعدد الضحايا .

وبدا كان العالم يكتشف الإسلام لأول مرة فكان الربط سريعا بين العنف والإسلام نفسه بل أن الرسول صل الله عليه وسلم لم يسلم من الاتهامات بـــ العنف والإرهاب وقطع الطريق ولا سيما لدى بعض قساوسة المسيحية اليمينية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعمها وتغذيها الصهيونية وإسرائيل .


وهكذا استطاع الخصم السياسي التقليدي للعرب أن يجند ضدنا وضد ثقافاتنا قوى مناهضة أخرى لا تقل شراسة وعدائية عنه وبتضافر هذه القوى إلى جانب الزفة الإعلامية الفظيعة التي واكبت الحدث وأججت مضاعفاته كان من السهل تحقيق المكاسب البينة بين الجماهير التي لم تجد عندنا بديلا مواجهاً أو مناقضاً لما تقرأ أو تسمع بالمرة أو أن البديل الذي يسمعه وتقرأه كان خجولا متردداً ضعيفاً وبالتالي غير مؤثر فلم يكتب له أي لون من ألوان الصمود في مواجهة الأمواج الهادرة العاصفة التي احتكرت بالفعل عقول الناس خلال الأزمة .


وهو ما أدى إلى بلورت استراتيجيات جديدة لمصالح العالم في المنطقة واصبح من المقبول لدى الرأي العام العالمي التفكير في إعادة رسم خريطة المنطقة العربية وإعادة ترتيب وتنظيم الأولويات فيها مع مراجعة مستقبل بعض الحلفاء الاستراتيجيين كما وجدت بعض الحسابات فرصتها للتصفية ولعل نذر الحرب الوشيكة في العراق هي بداية الأجندة الجديدة التي يصار إلى تطويرها كل يوم بل تطور المر إلى استهداف أنظمة عربية أخرى مثل السودان وليبيا ثم سوريا على وجه الخصوص التي تضعها بعض التحليلات في قمة الأولويات الأمريكية بعد العراق بحجة أنها تأوي بعض الفصائل الفلسطينية المتشددة وتقدم الدعم العسكري والسياسي لحزب الله الذي يحتل من جهته رأس قائمة التنظيمات الإرهابية التي تعد من الأهداف الواضحة للحرب الأمريكية على الإرهاب .
 
 
ومن ثم كما يرى د. فهد فإن البيت العربي أصبح بعد أحداث 11 سبتمبر هدفاً لإعادة الترتيب ولكن ترتيب خارجي وليس داخلي وهو ما لم تعرفه منطقتنا من قبل فأحداث 11 سبتمبر أضافت العديد من الخسائر الفادحة فعلى المستوى العسكري تم تحت مظلتها تدمير الشعب الفلسطيني وسيأتي الدور على العراق وسوريا وربما دولا عربية أخرى .

وعلى المستوى الثقافي أصبح العرب مطالبين بإعادة النظر في مناهجهم التعليمية والتربوية وكذا خطابهم الثقافي كله لأنها لم تعد من وجهة نظر الغرب صالحة لتنشئة أجيال سوية تستطيع أن تسهم في تنمية علاقات مجتمعها بالمجتمعات الأخرى .

وركزت ثالث ملاحظات الدكتور فهد الحارثي في ورقة العمل على فشل العرب في توضيح موقف محدد من الإرهاب وقت استغرقوا وقتا طويلا في نظر العالم في الخلط بينه وأنواع المقاومات الوطنية في الوقت الذي أغلقت فيه أحداث 11 سبتمبر كل الأذان للاستماع لأي منطق يحل قتل المدنيين حتى ولو كان ذلك في إسرائيل ذاتها وكان من اللازم أن ينتبه العرب لهذه الإشكالية ولهذا التداخل بين المصطلحين وبين الحالتين وأن يختاروا الطريقة التي تضمن عدم نشوء الإحساس بأن العرب يعدون الإرهاب مقاومة وطنية مشروعة .

