عندما نتحدث عن وحدة الصفوف، أقول ليس هناك صف حتى تكون له وحدة

الدكتور محمد عبده يماني: لو تخلصنا من ضعفنا لن نخشى من التأثر بغيرنا

عربيات - خاص: مي كتبي
صور وفيديو

ينضم لعقد رموزنا العربية في مجلة عربيات اليوم وزير الإعلام السعودي الأسبق وأول مدير لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة والمفكر الإسلامي صاحب عدد من المؤلفات والدراسات والبحوث الإسلامية ، معالي الدكتور محمد عبده يماني... لنسعد بصحبته مع قرائنا في الحوار الذي تناولنا فيه الأزمات التي تمر بها الأمة الإسلامية ودعا من خلاله إلى استخلاص العبر من أزمات الأمة السابقة وضرورة الإهتمام والاستثمار في النظم التعليمية وتطوير الخطاب الإعلامي. ونترككم مع ضيفنا الكريم .

ماهي قرائتكم للأزمات التي تمر بها الأمة الإسلامية اليوم، ورؤيتكم لسبل تجاوزها؟
في الواقع بالرغم من أن الأمة الإسلامية قد مرت بها محن عديدة عبر التاريخ إلا أنها اليوم تواجه هذه المحنة وهي مترهلة ولم تعد تهتم بالأهداف الأساسية فأصبحت تعيش في حالة من الضياع ، والعرب تقول إذا ضاعت القافلة فعليها أن تعود للنقطة التي انطلقت منها ، وبالتالي ليس لنا إلا العودة للمباديء الأساسية التي انطلقنا منها كأمة إسلامية لها منهج وضعه الرسول عليه الصلاة السلام ليكون منهجاً للحياة يتضمن قوانين أساسية لا غنى لنا عنها إذا أردنا البحث عن مخرج... وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".

 

في خضم هذه الأزمات التي تمر بنا نلاحظ اتساع الفجوة وتزايد الخلافات بين المسلمين فيما بينهم ، فماهو السبيل لتوحيد الصفوف من وجهة نظركم؟
عندما نتحدث عن وحدة الصفوف، أقول ليس هناك صف حتى تكون له وحدة!.. فالساحة تعج بالفوضى وكل يغني على ليلاه... ومن الصعب أن تتحد دول كل منها منشغل بشأنه وهمه الخاص، أو تجتمع أقليات لاتفكر إلا بمصالحها.. نحن اليوم أمة تمزقت من الداخل وانشغلت بالصراع فيما بينها فنجد العلماء يهاجمون بعضهم البعض والشعوب متنافرة وحتى الأخوة في البلد الواحد يتنابذون بالألقاب... وأقول مع الأسف، لسنا على قلب واحد لأننا ابتعدنا عن جوهر الدين الذي جعلنا أمة واحدة، ولن نتوحد من جديد إلا إذا اتفقنا على أن نعود للمنهج الأساسي ونجتمع على كلمة سواء.

 

يتخوف البعض من الضغوط الأمريكية وتدخلاتها في المنطقة ومطالبتها بتغيير الأنظمة التعليمية وما قد ينتج عن ذلك من آثار سلبية، فهل تؤيديون هذه المخاوف؟
العرب تقول "الفاعل شيء والقابل شيء آخر ولولا قابليتك للتأثر لما استطاع الفاعل أن يؤثر عليك" فلو تخلصنا من ضعفنا لن نخشى من التأثر بغيرنا... كما علينا أن نعي أن جميع الدول من الطبيعي أن تواجهها التحديات التي تستوجب اجتماع أهل الفكر والعلم والسياسة لإيجاد المخرج... وقد مرت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأزمة هزت اقتصادها من جراء غزو البضائع اليابانية لها فتوقفوا لقراءة المسببات وضعوا الخطة الشهيرة التي بدأت بسؤال America what went wrong أمريكا أين الخطأ؟... وتوصلوا لحقيقة مهمة هي أن الخطأ والخلل في النظام التعليمي الذي لم يكن ينتج الفرد العامل وهذا ما أدى إلى أن يكون ثمن البضاعة الأمريكية أعلى من اليابانية فاتجهوا مباشرة إلى إصلاح الخلل بإنشاء عدد أكبر من المعاهد وكليات التقنية .... الهند كذلك كانت دولة متأخرة يعاني شبابها من البطالة والفساد وتغلبوا على ذلك بغربلة أنظمة التعليم وخلال 15 سنة أصبحت الهند تنافس البلاد العربية والإسلامية ، واليوم أمريكا والدول العظمى والمتقدمة تخطب ود الهند وتستورد منها في السنة مليون شاب وشابة للعمل في التخصصات التقنية التي جائت ثروة الهند منها .... هذه التجارب تؤكد أن وجود أي خلل أو ضعف أو ارتباك في أنظمة التعليم ينعكس سلباً على البلاد وتقدمها بشكل عام وعلى جميع الأصعدة ، فعلينا في الخليج والمملكة العربية السعودية تحديداً أن نعي أن رأس مالنا ليس البترول ولكن الموارد البشرية والقوى العاملة التي لايعقل أن نقبل بالإستعاضة عنها بـ 5 ملايين وافد معللين ذلك بأن الشاب السعودي غير مؤهل أو رافض للعمل في بعض المجالات .

