دار الحنان التجربة لا المدرسة فحسب

مقدمة

رانية سليمان سلامة

هي دار الحنان، ابنة عفت، وأم مدارس البنات السعودية.

عرفتها، مدرسة التحقت بها.

عشقتها، تجربة فريدة عشتها. 

افتقدتها، عندما غادرتها خريجة.

وذكرتها، عندما غابت شمسها في يوبيلها الذهبي عن الإشراق على أول أيام الدراسة، فرفعتُ رثائي لها في الصحيفة مقالاً، وإذا بي أجد الرثاء يغدو  شراعاً من أمل في نفوس خريجاتها.

 

اقتربتُ من (مجسها) استرق السمع لنبضها، فوجدته مفعماً بالحياة بالرغم من غيابها عن ساحتها.

نبضها، كان رسالة حاولت توثيقها على شبكة الإنترنت في ملف إلكتروني.

رسالتها، كانت مغلّفة بعبق التاريخ وأمل المستقبل.

أملها، كان كبيراً وإيمانها بوطنها وببناتها كان كفيلاً بإعادة بناء لبناتها.

 

تلك هي قصتها باختصار، وبين الألم والأمل كنتُ أقف عندما استدعتني الأستاذة فائزة كيال للقاء الأستاذة سيسيل رشدي، التي بشّرتني بعودة دار الحنان، وكلّفتني بإعداد هذا الكتاب.

حلمي، كان أن أقدم شيئاً لداري.

سعادتي، كانت أن أحظى بهذا التكليف، غير أنها سعادة تلعثمت بغصّة الخوف والحيرة التي بدأت بمحاولة معرفة أي التجارب أصعب؟

عندما علّمتني دار الحنان كيف أكتب أول حروف اللغة؟ أم عندما واجهتُ لحظة كتابة أول حروف كتابها؟

عندما علَّمتني كيف أقرأ؟ أم عندما أردتُ أن أقرأ كل تفاصيل مسيرتها؟

 

أدركتُ بعد مشوار طويل من البحث أن دار الحنان قصة لن أكتبها، ولكني قد أُعيد قراءة تجربتها مع رموزها وروّادها على صفحات هذا الكتاب. 

وهي قراءة حرة، تبدأ بصوت أبطال القصة، ولا تنتهي عند الصفحة الأخيرة؛ لأن المسيرة مستمرة بمخرجاتها، والمجس يواصل معها تسجيل قراءاته.

لم أشعر أن دار الحنان كانت بحاجة لمن يكتب تاريخاً يصطف إلى جانب كتب التاريخ على أرفف الذكريات، فتجربتها كانت ـ ومازالت ـ تستحق أن نعيد قراءتها، ونغوص في أعماق بحورها لنستخرج كنوزها. 

من ذلك الإحساس تغيَّرت رؤيتي لكتابها، ولم يكن ذلك غريباً، فلطالما غيَّرت دار الحنان في نفوسنا مفاهيم عديدة.

قالوا قديماً: (مَن علَّمني حرفاً صرت له عبداً)، بينما علَّمتنا دار الحنان أننا بالعلم نملك الحرية المؤطّرة بالمسؤولية، غيّرت اعتقادنا بأننا عندما ندين لشخص، أو صرح بمعروف نشعر بالانكسار أمامه، وجعلتنا بامتناننا لعطائها نرفع رؤوسنا زهواً وفخراً واعتزازاً بانتمائنا لها.

هي التجربة لا المدرسة فحسب، وهي وليدة حلمٌ رائدة تعليم البنات في المملكة العربية السعودية الأميرة عفت الثنيان ـ يرحمها الله ـ التي أرادت أن تتيح التعليم لكل بنات جنسها، فسعت حتى أسّستها كدار للرعاية، وطوّرتها لتغدو أول مدرسة نظامية للبنات، ورعتها لتخرج منها أول كلية أهلية للبنات.

 

قصة بإمكان كل منا أن يرويها من زاوية الرؤية التي يقف عندها. 

ومن زاوية رؤية أبطال هذا الكتاب:

روتها الأميرة لطيفة الفيصل، فوصفتها بأنها قصة تأسيس بلد كان التعليم حجر الأساس لبنائه، وكانت دار الحنان إحدى لبناته.

وروتها الأميرة لولوة الفيصل، فاعتبرتها نتاج قرار اتّخذه الوعي الاجتماعي.

وروتها السيدة سيسيل رشدي، عن معمل صغير ظل يطوّر أدواته؛ لينتج الكوادر النسائية الفاعلة، ويستحدث برامج تهدف إلى المساهمة في سد حاجات الوطن، والارتقاء بمخرجات التعليم الذي لا ينفصل عن التربية.

وروتها السيدة فائزة كيال، مستعرضة صوراً قديمة كلّما مر عليها الزمان تظهر لها أبعاد جديدة، وتتضح معها معالم الواجهة التعليمية والتربوية التي رسمتها الأميرة عفت لدار الحنان.

 

دار الحنان

 قصة روتها للوطن أكثر من 3000 خريجة، ورأيناها مجسّدة بإنجازاتهن في مختلف المجالات.

ومجتمع صغير رفع راية العلم، وترسخت في نسيجه قيم المساواة، ومفاهيم التعايش الحضاري بأرقى صوره.

وريشة ظلت ترسم ملامح شخصيات بناتها، وتصبغها بألوان التجربة، لتهدي اليوم للوطن خلاصة تلك التجارب الفريدة التي تم تطبيقها بنجاح على أرض الواقع، فكان من بينها:

  • ـ البرامج التربوية الهادفة لاكتشاف المواهب وصقلها في مختلف المجالات الاجتماعية والعلمية والأدبية والفنية والإعلامية.
  • ـ إدخال التربية البدنية والأنشطة الرياضية لمدارس البنات.
  • ـ تكوين الثقافة الانتخابية لدى طالباتها من خلال الانتخابات السنوية للطالبة المثالية.
  • ـ تعليم أسس البحث العلمي وتطبيقها من قِبل طالبات جميع المراحل الدراسية.
  • ـ التجربة الكشفية التي تؤهل الفتاة لمواجهة الظروف الطارئة، وممارسة العمل التطوّعي، والاحتكاك بمختلف الثقافات.
  • ـ إدخال اللغات منذ المرحلة الابتدائية دون أن تطغى على اللغة العربية.
  • ـ إشراك الطالبات في تحمّل مسؤولية إدارة المدرسة وتنظيم فعالياتها.
  • ـ تحويل الشعارات إلى ممارسات.

 

تجارب عديدة كان لكل منها بصمة على المسيرة، وعلى حياة الخريجة، وعلى صفحات وطن آمن معها بأن المرأة في نهضته شريكة.

دار علم كانت عنوان الريادة، تسرد قصتها اليوم وهي على مشارف المستقبل الذي يولد من رحم تاريخها بثوب حديث، وتأبى إلاَّ أن تكون في نفوسنا دار الحنان التي ولدت لتبقى وساماً خالداً على صدر الزمان.