أرخت كل ما قام به العرب في صفحات بيضاء

وفاء المصري في كتاب صفحاته بيضاء: الصمت يعبر أحيانا عن العجز العربي

عربيات : القاهرة - إيهاب سلطان
صور وفيديو

وفاء المصري و صفحاتها البيضاء تحكي كل ما قام به العرب حيال الجرائم الصهيونية والإرهاب الأمريكي منذ توقيع ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945 وحتى الاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق 2003.

العنوان واللون مفردات أساسية في توزيع الكتب والإصدارات الأدبية فبهما ينجذب القارئ إلى الكتاب كلما وقفا يتصفح الإصدارات الجديدة في المكتبات باحثا عن الفكر والاطروحات المتباينة لعلها تجيب عن الأسئلة التي أثارتها التطورات الراهنة في مجتمعنا العربي بعد احتلال العراق .

ومن بين الإصدارات الجديدة المطروحة حاليا في الساحة الثقافية المصرية كتاب شابهه الغموض بداية من غلافه حيث اللون الأسود ومرورا بعنوانه الذي يوحي بأنه أرشيف كبير امتد قرابة 58 عاما فيداعبك الحلم بقراءته لأنه بذلك بات تاريخ أمة كاملة ونهاية بما كتب عليه باللون الأبيض وفاء المصري فلا تعرف إذا كان هذا اسم كاتبه أم كناية عن الوفاء المصري حيال القضايا العربية.

فلا تفيق من دهشة اللون حتى يجذب نظرك العنوان الرئيسي للكتاب وهو ( كل ما قام به العرب ) ثم عنوان فرعي مكمل ( حيال الجرائم الصهيونية والإرهاب الأمريكي منذ توقيع ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945 وحتى الاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق 2003 )  .

انتهى العنوان ولم ينس الكاتب أن يضع صورة ضمت كل من بوش الابن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وفي خلفيتهما طائرة حربية .

وعندما تمتد يدك إلى الكتاب وتتصفح أول صفحاته تجد الكاتب يعيد نفس العنوان بأول صفحاته وتنتقل للصفحة الثانية تجد ما يثير فضولك لقراءته حيث يشير الكتاب أن وفاء المصري هو اسم كاتبته وقد أعادت نفس عنوان الكتاب وكتبت أسفله أنه الطبعة الأولى والأخيرة قطعا.

ثم راحت تقول بذات الصفحة أن حقوق النشر , ككل حقوقنا , غير محفوظة ومباح بصورة مطلقة أي اقتباس أو نقل أو استعمال لمضمون هذا المجلد وبأية وسيلة كتابية أو طباعية أو سمعية أو بصرية أو مصورة من دون موافقة الناشر الخطية المسبقة وفي النهاية فإن غلاف الكتاب وإخراجه هو للكاتبة وفاء المصري .

ويذهلك ما تجد عندما تتصفح باقي المجلد كما وصفته الكاتبة فما هو إلا صفحات بيضاء خلت منها الكتابة وبروح الفضول تستكمل باقي صفحات المجلد لعلك تجد كلمة واحدة حتى تنتهي إلى الصفحة رقم 537 ليتبين أنك وصلت لفهرس المجلد الذي يشير إلى تضمنه عدة فصول كل فصل منها تم ترقيمه دون الإشارة إلى محتواه وفي نهاية الفهرس تقع عينك على سلة مهملات مكدسة بلافتة جامعة الدول العربية وممتدة منها مرآة عاكسة تحتوي على صور كل رؤساء وملوك وسلاطين الدول العربية .

وعندما تغلق المجلد تجد كلمة للكاتبة قالت فيها أن هذا الكتاب ربما استطاع أن يضيف إلى كتب البحث التاريخي أهمية أخرى وفوائد مغايرة أجدى وأكثر نفعا للقارئ مما قد يسهم عمليا في استعادة الكتاب مكانته الأولى كوسيلة أساسية وخالدة للثقافة والمعرفة بعد أن اكتسحت تكنولوجيا المعلومات في العصر الحديث بوسائلها العديدة والمختلفة .