 

إذن، كيف نواجه ذلك؟
أكرر ، لابد من أن نحترم التعليم ونعيد النظر في برامجه ومناهجه لنوجد شباب قادرين على العمل والإنتاج ونغرس فيهم قيم العمل منذ المراحل الدراسية الأولى في المدارس ليدركوا عند تخرجهم أنهم سوف يستمدون قيمتهم في المجتمع من خلال عملهم الشريف في أي مجال يخدم الوطن ، كما علينا معالجة الحد الأدنى للأجور وإجبار الجامعات ومعاهد التدريب على الإهتمام بالتخصصات التقنية والعلمية لتخريج كوادر مؤهلة على أعلى مستوى في هذه المجالات الهامة .... فمن العار أن يحصل الشاب على شهادة تخرجه دون أن يتقن الحاسب الآلي ونحن نعيش في عصر التكنولوجيا والإتصالات الذي من المتوقع وخلال الخمس سنوات القادمة أن يصبح من لايتقن لغة العصر وأدواتها من الشباب في عداد الأميين مهما تفوق بشهاداته في تخصصات أخرى .


طرحتم فيما مضى فكرة السوق الإسلامية المشتركة وتعزيز العلاقات الإقتصادية بين الدول الأعضاء في رابطة العالم الإسلامي لمواجهة الغزو الإقتصادي الأجنبي وتحقيق الإكتفاء الذاتي للأمة الإسلامية ، فماهو مصير هذا المشروع؟
بكل أسف المناخ غير ملائم لإقامة سوق إسلامية مشتركة وقد ضاعت الفكرة أو بقيت حبر على ورق لغياب صدق النوايا والتخطيط ورغبة كل دولة بأن تستأثر لنفسها بنصيب الأسد، فاستحال التكامل... ولن ننجح بتحقيق هذا الحلم مالم نعي خطورة العولمة التي توشك على اكتساح حدودنا وغزو اقتصادنا من الخارج بكافة الصور .

 

لكم باع طويل في مجال الإعلام بداية بتوليكم وزارة الإعلام السعودية إلى رئاسة مؤسسة اقرأ ، فماهو رأيكم اليوم في الدور الذي يؤديه الإعلام العربي بمواجهة الأزمات المتتالية على الدول الإسلامية؟
أرى الإعلام العربي بعيد كل البعد عن الواقع الذي نعيشه وجهودنا الإعلامية في الخارج مهدرة ، فنحن لازلنا نراوح بين الغرق في اللهو أو الإمعان بمخاطبة أنفسنا دون أن يكون لنا منبر إعلامي أو صوت مسموع في العالم الغربي، بل حتى لو نظرنا إلى إفريقيا وآسيا سنجد أننا انقطعنا عنهم إعلامياً ولم نوجه لهم قناة فضائية واحدة بلغتهم بالرغم من أنهم عمقنا التاريخي والسياسي وأخوة لنا في الدين .... نحن بأمس الحاجة لاستشعار المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية لنضطلع بدورنا في تصحيح الصورة المشوهة التي يرسخها الإعلام الغربي عن الإسلام كما علينا أن نحرص على المصداقية في إيصال المعلومة فلكثرة ما كذبنا أصبحنا بحاجة إلى سياسة إعلامية جديدة نصل بها إلى عمق العالم وهذا لايتحقق إلا بانشاء مؤسسات إعلامية قوية أو على الأقل النهوض بوكالة الأنباء الإسلامية التي لايدري عنها أحد وتعمل من مكاتب بدائية ومثلها منظمة الإذاعات الإسلامية .

 

 ماهي الحكم والدروس التي يمكننا أن نستخلصها مما تمر به جارتنا العراق؟
الدرس الأول أن الأمة يجب أن لاتقبل بالظلم من البداية وعليها أن تتكاتف لحل مشاكلها قبل أن تمتد أيدي دخيلة وتعدي على كرامتها وأرضها... أما الدرس الثاني فهو للدول العظمى التي لابد أن تعي أنها مهما كانت قوية فإن قتالها خارج بلادها مكلف ويشكل خسارة عاجلة أو آجلة ... والثالث يؤكد أن أهل العراق قد صبروا كثيراً على الظلم الذي اشتهروا عبر التاريخ بأنهم لايرتضونه على أنفسهم ، أما وأنهم قد اشتموا رائحة الحرية بزوال نظام صدام فسيقاتلوا المحتل من أجلها إلى أن يغادر بلادهم .

 

في ختام لقائنا معكم هل من كلمة أخيرة توجهونها لجمهور الإنترنت من خلال عربيات؟
أقول سعدت بلقائي بكم، وأتمنى من رواد الإنترنت أن يدركوا أنها وسيلة وليست غاية، وأنها بين أيديهم مثل القلم الذي يمكنهم أن يكتبوا به الخير النافع أو الشر الضار.. وعلى من تهيأت له الفرصة بامتلاك هذه الأداة أن يجندها في خدمة وطنه ودينه ولايكف عن تعليم الآخرين .