رابعاً أن العرب لم يستطيعوا أن يقدموا للعالم تفسيراً متوازناً مقبولاً لأحداث 11 سبتمبر فهم جعلوا الظلم الأمريكي والبطش الإسرائيلي التفسير الوحيد لتلك الأحداث في الوقت الذي كان العالم كله غير مستعد للاستماع لأي مبررات يمكنها أن تساعد في فهم ظروف الإرهاب وبالتالي قبوله مهما كان منطق تلك المبررات ومهما اعتقد الطرف المتضرر بوجهتها فالجريمة حتى لو تم الاعتراف بها لا تبرر ظلم الإدارة الأمريكية ولا بطش الآلة العسكرية في فلسطين والتي اتخذتها فرصة لقتل الأبرياء في واشنطن ونيويورك أو في أي مكان آخر في العالم .

فأمريكا بالذات لا تريد حتى الآن أن تقر بأن الإرهاب ليس نبته شيطانية يمكن أن تنمو دون ظروف معينة ترعى نموها ومن هذه الظروف الظلم والقهر والاستبداد ونهب الحقوق ونصرة الأعداء وتمكينهم من قتل الأبرياء واغتصاب الأرض والحقل والمنزل .

فأمريكا تكابر ولا تريد أن تقر بل تمعن في البحث عن أسباب أخرى أقل أهمية بكثير من المولد الحقيقي لكراهية أمريكا وسياستها في الشرق كله وهي بالتالي تعد الدافع إلى ممارسة بعض التصرفات الإرهابية ضدها .

ويؤكد د. فهد أن العرب عندما يشيرون لأمريكا إلى سياستها الظالمة وقهرها ويشدون انتباهها إلى انحيازها الصارخ وإلى ممارساتها الغير عادلة فلا يريدون من ذلك أن يبرروا الإرهاب فلا يوجد لدينا تبرير للإرهاب ولكننا نريد دعوة القوى العظمى إلى اجتثاث مسببات الإرهاب ودواعيه وإلى القضاء على البيئات النفسية التي يخصب فيها ويشتد نموه فوق ترابها .

وما زاد من تفاقم المشكلة أن التقارير الاستخباراتية أو غيرها أكدت للغرب ولأمريكا أن أحداث 11 سبتمبر لاقت قبولا وترحيبا لدى الكثير في العالمين العربي والإسلامي .

أما المثقفون والإعلاميون العرب فقد تضمن اطروحاتهم بعض الجمل الاحترازية بما يشير إلى اغتباطاً شديداً بما تعرضت له الكرامة الأمريكية من تمريغ وبما لحق بالأمريكي ذلك الجبار المتكبر من إهانة وهو ما شهدته بعض المنابر الإعلامية من تمجيد للقاعدة ولأسامة بن لادن كما تردد البعض في وصفه بالإرهابي واستمروا في وصفه بالشيخ ولا يمانع من إضافة صفة الجليل إذا تطلب الأمر .

خامساً أن العرب لم يستطيعوا في مرحلة ما أن يضعوا الغرب ولا سيما أمريكا في مكانهم الصحيح من مشروع إنتاج مجاهدي أفغانستان التي تطورت أوضاعهم بتنظيم القاعدة وما تبعها من خلايا تهدد المن والاستقرار في اكثر من مكان في العالم بما فيها أمريكا ذاتها

فقد دعمت أمريكا بعض العرب والمسلمين وأقحمتهم في الحرب الضاربة باسم الجهاد التي ترفضه اليوم وخاضت حربها الضاربة بسواعدهم بما أكسبهم مهارات حربية ونمت عقيدتهم الجهادية بتحريض أمريكي بحت ولهذا فهم بعض أولادها الذين انقلبوا عليها اليوم عندما أهملتهم ورفضتهم بعد انقضاء أغراضها وتحقق هدفها منهم وهو ما أدى إلى الفهم الخاطئ لدى الرأي العام العالمي بأن العرب قد قبلوا أو أقروا بأن ما يحدث في أفغانستان هو نتاج بيئتهم الدينية والثقافية والاجتماعية وقد لاقى هذا التصور الدعم اللازم فيما يردده الإعلام العربي من خطاب لا يخلوا من شماتة أو تشفي وأحيانا تأييد واضح وصريح أدى إلى تعقيد وصعوبة مخاطبة الرأي العام بعكسه وسهل على إسرائيل وأوليائها ومؤسساتها ومنظماتها أن توالي طعناتها القاتلة الموجهة إلى العرب وإلى دينهم وتراثهم وتاريخهم بل وإلى مستقبلهم .