فهو كتاب ـــ علاوة على أهميته لمكتبة كل باحث في تاريخ الأمم والشعوب ـــ ضروري لكل من له تعامل مباشر مع الورق في مجال عمله , كما أنه نافع لكل أفراد الأسرة , للأم في المطبخ : كفرشة خالية من أحبار الكتابة الضارة بالصحة لشرب الزيت تحت شرائح الباذنجان المقلي وبطاطس الشبسي , للطفل في ممارسة هواياته من رسم وشخبطة ثم إطلاق مدافع وطائرات وصواريخ وعصافير جنة للهواء , للأب : في تدوين ما يخصه من حسابات وأرقام تليفونات وأقساط وجمعيات وسلف ومواعيد سداد … إلخ للطلاب في استذكار دروسهم ومراجعة دروسهم وتبيض محاضراتهم السخيفة وكتابة رسائلهم الغرامية , وتسجيل خواطرهم وأشعارهم الساذجة وكبتهم اليومي.

وهو ـــ فوق إمكانية استعماله كبديل لبكرات ومناديل الكلينكس في الحمامات ـــ قد يغري براجماتية المثقفين , ولا سيما الشعراء والكتاب , باستغلال بياضه الجوهري في إخراج كتابين , على الأقل , خاصة بعد أزمة الورق الحالية وارتفاع أسعاره , أو تخزينه إلى حين إيمانا بحكمة أن الورق الأبيض ينفع في اليوم الأسود , وبأن الحكومة لن تتحرك كعادتها , إلا بعد أن يأتي ذلك اليوم الأسود.

"دعونا نؤرخ بعملية أكثر" بهذه الكلمات وبأسلوب الإخراج البسيط أجابت الكاتبة وفاء المصري على كل الأسئلة التي تثار كلما يتصفح القراء مجلدها فحاولنا الاقتراب من الكاتبة بعد حيرة البحث عنها في ساحة المثقفين والأدباء المصريين وقد علمنا أنها مدرسة لغة عربية وخريجة كلية الألسن جامعة القاهرة وزوجة وأم لطفلين ولها تجربتين أدبيتين الأولى بعنوان " ولا حاجه " والثانية كتاب " كل ما قدمه العرب " وأنها تتحمل وتخاطر بطباعة تجاربها على نفقاتها الخاصة وتساعدها صديقتها في توزيع ما تقوم بطباعته إيمانا بها ككاتبة وأديبة تتحدى كل الظروف و كان هذا الحوار .

 

بداية لماذا لجأت لفكرة الصمت في عرضك للكتاب؟
فكرة الكتاب بسيطة جدا ولا تحتاج في رأيي إلى أي تعليق , إنها أشبه بمئات الكاريكاتيرات الساخرة التي امتلأت بها الصحف والمجلات أثناء الحرب ومازالت , ربما كان أفضل تعليق على كتاب أبيض مثل هذا هو " لا تعليق " فالكلمات أحيانا تفسد المشهد و والصورة التي تكاد تنطق من تلقاء نفسها يصبح من السيء جدا أن نشوه قدرتها الباهرة على البوح بتعليق يقصر دون التعبير بنفس القدرة .... وتحضرني كلمات دالة لشاعر مقدوني رقيق يدعى " أتسو شوبوف " إذ قال ( إذ كنت تحمل شيئا مكبوتا .. شيئا يعتصرك ويلدغك فادفنه في الصمت العميق فالصمت وحده سيفشي به ) .... وهو ما أزعمه أيضا فأعتقد أن البياض الجوهري بالكتاب عبر أفضل تعبير وأن الصمت الأبيض العميق اللادغ والعصار كان انسب في التعبير عن الألم بالنسبة لي .

 

وأين أنت كشاعرة من الأزمة العربية الحالية؟
في أزمة كالأزمة العربية الراهنة أنت كشاعر ممزق بين أن تكتب فتأتي كتاباتك عاجزة عن الفعل وبين أن تصمت ذلك الصمت الأبلغ إنباء من الكلام فيأتي صمتك هو العجز بعينه … والكتابة هنا غير مجدية , بل قد تصل باستمرارها وثرثرتها الفارغة " الغير فاعلة " إلى حد الخيانة .. الصمت هنا أيضا خيانة فماذا تفعل ؟!

 

