مازالت بعض مهرجاناتنا تراهن على عروض الألعاب النارية

تصدير واستيراد السياحة

رانية سليمان سلامة

أؤمن بأن أهم روافد المعرفة هي فرصة تجمعنا بأصحاب الخبرة والتجربة... تلك قناعة ترسخت بداخلي بعد أن شعرت أنني كنت أتجول بين فصول كلية للسياحة تجسدت مناهجها في تجربة رجل واحد هو الشيخ عبدالمحسن الحكير، ومع حلول الصيف وجدت أنني أتصفح من جديد صفحات تلك التجربة اللافتة في قطاع السياحة والترفيه وأقتطف من كتابها بعض التعاريف والأفكار والرؤى وأنسج عليها الأحلام:

- (السياحة هي امتداد للضيافة التي تعد جزءاً من عاداتنا وتقاليدها العربية الأصيلة، وهي كذلك وسيلة الشعوب والقبائل ليتعارفوا).

- (المملكة مثل القارة، كل منطقة على خارطتها لها خصائصها وكل مدينة فيها تتميز عن الأخرى وتتوفر لها عناصر الجذب السياحي).

- (نحن بحاجة لوجود مطارات تخدم المناطق السياحية بالإضافة إلى توفير خدمات أساسية مثل الطرق المعبدة ووسائل النقل وغيرها ليتمكن المستثمر في هذا القطاع من تقديم مشاريع ناجحة).

- (مادمنا نصدّر السياحة سنوياً للخارج فبوسعنا أن نستوردها وبوسع المواطن الذي يحتك بالآخرين في الخارج أن يحتفي بهم في الداخل).

- (بامكاننا أن نصبح أكبر دولة سياحية في العالم لو نجحنا سنوياً باستقطاب 5% من إجمالي تعداد المسلمين عن طريق استثمار المناسبات و المواسم الدينية المختلفة وتسهيل الزيارة مع عروض خاصة تتضمن برنامجاً متكاملاً للسياحة الدينية والترفيهية والثقافية والاجتماعية في مختلف مناطق المملكة على مدار العام).

- (المهرجانات لابد أن تتعامل مع طابع كل مدينة كعنصر جذب ترتكز عليه الفعاليات، وبآلية ترى التنوع مصدر ثراء والمواسم فرصة احتكاك).

- (ارتقينا مادياً وتراجعنا اجتماعياً) كانت تلك الإجابة الأخيرة مختصر قراءة الشيخ عبدالمحسن الحكير لعدد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي ألقت بظلالها علينا واستهدفت من ضمن ما استهدفت الإجهاز على مفهوم «الترفيه العائلي» الذي يؤكد أنه كان جزءاً لايتجزأ من حياة المواطنين في مختلف مناطق المملكة على مر التاريخ مستدلاً بمناسبات مثل قطف الثمار في نجد وأيام الحصاد في الجنوب وغيرها من الاحتفاليات الكبيرة التي كان يشترك فيها الرجال والنساء والكبار والصغار دون أن تخدشها ممارسات خارجة أو تجاوزات دخيلة.

- كنت بحاجة لمراجعة هذه الرؤى وغيرها لأحتفظ بالأمل بعد أن أقبل صيفنا الساخن وانطلقت مهرجاناته وواكب ذلك عدولي عن فكرة الانضمام لنادي (صيفكم في بيتكم) الذي قصت شريط افتتاحه مبكراً خسائر سوق الأسهم، فاتخذت قراري بالسفر دون أن يداخلني شك في أننا قد أصبحنا على موعد قريب مع فرص سياحية جديدة توطن لها الهيئة العليا للسياحة ويساندها رجال الأعمال بوعيهم الاستثماري ويستوعبها المجتمع.

- واعتبر هذا العام فرصة ضائعة لكرة جذب سياحي لم تصب هدفها لتستدرج جمهورها نحو خوض تجربة السياحة الداخلية بعد أن تمسكت مهرجاناتنا الصيفية باعتقادها أن مجرد إقامتها سيسهم بإنجاح الموسم السياحي بينما في الواقع لو نظرنا لأهم المدن حول العالم التي تستقطب السائح السعودي لن نجد فيها مهرجانات!!.

- أما التسوق فلايزال عبارة عن تنزيلات على بضائع كاسدة بغرض تصريفها لو قسناها بموسم تنزيلات في لندن على سبيل المثال سنجد أن الأمر مغرٍ للحد الذي قد يدفع بالبعض إلى قضاء ليلة افتتاح التنزيلات أمام بوابات متجر (هارودز) للحاق بفرصة فريدة تمكن المواطن والسائح من شراء سلع ثمينة بأسعار زهيدة.

- ومازالت بعض مهرجاناتنا بعد سنوات طويلة تراهن على عروض الألعاب النارية وتبذل مجهوداً خارقاً للإعلان عن فعاليات ترفيهية للصغار وثقافية للكبار أغلبها متوفر على مدار العام ويندر أن تجد بينها جديداً أو مثيراً يلفت اهتمام المواطن عوضاً عن قدرته على دفع السائح لشد الرحال إلينا.

- ولا أدري لماذا شطح خيالي فتصورت أن هذا الصيف سيحمل لنا مفاجآت خارقة للعادة تضع بعين الاعتبار مايبحث عنه السائح السعودي في الخارج وتعمل على توفير البديل له باستثمار مواقع سياحية في الداخل... كان بوسعنا أن نجد مايحفزنا على الانتقال شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، كما كان بوسع أجواء أهم المدن العالمية أن تسكن قلب مهرجاناتنا مغلفة بطابع محلي خاص... تصورت أننا قد نجد ساحة تشبه (بيكاديلي) لندن التي لاتعدو عن كونها أرضاً مرصوفة بها مقاهٍ وتبث الحياة من حولها فرق الفنون الشعبية وتجاورها المسارح الفاخرة، ولم أشعر أنه من الصعب أن يشق شارع (شانزيليزيه) افتراضي أحد طرقنا وتتخلله مقاعد الفنانين التشكيليين... كما كان بالإمكان أن يميل علينا (برج بيزا) لنتناول البيتزا تحت ظله، أو أن تعلن مرتفعات الطائف عن انطلاق الجولة الأولى من رحلة منافستها لجبال لبنان بمرافقها ومنتجعاتها، أو أن تشعر معالمنا التاريخية بالغيرة من الأهرامات فتحيط نفسها بأجواء خاصة وأنشطة ممتعة ومفيدة... كما توقعت أن تخجل فنادقنا من عدد ومستوى فنادق مدينة صغيرة مثل دبي.

- لو بحثنا ببساطة عن السائح السعودي في الخارج سنجده متسوقاً في المتاجر، ومن رواد المقاهي وهواة اكتشاف المطاعم والتعرف على الفنادق، وسنجده في قاعات السينما والمسارح والمتاحف، كما سنجده في مدن الترفيه وحول المعالم التاريخية... وسندرك أن كل ذلك قد يكون بمتناوله دون أن يذهب بعيداً بشرطين أولهما أن ينجح في التخلص من حالة ازدواجية تجعله قابلاً للتصدير كأهم سائح بالنسبة لكل دول العالم، ومتحفظاً على استيراد السواح وتقبل الفرص السياحية المحلية... وثانيهما أن تتوفر سريعاً البنية الأساسية للمشاريع السياحية التي نتطلع أن ترتقي إلى مصاف منافسة المشاريع السياحية العالمية.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