يعبر عن خطاب جمالي ينتمي إلى لحظة حضارية لا تخضع للعرض والطلب

مصمم الأزياء المغربي هشام أمليل لـ"عربيات":

خديجة الفتحي- المغرب
صور وفيديو

على غرار المصممين العالميين يسعى مصمم الأزياء المغربي هشام أمليل لأن يبصم علامته التجارية، وأن يدمج  ما بين الكلاسيكي والحديث ومعطيات الفن والحياة منطلقا من الهوية الحضارية المغربية المنفتحة على العالم، أمليل الذي يتسلح بالثقة في النفس والبساطة والعمق في تصميم الملابس الرجالية تلتقيه "عربيات" أثناء مشاركته في مهرجان "فيستي موض" الذي عقد بالدار البيضاء مؤخراً، وخصصت دورته في هذه السنة للمصممين المغاربة بالخارج، في هذا  اللقاء يتحدث عن بداياته وأحلامه وبعضاً من عقبات فإلى الحوار.
 

لو تتفضل بورقة تعريفية لهشام أمليل ؟
اسمي الكامل هشام أمليل من مواليد سنة 1972 بمدينة الدار البيضاء، و بها تابعت دراستي الابتدائية والثانوية، ولما بلغت سن التاسعة عشر هاجرت صوب الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال الدراسة، حينها وجدت الفرصة سانحة لأقتحم عالم الموضة إلى جانب متابعة الدراسة، ولا أخفيكم أن تعلقي بعالم الموضة والأزياء والتصاميم يعود إلى مرحلة الصبا، وهو ما دفعني في مرحلة متطورة من عمري لأن أفاتح والدي في الموضوع، واقترحت عليه الالتحاق بأحد المعاهد الخاصة، غير أنه واجه طلبي بالرفض على اعتبار هذه المهنة في نظره، مخصوصة للجنس اللطيف فقط، وهو التصور الذي كان سائدا ولا زال لدى العديد من الأسر المغربية، وكان والدي يحثني على الدراسة بشكل جيد ويتمنى في أن أصير يوما ما طبيبا أو قاضيا.

رحلتك نحو أمريكا إذن جعلتك تتحرر من سلطة الأب لتحقق طموحك؟
ليس بالمعنى السلبي، فهذه المعوقات موجودة في مجتمعنا العربي ككل، وعلى الشاب أن يجد الوسيلة الناجحة في اقناع الأهل بصواب وجهة نظره دون أن يكون ملحاً، فوالدي كغيره من العديد من الناس يخلطون بين الخياط و مصمم الأزياء، وهذا لا ينفي طبعا من وجهة نظري مهارة الصانع التقليدي وحذقه، فالفرق بين المهنتين مثل الفرق بين مصمم الديكور والصباغ، ونفس الأمر بين هذا الأخير والفنان التشكيلي، وللأسف الشديد لا زالت العديد من المهن في بلادنا ينظر إليها بازدراء شديد، ويعبر عن ذلك بالإشارة والقول "إنه مجرد حلاق" مثلا، في حين تعد هذه المهنة في أوروبا من أشرف المهن، وقد تحظى بشهرة عالية، ودورنا نحن جيل اليوم أن نرد لها الاعتبار، ونثبت بالملموس قيمتها الحضارية بالنسبة للمجتمع.


أمزج بين الماضي والحاضر، وخلف شهرتي سيدة ايطالية


كيف باشرت المهنة؟
حين التحقت بالمهجر، كان علي أن أواجه قدري وأرفع التحدي بالبحث عن مورد رزق لتأمين مصاريف الدراسة والمأكل والمشرب والاستقرار، وفي نفس الوقت أن أرسم لنفسي طريقا نحو عالم الأزياء، فرحت أطرق أبواب بعض المؤسسات المختصة في مجال الموضة بحثا عن عمل، علما أنني كنت أحمل حلم ولم أكن أعرف نقطة البداية التي انطلق منها لتحقيقه، وكان الحظ بجانبي حين استقبلتني ذات صبيحة سيدة إيطالية تسمى "كريزيا"، والتي صارحتها برغبتي في أن أفتح شرفة أطل منها على هذا العالم، مبديا استعدادي للانطلاق من الصفر، فما كان منها إلا أن آمنت بمشروعية طموحي، وأعطتني فرصة لإبراز موهبتي في حدود يومين، وأمرتني بوضع تصاميم لبعض الستائر، فاكتشفت بأن هناك طاقة إبداعية كامنة داخلي وعليها أن تبرزها إلى الوجود، وبذلك ستهبني العديد من المعارف والمبادئ في مجال فن التصميم ولم تبخل يوما في الإجابة عن استفسار أو معلومة، وسأبقى مدين لجميلها ما حييت، فبفضلها تأهلت ماديا لخوض غمار التكوين في معهد خاص دامت فترته ستة أشهر، لأدشن انطلاقتي الفعلية نحو عالم الموضة، حيث بدأت أشق طريقي بإصرار، ويوما بعد يوم أكسب الاحترام في الأوساط المهنية الأمريكية ولدى العملاء نظرا لجديتي و تفانيّ في عملي.


