لغات التواصل الإنساني 2000م

رانية سليمان سلامة

للتواصل الإنساني ملايين اللغات التي تجسد مشاعرنا وتعكس فكرنا،فالفطرة الإنسانية تقتضي التعبير والبوح عن مكنونات النفس، وهكذا نحيا ككائنات اجتماعية اختصها الله بالعقل المحرك والقلب الخافق والأساليب المختلفة للتواصل.


التواصل الذي هو في الواقع حاجه ملحة تنشدها النفس لتأنس وتستوي بها الحياة. منذ ولادة الإنسان ينطق ويصرخ... يفرح ويغضب... يحب ويكره، وتتطور هذه المشاعر المجسدة مع مرور الوقت؛ لتزداد المقدرة على التعبير مع تقدم العمر والخبره والنضج والعمق.


ولكي نتواصل هناك أولا لغة اللسان الذي يحكي ويصيغ الكلمات بسلاسة وهي الوسيلة الأسهل للتعبير مع أنها يعيبها انحصار استيعابها على أصحاب اللغه التي تنطق بها فان تحدثت بالعربية لايفهمك من يتحدث الفرنسية وهكذا الهوية والثقافة تتحكم في الأشخاص الذين تتمكن من التواصل معهم باللغة واللهجة التي تجيدها باستثناء الأصوات المتشابهه كالضحك والبكاء.
 

ثم تأتي لغة الجسد والإشارات فكل إيماءة وحركة من أطرافك تشكل لغة بحد ذاتها ويكفي أن تراقب شخصاً ما لتفهم من حركات رأسه وأصابعه مايريد أن يقول وتعرف من طريقة جلوسه وملامح وجهه حالته النفسية... لعل لغة الجسد علم يحتاج للدراسة يتخصص به البعض لمساعدة الصم والبكم أو للتحليل النفسي لكن بتلقائية يستطيع أن يفسره أي إنسان بالفراسة والإدراك دون تعمق في الأمور النفسية.
 

ويأتي دور الكتابة ففي العصور القديمة كان الإنسان يلجأ لنقش مايجيش في صدره على الحجر أو يحفره على الرمال ولا يأبه للرياح التي تمحو ماحفر لأنه قد داخله إحساس بالراحة في لحظة تمكن فيها من البوح بطريقته، ثم جاء القلم لتنشأ بيننا وبينه علاقه فريدة ويصبح الأداة التي تعزف بين أناملنا سيمفونيات المشاعر والأفكار التي يخطها على الورق لتكون رسول التواصل بيننا.
 

واليوم اقتحمت حياتنا لغة جديدة للحوار ألا وهي لغة الإنترنت وإن صح التعبير فهي لغة الكيبورد (لوحة المفاتيح)، فالكيبورد هنا يحاول أن يسرق دور القلم ليعلن عن وسيلة جديدة لصياغة الحروف، ومع أنها لغة وليدة لم يتعدَّ عمرها السنوات إلا أنها شاعت وانتشرت وصادقت الأنامل… واليوم هاهي تقتحم عالمنا العربي العاشق للحبر والورق، وهاهي الصفحات الإنترنتية تثبت تواجدها وتقف بمواجهة المطبوعات الورقية لتثري المنافسة وتفتح مجالات جديدة بوسائل حديثة تصب كلها في مصلحة اللغات الإنسانية للتواصل والتخاطب وتعطينا مساحة أكبر للبوح وتعلمنا لغة الحوار البناء المباشر التي نتمنى أن نعتاد عليها ونجيدها لنواكب العصر والتطور التكنولوجي بطريقه حضارية راقية.
 

وتبقى لغة أخيرة هي أعذب اللغات وأصدقها، ألا وهي لغة العيون، فصمتها حروف تنطق، وبريقها بالحب يشع، وبالسعادة يتراقص، وبالحزن والألم يخبو وينكسر.


وحدها العيون تتخطى كل اللغات وتغزو كل الحصون فتلتقي في لحظة لتحكي بلمحة مايعجز عنه اللسان وتتسلل الى أعماق النفس لتقول كلماتها الخاصة جدا والصادقة جدا، فهي لغة لاتعرف الكذب ولا الرياء… مرآه صافيه تعكس مباشرة كل المشاعر وتبوح بالأسرار.


وأخيرا وقد عز الحديث وخاصم القلم الورق وتباعدت المسافات لتحتجب العيون، فلا أملك إلا الكيبورد لتكون لغة التواصل، ووقفة البوح، ومحطة اللقاء الفكري في أول أعداد مجلة عربيات.
وأرجو أن تكون دقات كيبوردي خفيفة.


نغم الحروف:
قالت:أحبك، كلمة امتهنها البشر واستخدموها لكل غرض فإن أردت أن تقلها لاتتلعثم بالحروف… امنح فرصة لعينيك كي تقلها وتحملني برحلة داخل قلبك لأرى مكاني فيه.