العدالة لا تعرف العاطفة ولن أنحاز إلا للقانون

أول قاضية في مصر تفتح قلبها لعربيات

خاص: القاهرة - إيهاب سلطان
صور وفيديو

اعتادت على اقتحام عالم الرجال بمناصبه ومسئولياته بعد أن حصلت على ليسانس الحقوق جامعة القاهرة عام 1973م وتولت لفترة قصيرة وظيفة مديرة الشئون القانونية بجامعة طنطا بمحافظة الغربية إلا أنها سرعان ما قدمت استقالتها وتفرغت للعمل كمحامية حرة في عام 1987 لتبدأ مشوارها العملي لتثبت جدارة المرأة على تولي المسئولية التي ظلت لفترات طويلة قاصرة على الرجال فقط حيث تم انتخابها كأول عضوه في المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب لتصبح بذلك أول سيدة مصرية وعربية تنتخب في هذا المستوى بالاتحاد منذ تأسيسه في عام 1944م . 

وبعدها تولت لجنة المرأة في الاتحاد نفسه لتمثل المرأة العربية وأيضا رئاسة لجنة (( مناهضة العنصرية والصهيونية )) بالاتحاد ، بالإضافة إلى عملها كمحاضرة أساسية في مركز التدريب وتكنولوجيا المعلومات التابع لاتحاد المحامين العرب ، وأيضا عضوا بمجلس أمناء المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ، وخبير قانوني في منظمة الأمم المتحدة ومحكم تجاري دولي ومحاضر في المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس وعضو اللجنة التشريعية والسياسية بالمجلس القومي للمرأة الذي ترأسه السيدة سوزان مبارك . 

إنها (( تهاني الجبالي )) أول امرأة مصرية تعتلي عرش القضاء المصري من بنات حواء للفصل في القضايا بنص القانون وروح العدل وقلب امرأة يتسع للدنيا كلها لتحسم بذلك كثيرا من الجدل حول مدى أحقية وكفاءة المرأة في أن تحكم بين الناس وتحل مشاكلهم وتفصل في نزاعاتهم . 

وكان لـ"عربيات" معها هذا الحوار الذي استعرضنا فيه حياتها ومشوارها مع القضاء ورأيها في المعارضين لتولي المرأة في مصر عرش القضاء وقد اقتربنا من المستشارة (( تهاني الجبالي )) لنتعرف عليها أكثر . 

 قالت : " أنا من أسرة بسيطة من إحدى محافظات شمال مصر " الغربية " وقد حصلت على المركز الخامس على مستوى الجمهورية في شهادة الثانوية العامة ورفضت كليات القمة وفضلت كلية الحقوق لأهميتها الخاصة عندي وتخرجت فيها عام 1973م وبدأت مشوار حياتي حيث اخترت المحاماة والعمل الحر بعيدا عن الوظيفة ولم أتزوج وتفرغت للعمل وتنبأ لي الكثيرين بالتفوق ". وتضيف : " أنا والحمد لله بطبيعتي ملتزمة ولا أحب  أن ينسب لي أي تقصير فبالتالي أحرص على أن لا أتيح المجال لكي تؤخذ عليّ مآخذ  في حياتي .... وقد قدمت استقالتي من جميع الأعمال التي كنت أعمل بها  لأتفرغ حالياً للقضاء ، وأنا على ثقة بأنها ستكون مهمة شاقة في حياتي ولم أكن أتوقع أن أكون أول من يتولى هذا المنصب في مصر". 

ما إحساسك بتولي هذا المنصب الهام ؟
أنا فخورة باختياري لهذا المنصب الرفيع الذي أعاد الأمور إلى نصابها بالنسبة للمرأة المصرية وجاء مؤكداً على  دورها في المشاركة بالحياة العامة كمثيلاتها في مختلف دول العالم .... كما يعد استمرارا لتبني الدولة لقضايا المرأة باعتبارها ركيزة أساسية في المجتمع فالمرأة نصف المجتمع وتتمتع بقدرات خاصة ولابد أن تنال كافة حقوقها . 