هل ينتمي أسلوبك لمدرسة محددة؟
أنا منفتح على جميع المدارس، وأسعى أن تتميز أعمالي بالتفرد وذلك بدمج الأشكال الحديثة مع التقليدية الأصيلة، أي التصاميم العالمية القديمة والجديدة في أسلوب واحد يستوحي بعض عناصره أيضا من المجالات الحياتية والفنية، لأقدم رؤيتي وتصوري الإبداعي الخالص الذي ينبني على البساطة والجاذبية وسحر الأناقة والجودة.


هل التكوين يعد كافيا لولادة مصمم؟
لا أظن، فالموهبة مقرونة بالتكوين الذي يعد شرطا أساسيا، إضافة إلى المدارس والاحتكاك والبحث الميداني الدائم والمستمر لفتح آفاق الإبداع، وهذا الأخير ليس شرطا من شروط النجاح إذ لم تتوفر له آليات تضئ بهاءه، وهي آليات تندرج ضمن ما يصطلح عليه فن التسويق، لأنه إبداع كذلك في الخطط للوصول نحو الشهرة وطرق التعريف بنفسك، لكن لا يعني ذلك أن يكون هدفك هو الوصول إلى الشهرة وبأسرع وقت ممكن، فالزمن يفعل ذلك أحياناً، وهناك فنانون لم يثبتوا أنفسهم في عالم الموضة إلا بعد عشرين سنة، وبنظري فترويج اسم الفنان إعلاميا قد يكون أمرا سهلا، لكن يخفت بعد حين، أما إذا استطاع أن يفرض علامته التجارية المميزة ضمن"الماركات" المصنفة ففي هذه الحالة قد يكون اقترب من ضفة الخلود في هذا الزمن المعولم.


وهل يسير هشام في هذا المنحى ؟
ألتهم المسافات ببطء، وأشعر أني سائر في الطريق الصحيح، وأسعى لأكرس علامة تجارية حمل اسم "أمليل"، وبتمويل ذاتي بسيط يعتمد على إمكاناتي الخاصة لكوني لا أتوفر على داعم مختص رسمي يمكنه أن يروج لمنتجاتي وعلامتي عبر وصلات إشهارية وإعلانات في أكبر الصحف والمجلات.

ارتدي تصاميمي فأسوقها، وسأقبل على الأزياء النسائية في هذه الحالة


إذن كيف تسوق لنفسك ؟
أولا وثانياً وثالثا الجودة، فأنا اعتمد على صناعة اليد، واشتغل في هذا الإطار مع معمل تعود ملكيته لأحد الأمريكيين من جنسية ايطالية، هاجر من روما إلى أمريكا منذ سنة 1954، ويعد خياطا مميزا وعبقريا، يضيف للتصميم بهاء الصنعة وتوازن بين الشياكة والبساطة.
وبالمناسبة فأنا مختص في الأزياء الرجالية، وكنت في بداية مشواري أمشقها فوق جسدي وانطلق نحو الأماكن العامة، محلات، فنادق..الخ، لأتواصل مع الناس بشكل عفوي وأنسج علاقات عامة، وكان هندامي يحظى باهتمام لافت يجعل البعض يتساءل عن مصمم هذا الزي، وبذلك تتاح لي الفرصة لأعرف بنفسي، والآن بفضل عون الله وثقتي بالنفس أصبح لي عملاء في العديد من بلدان العالم، انجلترا، فرنسا، البرازيل، أمريكا...وغيرها، وبفضل هؤلاء أنا متيقن أن أعمالي ستشع في العالم كونها توفر لي تطوير المشروع، هذا طبعا إلى جانب المعارض التي تضمن لي المزيد من الإشعاع، وقد أنجزت لحد الآن ثمانية معارض بنيويورك ما بين 2006 و2010، إضافة إلى هذا الملتقى، وسبق أن وجهت لي الدعوة لتقديم معرض بدبي بالإمارات العربية ولم تكن الظروف سانحة لتلبية الدعوة.