سادساً فبات من الواضح للسياسة الخارجية الأمريكية الجدية أنها تتصرف على أنها القوة العظمى الوحيدة المتفردة فوق هذا الكوكب وقد دفعتها المستجدات الأمنية بعد أحداث 11 سبتمبر إلى إظهار مزيد من البطش والغطرسة ومزيد من تجاهل الآخرين وإقصائهم وإحراجهم والاستبداد بالرأي من دونهم خاصة من الحلفاء وهو ما ظهر جلياً في التصرفات الأمريكية بدعوى حماية المصالح الأمريكية من أي خطر وأيضا الضغط العنيف على منظمة الأمم المتحدة لتسيير شئونها وفق توجهاتها مما أوقعها في براثن العقاب قبل الجريمة أو العقاب على افتراض أن الجريمة سوف تحدث ولا يوجد قانون بشري يجيز مثل هذه التصرفات إلا قانون الغطرسة .

واستطاعت إسرائيل في هذا المناخ الشديد التوتر للسياسات الأمريكية أن تظهر نفسها على أنها الحليف الأمثل للولايات المتحدة ولا سيما من حيث الاستجابة المطلقة لحروب أمريكا ضد خصومها من العرب على وجه الخصوص وبذلك اقتربت أكثر وأكثر من وجان الإدارة الأمريكية التي بنت سياستها الخارجية على مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا وإسرائيل طبعا معها وبقية العالم ممن يروون استقلال القرار ضدها .

ومن ثم باركت أمريكا التصرفات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتجاه مستقبل دولتهم المنتظرة والمتوهمة بما زاد من تحكم اللوبي الصهيوني مع المحافظين المسيحيين الصهاينة في العالم وقضاياه وأحداثه .

وهو ما ترجم ضد العرب في اتجاهات عنيفة منها الحملة على المملكة العربية السعودية وشن الحرب على العراق وخفض المساعدات الأمريكية لمصر والدعوة إلى محاسبة ومعاقبة سوريا ووضع أسماء دول عربية على لائحة الإرهاب وتلفيق التهم للعرب والمسلمين في أمريكا لبث الحقد ضدهم .

سابعا أنه في ظل الأوضاع الدولية لم تتنازل المقاومة الفلسطينية عن خيار المقاومة بكل السبل بداية من الحجر التي استبدلته بالرصاص والبارود إلا أن تصعيد أسلوب المقاومة لم يكن موفق في مثل هذا التوقيت في نظر البعض لأن أحداث 11 سبتمبر لم تدع فرصة لأي قدر من التفهم للعمليات الفدائية بما حاصرها باتهامات الإرهاب وهو ما ركزت عليه إسرائيل لوصف المقاومة بالإرهاب ليوجد شارون سببا لذبح الفلسطينيين وقتلهم واعتقالهم بدعوى الدفاع عن النفس ومطاردة الإرهاب ومحاربته ليحدد الشكل القادم للكيان الفلسطيني بمساعدة أمريكا وهو الشكل الذي يأتي وفق ما يريده في الوقت الذي تقدم فيه وسائل الإعلام العربي في خطابها الإعلامي كل ما تستطيع من براهين تساعد على شرح وتأكيد النوايا العربية وليس الفلسطينية فقط تجاه إسرائيل بما يتناقض مع ما تقدمه إسرائيل في المحافل الدولية بأن العرب ضد السلام مما زاد من دعم إسرائيل عسكريا وتأييدها حتى ولو تطلب القضاء على جميع الفلسطينيين .

وتسائل الدكتور فهد الحارثي في رؤيته عن " هل المناسب أن يسمع منا العالم في منابرنا الإعلامية الصيحات المتشنجة التي تنادي بإسقاط الأنظمة العربية المتخاذلة والمهرولة والذين قبلوا السلام بديلا عن الحرب والانقضاض على إسرائيل وغيرها" وهل من الملائم أن يدعوا ساساتنا إلى السلام ويفاوضون من أجله ثم يخرج خطابنا الإعلامي بهذا المستوى من الشدة والتطرف بدون سماع صوت العقل .