كيف تم اختيارك لمنصب القضاء ؟
تم اختياري بناء على قرار لجنة تم تشكيلها لهذا الغرض ... وكان هناك العديد من المرشحات  اللاتي  لايقلل اختياري من كفائتهن فالكثيرات منهن  مؤهلات  لهذا المنصب حيث توجد بينهن  الدبلوماسية والمحامية وأستاذة القانون في الجامعات المصرية . 

ما هي مؤلفاتك وأبحاثك القانونية ؟
ليست لدي كتب ولكن لي 29 بحث في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وكلها متعمقة في القانون . 

من مثلك الأعلى ؟
مثلي الأعلى كل امرأة مجتهدة أجد فيها مساحة الالتزام حتى ولو كانت بسيطة فالملتزمة انظر إليها باحترام وأحترمها لأنها قدوة. 

يستند العديد من معارضي عمل المرأة في القضاء إلى تعارض ذلك مع التشريعات الإسلامية فكونك أول قاضية في مصر وسيدة قانون ماهو ردك على هذا ؟

أي أمر يتعلق بالمرأة لابد أن يواجه بالرفض من بداية طرح قضية تعليم البنات ووصول المرأة إلى البرلمان وتعينها في الوزارة ولكن تجد من يدافع عنها خاصة من الرجال أصحاب العقول المتفتحة واختلاف الأئمة رحمة الله عليهم لأن كل قضية عليها إجماع ومعارضة والدين الإسلامي الحنيف أنصف المرأة وجعلها نصف المجتمع كما لا يوجد نص قرآني يمنع تعيين المرأة في القضاء ويقول الله في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " فقد أعطى الله عز وجل للمرأة حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء " حيث أعطى حق الإفتاء للسيدة عائشة وسيدنا عمر بن الخطاب فقد أعطى القضاء في السوق لامرأة تفصل فيما ينشب من مشاكل بين التجار ومصر الأزهر لم تر في تعين المرأة ما يخالف الشرع والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً والدين لا ينقص ولا يقلل من شأن المرآة وإنما علا بها ونطالب الآن بتوسيع دورها على كافة المستويات السياسية والدينية والوصول بها إلى أعلى المستويات . 

ما رأيك فيمن يرى  أن للمرأة طبيعة جسمانية وفسيولوجية تختلف عن الرجل و لاتتناسب مع العمل في القضاء؟
هذا رأي خاطئ فالمرأة تتعرض لتغيرات فسيولوجية والرجل قد يتعرض لمرض طارئ وفي كلتا الحالتين يتم ايجاد  البديل والهدف من هذا القول هو الهجوم على المرأة وتقليل شانها ودورها في المجتمع وأنا أرفض ذلك لأن المرأة لها دور مهم وفعال وهي صانعة قرار حتى في بيتها وقد تكون المرأة أعقل من الرجل في كثير من الأمور . 

ما رأيك فيما يتردد أن المرأة تغلب عليها العاطفة وهذا قد يحول بينها وبين الحكم العادل ؟
العدالة ليس فيها أي نوع من العطف والمرأة قد تكون عاطفية في منزلها ومع أولادها ولكن ليس في ساحة القضاء ... الله خلق لنا جوارح ومشاعر سواء للرجل أو المرأة  ولكن هذه المشاعر تتباين حتى بين أبناء الجنس فيوجد الرجل الجياش ذو العواطف وتوجد المرأة التي تلقي برضيعها في الشارع وقد تقتله لرغبة في نفسها . 

طبيعة العمل القضائي لا تتناسب مع الظروف الخاصة في عمل المرأة بالنيابة العامة والانتقال الدائم إلى مكان الحادث في أوقات عصيبة وقد تحقق في قضايا مخجلة مثل هتك العرض والاغتصاب وغيرها من القضايا الحساسة فما رأيك في ذلك ؟
العمل القضائي حلقة متكاملة فهو ليس شخص فقط حيث توجد الطبيبة الشرعية التي تنزل إلى أماكن الحادث ويتم عمل محاضر الشرطة بناء على تقرير الطبيب أو الطبيبة ثم يأتي حكم القاضي كما أن المرأة عندما تعمل في النيابة العامة فلا مانع أن تنتقل إلى مكان الحادث تحت أي ظرف ويكون ذلك تحت حراسة أمنية ، والمرأة تصلح للعمل في كل شيء وبنفس الكفاءة فهي  أثبتت نفسها في مناصب عديدة  ويكفي أنها وصلت في سوريا على سبيل المثال إلى أعلى درجات  القضاء حيث تتولى منصب النائب العام " غادة مراد " وهي سيدة من أكفأ  النساء العاملات  في مجال  القانون وحكمت في العديد من القضايا الشائكة إحداهما قضية إعدام ، كما توجد الكثيرات غيرها في الأردن واليمن وتونس .