لماذا اقتصرت تصاميمك على الأزياء الرجالية دون النسائية ؟
الأزياء النسائية أدنو منها في البعد ولا أبتعد عنها في قرب، حاضرة في البال وسيأتي زمنها بعد أن أركز مشروعي الخاص بالرجال والحامل لبصمة تطل على الحضارة المغربية، وهي مهمة ليست بالسهلة، وأظن أن القفطان المغربي حاضر بقوة على الصعيد العالمي بفضل مجموعة من المصممين الذين ينتمون إلى الجالية المغربية بالخارج، فضلا عن مصممي الداخل، والأهم في هذا كله أن يجد هؤلاء المبدعون الدعم من الدولة والقطاع الخاص ليس على مستوى تنظيم المعارض فقط فهذا أصبح أمرا متاحاً، لكن هذا الدعم يجب أن يتوجه نحو النهوض بصناعة النسيج وفق تصورات وخطط لها القدرة في جعل اللباس المغربي قادرا على أن يفرض نفسه كأسلوب في الحياة العامة للأوروبيين، كما هو حالنا نحن مع البدلة الأوروبية وربطة العنق التي فرضت نفسها بفضل المصممين الفرنسيين والإيطاليين الذين لم يكونوا يشتغلون في جزر معزولة بل ضمن نسيج مجتمعي ثقافي صناعي سياحي وحضاري بشكل عام، وعلى هذا الأساس أطمح في أن أبصم علامتي التجارية، وفي أن يكون هذا مطمح جميع المصممين المغاربة المحترفين الذين شاركوا وبكثافة في هذا المهرجان، وحين أصل لهذا المبتغى سأقبل على الأزياء النسوية، وسيكون مفروضا علي أن أقدم إضافات نوعية جديدة وبملامح تحمل هي أيضا علامة "أمليل".


المناخ الثقافي يرفض مهنة عارض الأزياء، والأسبان فشلوا في إبراز الخطاب الجمالي 


لوحظ على مهرجان "فيستي موض البيضاء" الأخير حضور عارضات أزياء إسبانيات، فهل المغرب يفتقر لعارضات أزياء محترفات؟
لازال اهتمامنا في المغرب يعد ضعيفاً بهذا الفن، وإن كنا نتوفر على طاقات في هذا المجال، وهذا يرتبط في وجهة نظري بطبيعة المناخ الثقافي السائد، فالعائلات المغربية لا تقبل أن يمتهن أبنائها إناثا أوذكورا عرض الأزياء، مع أن هذه المهنة يمكنها أن تشكل لمجموعة من العائلات مورداً للدخل دون أن يمس ذلك المسار الطبيعي للإبن أو البنت على مستوى الدراسة كما هو الشأن في أمريكا وأوروبا، إذ يمكن للعارض أو العارضة مابين 16 سنة و23 سنة أن يوازن بين دراسته وعمل عرض الأزياء، لأنهم يعتبرونها مهنة شريفة.


ماهي مواصفات عارضة الأزياء وهل هذه المهنة تحتاج إلى تكوين؟
لا توجد مدارس في هذا الشأن بمختلف بلدان العالم، لكن توجد وكالات تتبنى العارضين، وإتقان هذه المهنة يأتي بالحب والرغبة في إبراز الشخصية من خلال الملابس بأبعادها الحضارية، لأن الملابس تجسد روح الشخصية وتلامس عمق هويتها وتبصم امتداداتها التاريخية والزمانية، من هذا المنطلق فالجمال والرشاقة والجاذبية والوسامة بالنسبة للذكور، تعد من المعايير الأساسية لكنها تظل غير كافية، وهذا ما يمكن ملاحظته بالنسبة للعارضين والعارضات الأسبان الذين قدموا للعرض في "فيستي موض"، إذ لم يكن لهم حضور قوي على مستوى إبراز الشخصية، فالمصمم ليس تاجراً يسعى إلى البيع فقط، بقدر ما يروم تقديم خطاب جمالي ينتمي إلى لحظة حضارية وإلا تم توظيف الدمى لهذا الغرض.