هجرة الأدمغة لها نتائج مأساوية وخطيرة

البروفيسور كمال صنهاجي مكتشف دواء الإيدز في حوار صريح لـ" عربيات "

رشيد فيلالي - الجزائر
صور وفيديو

يعتبر البروفيسور الجزائري كمال صنهاجي أحد أبرز الباحثين العالميين حول داء الإيدز، يُشرِف في الوقت الحالي على ثاني أكبر مستشفى جامعي بفرنسا في مدينة ليون، التي درس فيها منذ كان في المرحلة الثانوية، فهو من مواليد 1954 بالجزائر العاصمة، عمل أستاذاً جامعيا منذ العام 2000 ودخل معترك السياسة عنوة من عام 2002 إلى غاية 2007 ليخرج منه بتجربة مريرة وفقاً لتصنيفه، حصل على عدة جوائز وتكريم من أعلى المستويات.
للبروفيسور صنهاجي  أكثر من 100 بحث علمي منشور في أكبر وأشهر الدوريات العالمية، وفي الوقت الراهن يستحيل أن يعقد ملتقى في العالم حول داء الإيدز ولا يستدعى إليه، هذا الرجل المتواضع دائم الابتسام الذي زار بلده الجزائر مؤخراً بدعوة من جمعية ثقافية علمية بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري ليقدم محاضرة هامة للغاية حول داء الإيدز بعد مرور 29 سنة على اكتشافه وهناك التقته عربيات فكان هذا الحوار .


البروفيسور كمال صنهاجي اكتشفت علاجا للإيدز وأطلقت عليه مصطلح العلاج الجيني، لقد حصلت على براءة اختراع هذا العلاج في الولايات المتحدة في الوقت الذي لم يُعترف به في الجزائر، ما تعليقك ؟
علينا أن نعترف بأن ثقافة البحث العلمي لا توجد في الجزائر، ولا زلنا مع الأسف متخلفين فيها إلى أوسع مدى، فواقع الحال يكشف ويعري أمامنا حقيقة مرة وهي عدم وجود سياسة واضحة في هذا المجال، علماً بأن البحث العلمي هو المعيار الحقيقي للتقدم الحضاري في الوقت الراهن.
فعلي سبيل المثال مصر -رغم ما يحدث فيها الآن- وإيران لديهما هذه الثقافة المفقودة لدينا والتاريخ يشهد أن لديهما مساهمات ضمن هذا المجال، حيث تعتقد كلاً منهما أن البحث العلمي من أفضل أنواع الاستثمار والذي مع الوقت والتراكم المعرفي سنحصل من خلاله على مردود عظيم و أكيد، أما نحن فقد ضيعنا الكثير بإهمالنا وسوء تقديرنا للأمور.

 

 المنهجية العلمية هي الفاصل في فعالية العقاقير الجديدة 


نسمع بين الفينة والأخرى عن إعلان اكتشاف علاج للإيدز،  ما مدى صحة هذه الاكتشافات ؟
أتصور أن كل هذه المبادرات إذا لم تكن مبنية على بحث مدون بطريقة منهجية وعلمية واضحة وصارمة فلن يعترف بها لدى الدوائر العلمية الجادة، وحتى في فرنسا توجد هناك أدوية بالأعشاب ولكن هذه الأدوية غير معترف بها حتى وإن أثبتت هذه العقاقير فعاليتها وأظهرت نتائج إيجابية، وذلك لكون هذه الأدوية لم يتم تقديمها وفق تركيبة كيمائية خاضعة للتجربة وإعادة التجربة، كما أنها لم تثبت فعاليتها الدائمة وبالكمية المقننة، وهي الخطة العلمية والمنتهجة ضمن كل بحث علمي صحيح ودقيق ومن هنا فإن أي كلام بعدها يصبح لغواً فارغاً إن لم نقل أنه ضرب من الدجل والشعوذة .


بعد 29 سنة من ظهور الوباء هل تؤمن بفرضية أن فيروس الإيدز من صنع أجهزة المخابرات كما يشاع؟
يا أخي لا أكاد أصدق مثل هذه الفرضيات، إذ من يكون له نية في التفكير بهذا المشروع المرعب؟، الرجل العلمي يستحيل كمؤمن بالقيم الإنسانية العليا أن يفكر بهذه الطريقة الشيطانية.

العالم العربي يصرف على المنشآت ويتجاهل الإنسان

هل أعطى مؤتمر تورينتو بكندا -الذي تم تنظيمه حول داء الإيدز عام 2006 وسجل أكبر حضور علمي بلغ 30 ألف باحث - نتائج علمية ملموسة وإيجابية ؟
نعم، ويعود الفضل في ذلك إلى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون الذي منع الاستغلال المادي لاكتشاف الخريطة الجينية البشرية لأنها ملك للإنسانية جمعاء، وكذلك بيل غيتس صاحب شركة ميكروسوفت الشهيرة الذي قدم هبة ب 500 مليون دولار لتطوير الأبحاث حول أدوية الإيدز، علماً بأن دولة عظمى مثل فرنسا لم تساهم في هذا الصدد سوى ب 250 مليون دولار مع أن الإيدز فتك بالكثير من مواطنيها!
لقد كانت النتائج مفرحة لهذا المؤتمر الضخم، إذ كان لمثل هذه المساهمات وغيرها الفضل في إيجاد علاج بتكاليف مقبولة يمكن أن تعالج المصابين في الدول الإفريقية الفقيرة والتي ليس في وسعها اقتناء الأدوية الباهظة الثمن (على غرار العلاج الرباعي الذي يكلف ما بين 10 إلى 15 ألف دولار سنويا) وهناك أيضا العلاج الجيني Gene Therapy الذي اكتشفته ويمكن استغلاله بعد سنتين فقط حيث أعطى نتائج حاسمة ومشجعة على الفئران وهذا العلاج غير مكلف وليس له أعراض ثانوية خطيرة.


في تصوركم لماذا يحقق العقل العربي في الخارج المعجزات فيما يظل شبه مشلول في بلاده ؟
هي قضية احترام للعلم والعلماء، إضافة إلى الإمكانيات المتاحة، كما يوجد هناك عامل آخر يتمثل في حسن التنظيم والتسيير واختيار الأولويات، حيث لازلنا في الجزائر وسائر البلدان العربية نصرف الملايين على الهياكل والمنشآت الضخمة لكننا نهمل تربية الإنسان الذي هو الرأسمال الحقيقي والدائم الذي ينطلق من التكوين البيداغوجي الصلب منذ الصغر، إن تجربة اليابان أكبر مثال على ذلك وحتى إسبانيا والتي كنا في الجزائر على خط مواز معها في السبعينيات من القرن العشرين تمكنت -بالرغم من أنها بلد زراعي- في ظرف وجيز أن تصبح من الدول الغربية المتقدمة، لقد كنا بلداً نامياً حقيقة وكان المشارقة وجيراننا المغاربة وحتى الدول الإسلامية على غرار إيران ينظرون إلينا بإعجاب واليوم تجاوزونا جميعاً ونحن نحاول اللحاق بالركب بعد أن ضيعنا الكثير من العقول والجهد والمال والمعنويات.


سؤال أخير بروفيسور كمال هل أنت متفائل بمستقبل الإنسانية ؟
بالرغم من كل شيء إلا أنني متفائل، لأن قوى الخير دائماً هي التي تنتصر في نهاية المطاف على قوى الشر، والدليل التوازن البيئي الذي يحيط بنا لم يكن ليستمر كل هذه السنين لولا ذلك.