أفهم من ذلك أنك محبطة؟
الإحباط يشملنا جميعا من الحكام والساسة إلى رجل الشارع العادي ولقد تحدث أغلب المثقفين عن العجز العربي أو بالأدق عجزهم حيال ما يحدث , فلم تأت شهاداتهم سوى إضافة لمزيد من العجز .. ولا أعرف أيهما أكرم .. كتابة العجز أم الموت صمتا ؟! فيبدو أن القضية كلها ( أكل عيش ) بالدرجة الأولى , حيث ينبغي أن يملأ بياض الصحف والمجلات بأي كلام لأنها ( فلوس ناس ) ورواتب موظفين وصحفيين وقائمين على إدارة المؤسسات الإعلامية .. كلنا يدرك تماما أننا في موقف لا يجدي معه شعر أو خطب أو ( دش ) تحليلات سياسية وتعليقات ومقالات وتصريحات فارغة , وأنه من الأجدى أن يخرج كل المتشدقين من استوديوهاتهم الفاخرة وغرف مكاتبهم الأنيقة وكراسيهم الوثيرة ويمضوا إلى جهاد حقيقي يرد بعضا من الكرامة الضائعة .. إحساس بالقرف من الجميع ومن نفسي يتملكني شعور بالعجز المذري والمرارة والإهانة أقوى بكثير من أن أمسك القلم وأكتب لمجرد التواجد الوهمي أو بالأدق المزيف … لمجرد النوم بضمير مرتاح بينما جثث القتلى تغطي الشوارع وصرخات الجرحى والمصابين تملأ الآفاق هناك في عروقي دم لا ماء , والكذب العربي المركب يحفرني في كل لحظة في كل لحظة , في كل لقطة , في كل تحليل أو تعليق … إلى أي حد يمكنك تحمل إحساس أنك ( متفرج فقط ) في اللعبة الكبيرة , وانه ليس مطلوبا منك أكثر من القيام بدور المتفرج .... فحتى لو فارت الدماء في عروقك وانفجر رأسك كتابة فليس مطلوبا منك سوى أن تكتب من مقعد المتفرج .. وما اسخف الكتابة من قواعد المتفرجين وما ذلك يظل خيار الصمت بالنسبة للمبدع أصعب مما تتخيل , خيار يحتاج إلى جرأة ربما أكثر مما يحتاجها فعل الكتابة نفسه ولأنني لست بهذه القوة كان لابد أن أتكلم أو أنفجر … أن أقول شيئا لا يقول شيئا ولا ينطق إلاسكاتا كما يفعل الآخرون فها هو اقرءوا عجزي .

 

هل أقدمتي على هذه التجربة للفت الانتباه إليكي؟!
لم يكن الإقدام على مثل هذه التجربة رغبة في لفت الانتباه كما أدعى البعض إنه نفس السبب الذي جعل الجميع شعراء وكتابا يستشيطون كتابة .. ضراوة الغضب ومرارة الخزي اليومي والإجباري تجاه ما يحدث .. تجاه صمت العرب وعجزهم .. تجاه صمتي وعجزي وفشلي في قيادة روحي . وما أقصى ما يمكن يفعله عاجز شاعر بمثل هذا الخزي ورازح تحت وطأته في كل لحظة ... بمعنى أخر ما جدوى الكتابة هنا ؟ وليس للكتابة هنا في رأيي آيه جدوى .. فما أخذ بالذراع لن يعود إلا بالذراع وما أخذ بالسيف لن يعود إلا بالسيف .. وهذا بديهي وكلنا يعرف ذلك تماما رغم الاستفهام " الاستعباطي " المستمر .

 

هل يعد كتابك نوع من التنفيس عن الوضع الحالي؟
نعم فكتابي رغبة في التنفيس ليس أكثر ولا أدعي أنه يقدم إضافة على الإطلاق .. ربما جاء مختلفا وإذا كانت الكتابة تأتي غالبا نتيجة إخفاق روحي , فما حدث ويحدث يتجاوز حدود الإخفاق بكثير .. إنه العار والهزيمة المهنية والسقوط الروع مما يجعل الكتابة الآن اتفه أنواع الأسلحة وأخفها وأرخصها وهو ما يشير إليه بياض الكتاب ببساطة شديدة جدا .

 

لقد ضيعتي  بكتابك هذا قوة الكلمة؟
بالعكس ولكنى لا يمكن أن أتحول إلى ببغاء فأردد نفس الكلام عن فشل الأنظمة العربية والسياسات الحكومية وسقوطها في عجز مهين , وعن أن أتمسك بهذا النظام على وضعه الحالي كمن يضع رأسه في الرمال .. عن فشلها في بلورة موقف عربي واضح وموحد حيال ما يحدث من أزمات بل وفي توحيد إرادتها على الحد الأدنى من مصالحها , ففي الوقت الذي تتجه فيه دول العالم إلى التكتل في تجمعات إقليمية واقتصادية ضخمة تحقق مصالحها وتحافظ عليها يزداد العرب تفرقا وانقساما وتباينا في المواقف وسط غياب الرؤية المستقبلية الصحيحة وإرادة إصلاح سياسي حقيقي لنتجاوز الأزمة وكلنا نعلم ذلك وما يزيد من مرارة الوضع الراهن هو فشل كل المحاولات الجادة للم الشمل العربي مثلما حدث في المبادرة السعودية والمصرية التي هدفت إلى توحيد الصف العربي ومواجهة التحديات وعلى العكس تماما فقد واجه العرب كل المبادرات بالنقد والاختلاف وكأن هدفهم الأول والأخير هو إجهاض أي محاولة واعية من شانها أن توحيد وتقوي العرب .... على أي حال رسمت رؤيتي الخاصة باقتضاب وبصراحة شديدة في صورة منشورة بفهرس كتابي في صفحته الأخيرة , فنظرة واحدة منك , نظرة سريعة لا تحتاج إلى أدنى تأمل أو جهد يمكنك من خلالها أن تعرف رأيي بصراحة ووضوح تام .