 

 

الحكم في القضاء يتطلب السرية والمداولة بين القضاة الرجال وهذه العملية عليها تحفظات شرعية  بالنسبة للمرأة وتثير الشبهات فما رأيك في ذلك ؟
القضاء ليس شخص أو اثنين لكن قد يصل إلى خمس أشخاص بأعضاء النيابة و الحديث الشريف يقول ما اجتمع رجل وامرأة إلا و كان الشيطان بينهما حتى ولو كان يدرسها القرآن ... والتداول ليس خلوة وإنما مجموعة من القضاة ... وأنا حريصة على إسلامي والإنسان الشريف شريف حتى ولو كان بين مجموعة من الأسود فلا أرى مجال لوجود  هذة الشبهات . 

تعيين المرأة في النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة لا يعني صلاحيتها في النيابة العامة أو القضاء العادي لاختلاف طبيعة العمل بينهما فما رأيك في ذلك ؟
المرأة المصرية والعربية قادرة على تتحمل كل شيء وتحت أي ظرف سواء في داخل أسرتها أو في العمل وهي أفضل نساء العالم .... ووصول المرأة إلى قمة القضاء في مصر وهي المحكمة الدستورية هو دليل على قدرتها في العمل القضائي ، كما أن وصول المرأة إلى منصة القضاء سوف يؤدي إلى أن تدفع من الأنظمة السياسية التي تحقق مكانة المرأة وتزيد من فعاليتها . 

أليس من الصعب أن تجمع المرأة بين عملها في القضاء ودورها الأساسي في المجتمع كزوجة وأم وهو الأهم ؟
نحن نعلم أن دور المرأة الأساسي هو الأسرة ولكن ما هو المانع في توليها منصب قضائي !!!المرأة وصلت إلى الكثير من الدرجات العلمية فهي أستاذة جامعية ووزيرة وموظفة وكل هذه الأعمال ليس لها تأثير على أسرتها وحياتها تسير بشكل طبيعي ...  كما أن المرأة بحكم طبيعتها كأم وكمربية يساعدها هذا  في عملها القضائي بما لديها من إحساس وشعور وهو أمر لا يجعلها أقل كفاءة من الرجل . 

هل تخططين للوقوف إلى جانب المرأة المصرية وحقوقها من خلال عملك ؟
أنا سوف أقف بجانب القانون ولست منحازة لامرأة أو رجل ولكن منحازة للقضاء وإذا كان في أحد القضايا شيء لصالح المرأة أقف إلى جانبها ، والعكس صحيح إذا كان الحق للرجل . 

باعتقادك هل المرأة حققت ذاتها في مصر ؟
أنا لا أعتقد ذلك فما زال دورها محدود وقاصر ونسبة تمثيل المرأة في البرلمان لم تصل إلى 2% وهي نسبة ضئيلة جدا كما أن المجتمع لا يزال ينظر لها نظرة متدنية حيث يرى مكانها المنزل فقط وهي نظرة خاطئة في المجتمع المصري . 

ما هي قضية المرأة التي ستولينها اهتمامك ؟
دورها في المجتمع ، فأتمنى أن   تصل امرأة إلى رئاسة الجامعة أو منصب المحافظ كما سوف أطالب بأحقية المرأة في الحصول على اجازات في العمل اكثر من الرجل ... و سوف أهتم بموضوع محكمة الأسرة الذي تسانده الحكومة المصرية من خلع وغيره والحد من ظاهرة الطلاق التي أدت إلى زيادة عدد الأطفال المشردين .