فمن الصعب كما يقول د. فهد أن ننتظر من العالم أن ينظر إلى الأحداث بطريقتنا ومن الصعب أن نطالبه بأن يضع نفسه في مكاننا وهو ينظر لليهود بغير نظرتنا وله معه تاريخ غير تاريخنا وكان لابد أن نلتقي معه في منتصف الطريق وتكون قواعد خطابنا إليه مختلفة تماما عما حدث ويحدث .

وخلص الدكتور فهد العرابي الحارثي في رؤيته إلى أن الخيار الاستراتيجي الذي أخذ به العرب منذ قمتهم في القاهرة عام 1996م وهو خيار السلام لم يواكبه خطاب إعلامي متوازن رصين موضوعي يخرج من نسيج ذلك الخيار نفسه ولا سيما من حيث مخاطبة الرأي العالمي بما يفهم ويبدو أن العالم قد فشل في إيجاد أي إمكانية للمواءمة بين خيار السلام عند العرب وخطاب إعلامي لم يطرأ عليه تغيير حقيقي فهو ما برح خطاب استعدائي تحريضي انفعالي رفضي لا يحمل أي رؤية واضحة لمستقبل الحوار أو لمستقبل العلاقة مع اليهود عموما ومع إسرائيل خصوصا في ظل فكرة السلام الجديدة فظهر أن الموقف السياسي شيء وأن ما يفكر به أهل الرأي في وسائل الإعلام شيء أخر مختلف أو ظهر أن الموقف السياسي غير منسجم أبدأ مع ثقافة الجمهور وهي ثقافة معززة بخطاب ديني مازال يرفض اليهود ثقافةً وأخلاقاً.

وهو ما جعل العالم يضع العالم العربي في أحد احتمالين :-ــــ

إما أن مواقف الإدارات السياسية هو موقف مزيف ومخادع وربما غير صادق إذا أنه غير منسجم مع رأي الناس الذين لم تتغير نظرتهم تجاه اليهود أو إسرائيل أو تجاه التطبيع ومستقبل العلاقات مع إسرائيل وبالتالي فإن غرض الإدارات السياسية غرضه المناورات أو المراوغة أو كسب الوقت وليس أبداً السلام الحقيقي

والاحتمال الثاني أن الإدارات السياسية هي من الهشاشة بحيث لا تجد مواقفها جماهيريا وتفقد الأرضية الثابتة التي يمكنها أن تقف عليها أو تنمو فيها بشكل طبيعي وأدى إلى أن نتيجة هذين الاحتمالين هي أن إسرائيل في نظر العالم مازالت في خطر وستظل كذلك وبالتالي فالتفوق العسكري والتقني لإسرائيل هو الذي يمكنها من الحفاظ على سيادتها الوطنية وهو الذي يجعلها قادرة دائما على حماية مواطنيها من وحوش العرب الذين يحيطون بها من كل جانب .

وينفي الدكتور فهد العرابي الحارثي ان التشبث بخيار السلام ليس معناه الانبطاح لإسرائيل أو أمريكا كما يعبر الإعلام العربي في كثير من الأحوال وليس معناه التنازل عن الحقوق الفلسطينية أو العربية وليس معناه إلغاء التاريخ أو تزييف الثقافة أو تزوير المشاعر بغض النظر عن مستوى النتائج التي وصلت إليها مباحثات السلام في وقت سابق .

ولكن الأسلوب الأمثل للصراع العربي الإسرائيلي هو التشبث بخيار السلام لأن السلام هو الزاوية الحادة التي ظلت إسرائيل تشعر بالاختناق في داخلها بمعنى آخر كانت المعركة التي عاجلا أم آجلا ستخسرها كما أن حجم الصراع مع الدولة اليهودية لم يكن يعني بأي حال الحصول على نتائج سريعة وكاملة وهذا هو الأخطاء الإستراتيجية في السياسات العربية وفي الخطاب الإعلامي العربي فالوجه الجديد للصراع هو وجه السلام لا ينبغي أن نستعجل فيه النتائج لأن مشروع السلام يحتاج إلى الوقت وعلينا أن لا نعطي لإسرائيل فرصة لتحطيمه على المستوى المحلي أو الإقليمي ومع الحيطة من أن لا نقدم لها ما يساعدها على تشويهه في نظر الرأي العام العالمي ولا سيما لدى القوى التي نعرف أن بيدها الحل والعقد في مستقبل الصراعات في هذا العالم كله .