 

للصهيونية جرائم سبقت عام 1945م فلماذا اخترتي هذا التاريخ؟
على الرغم من أن جرائم الصهيونية العالمية ترتكب في الوطن العربي قبل ذلك بكثير اخترت هذه الفترة من عام 1945م وهو تاريخ توقيع ميثاق جامعة الدول العربية ( بيت العرب ) الذي يرمز للرابطة العربية والقومية العربية وللعمل العربي الموحد .. لأعبر عن خيبة أملنا جميعا فيما كنا ننتظره منها , من القيام بدور مطلوب تجاه المخاطر العديدة التي تحدق بالعالم العربي …

فحين يصبح الرمز عاجزا عن توحيد إرادة شعوبه وحفظ أمنهم في عالم أصبحت فيه القوة والسطو المسلح وقانون الصفقة وقانون الغابة هم البديل عن الشرعية والقانون حين يصبح خيال مآته أو كيانا آيلا للسقوط غير قادر على مواجهة التحديات بسبب العجز الهائل للإرادات العربية يتراكم الإحباط والشك وغياب الثقة بالقدرة العربية , ونحن جميعا في حالة إحباط ويأس تصل بنا إلى حدة الاتهام بالشك في انتمائنا العربي و وحالة تصل إلى فقد الأمل في قدرة النظام العربي على إصلاح نفسه إلى حد التساؤل عن جدوى وجود " صنم " في وسط الميدان العربي يدعى الجامعة العربية يعجز عن حماية نفسه و ولا يريد أن يتحمل مسئولية إسقاطه وهدفه .

 

تعمدتي ترقيم صفحات كتابك " كل ما قام به العرب " رغم أن تجربتك الأولى الذي كان عنوانه " ولا حاجه " كان عدم الترقيم متعمدا وأيضا كان الغلاف داخلي فما الهدف من وراء ذلك؟
هذا صحيح فالترقيم في ديوان " ولا حاجه " كان متعمدا ولا يعني ذلك أنني سأكرر عدم ترقيم الصفحات كلما كتبت أو أقدمت على تجربة جديدة فالديوان الأول " ولا حاجه " كان حالة من فقدان التوازن تحرضك على أن تغلب موازين الأشياء , تناقض معذب وقلق روحي ولا أستقرارية بمعنى فوضى روحية .. تشتت يكفر بالترتيب المزعوم للأشياء ويرفض النظام المؤسسي المزيف فينقلب عليه ساخرا من فكرة الأرقام والفهارس والأنساق الكتابية المفروضة سلفا .... أما في كتابي الثاني " كل ما قام به العرب " فالأرقام تلعب دورا أساسيا في فضح العجز المذري والسخرية منه وتضخم الكتاب أو تحويله إلى مجلد أمر مقصود وموظف لتحقيق هذا الغرض تحديدا فقد تعودنا على أن يسجل التاريخ أو حقب الكفاح الطويلة للأمم والشعوب في مجلدات ضخمة … أن تفتح مجلدا في حجم المجلدات التاريخية المرعبة بمضخماتها وثقلها متوقعا أن تقرأ تاريخا حاملا بالمواقف والكفاح الطويل خلال حقبة تصل إلى أكثر من نصف قرن من الزمان ثم تفاجأ ببياض تام فذلك هو المسخرة بعينها ... كما أن جودة الورق والطباعة الفاخرة نفسها شرط أساسي لتحقيق تلك السخرية وليس بذخا ورفاهية كما أعتقد البعض للوهلة الأولى .... لم يأت اختفاء الغلاف بداخل كتابي الأول غلطة كما اعتذر عنه بالاحتفاء بغلاف كتابي الثاني .... و أتذكر سطحية البعض ممن ادعوا أنني أحاول أن أعوض في كتابي الثاني ما فاتني في كتابي الأول وكأنني بإضفائي لاسيما وغلافي بداخله فاتني الكثير !!!! متجاهلين أنهم هم بأنفسهم كانوا مأخوذين بفكرة هذا الشكل الذي يخدم المضمون ويعكسه ولا ينفصل عنه لكن ماذا تقول في الغيرة الرهيبة في وسطتنا الثقافي وفي العجز عن التعامل مع الأفكار المغايرة والكتابة المختلفة وتناولها بحياد نزيه يعلو عن الفضول والأهواء والعقد الشخصية .

 

ما الهدف وراء اختفاء غلاف كتابك الأول بالداخل؟
الهدف ليس حيلة لجذب القارئ كما رأى البعض رغم أنه لاغضاضه جزء من التجربة الإبداعية بحيث تقدم للمتلقي تجربته في شكل جديد ومختلف ومع ذلك يظل الشكل هو آخر ما يفكر فيه المبدع وحدها التجارب هي التي تختار أشكالها وهي التي تفرض شكلا ما دون آخر فعبر أغلب القصائد التي تضمنها الكتاب يتكرر الحلم بالطيران والحرية والانفلات خارج أي سياج أو جدران أو أطر لماذا لا يتحقق هذا إذن عبر الكتابة , لماذا لا يتخلص كتابي الذي هو ذاتي من تلك القيود ولإطر من إطاره ويبقى مفتوحا أبدا  ... والغلاف هنا رمز لكل القيود الذاتي الكتاب المقموعة غالبا لماذا لا تمارس هي القمع مرة لماذا لا تجربة ولو من باب التشفي الطفولي في فرخين من ورق مقوى يشكلان معا ( ضلفتي باب ) سجن الكتاب .... أما في كتابي " كل ما قام به العرب " فلابد من أن يكون له ليس فقط غلاف واحد أسود , بل أكثر من عشرة أغلفة سميكة وسوداء " كلما أمكن " لستر العار والخزي وبقدر ما كان الغلاف مرفوضا كقيد في كتابي الأول فهو ضرورة كساتر في الكتاب الثاني .... ومن هنا يصبح استعراض غلاف خارجي عليه الاسم والعنوان بشكل مؤسسي ونظامي قديم وجاهز لكتابة غير طبيعي " من الداخل " هو السخرية طريقتها في هذه المرة ومن فشل الأنظمة العربية .

 

كيف كان رد فعل المثقفين تجاه كتابك "كل ما قام به العرب"؟
بعض المثقفين فرح بالكتاب مع شيء من الدهشة لجرأة الفكرة وهناك من اعتبره طرفة وهو محق وابن نكته كسائر الظرفاء العرب !! ومن اعتبره نكته سخيفة وهو الآخر محق ومن اعتبره لا شيء على الإطلاق وهو أيضا محق لكنه لم يدخل في زمرة من أكتب لهم أنا لا أكتب إلا لهؤلاء للوحيدين والمجانين والفشلة ولكل الذين إذا استمعوا لمحاضرات النقاد اغرقوا في النوم قطعا أنا متوقعة لردود أفعال أسوأ مما تتخيل إزاء هذا الكتاب لكني أسال بدوري … هل تختلف " طرفتي " كثيرا عن مئات النكات الساخرة التي ملت صفحات الجرائد والمجلات أثناء الحرب الظالمة على العراق وما زالت … هل تختلف سخافتها عن سخافة كل ما كتب ويكتب وسيظل يكتب عن ما لم يستطع كبار المتشدقين من مثقفين وباحثين ومعلقين ومحللين سياسيين وخبراء إستراتيجيين إضافته يا عزيزي " الوكسة الفادحة " والعجز العام ويشملنا جميعا وكلنا أصبحنا نكته سخيفة يتندر بها الأخر ويضحك حتى تدمع عيناه ويسعل .. ما أسخفنا جميعا .. و لا أستثني أحدا .

 

ذكرتي أنها الطبعة الأولى والأخيرة من هذا الكتاب؟
قطعا هي الطبعة الأولى والأخيرة ولا أتوقع أن هيئة أو سلسلة أو دار للنشر سوف يصل مستوى جنونها لأن تتولى نشر كتاب مجنون كهذا .. فنحن هنا في الشرق … هل تتذكر ؟!! ناهيك عن أنني شخصيا لم يعد لدي سوار ذهبي آخر أبيعه لطبع مائة نسخة غير المائة التي تم طبعها بشكل أنيق وملفوف بهر البعض فاعتقد أنني مليونيرة غير موجوعة مثلهم أو حوت من حيتان النشر !!!