تهجين اللغة العربية

غزو (المولات) وأخواتها

رانية سليمان سلامة

بعد جولة مكوكية بين المول الفلاني والمول العلاني لم يتمالك سائق إحدى السيدات نفسه, فعبر عن دهشته التي أرفقها بالتكبير حتى لا تصيب سهام كلماته أحدهم بالحسد وقال: (يبدو أن عائلة (مول) ثرية جداً فهي تملك جميع مراكز التسوق في جدة)... تذكرت تلك القصة وأنا أقرأ رسالة وصلتني من القارئ (محمد سليمان) يناشد فيها معالي أمين مدينة جدة بتغيير كلمة (مول) إلى (مركز) أو (مجمع)... وتذكرت معها مقالاً كتبته قبل عام تقريباً في زاوية الصوت المبحوح بعنوان (فرمتت اللغة العربية) أبحث فيه عن مصدر الكلمات العجيبة التي غزت اللغة العربية مع اقتحام التكنولوجيا حتى أصبحنا نشنف آذاننا بتشخيص خلل أجهزة الحاسب الآلي (بالتهنيق) ووصف العلاج لها (بالفرمتة) وما هما إلا كلمتان باللغة الإنجليزية بذل فيهما صاحب براءة الاختراع مجهوداً جباراً لإضافة التفعيلات العربية لهما ليطمس علم التعريب ويشوه اللغة التي تتغنى بثرائها حتى غدت مسخاً لا معنى لكلماتها ولا مدلول لها إلا لدى من يحسن فنون تغريب اللغة العربية, وهو على ما يبدو أحدث العلوم التي بوسع الإنسان أن يكتسب خبرة فيها بمجرد أن يحفظ قاعدتها الأساسية التي تقوم على استبعاد فكرة التعريب تماماً مع الاكتفاء باستخدام الكلمات الأجنبية أو تهجين اللغة بمفردات عجيبة.

وأعود لرسالة القارئ الكريم الذي يتساءل عن سبب عجز التجار ورجال الأعمال عن ترجمة كلمة (مول) ويبحث دون جدوى عن علاقة منطقية بين مظاهر التطور والتقدم والمسميات الأجنبية التي نرفض دون مبرر ترجمتها عند كتابتها بالعربية... موضحاً المقصود بالمبرر باستشهاده بتجربة الدول العربية التي وقعت تحت وطأة الاستعمار فتعرضت لغة أهلها للتهجين وقاوم الغيورون على اللغة العربية تلك الظاهرة حتى نجحوا اليوم إلى حد كبير باستعادة هويتهم ونفض الغبار عن لغتهم إلا أن بعض الكلمات ظلت عالقة وراسخة ومتربعة على مقعد مرادفاتها العربية... ويستدرك رسالته بالأسى مؤكداً أننا خلافاً لهم لا نملك من الأعذار سوى التقيلد الأعمى. وأشاركه الأسى غير أنني سأطلق خيالي في تجربة للثأر من (مول) وأخواتها اللواتي أصبحن كلمات دارجة نكتبها بالعربية المكلومة بعقوق أبنائها, وسأتخيل أحدهم وقد أقدم على كتابة كلمة Marka) أو Mujamaa أمام اسم منشأته التجارية!!.

حتماً لن ينجو من السخرية والتندر بجهله وعجزه عن ترجمة هذه الكلمات... كما سنعتبر تصرفه مستهجناً خاصة أن من لا يتحدث اللغة العربية سيعجز عند قراءة هذه الكلمات (الأنجلو عربية) عن فك طلاسمها لمعرفة إذا ما كانت وصفاً أو اسماً أو فعلاً... وللعجب هنا نسخر ونعتبره جهلاً وهناك نفخر ونعتبره تطوراً ومواكبة للغة العصر.
ولا عزاء للسائق المسكين إذا تطورت ظاهرة (المولات) لتطال الميادين عندها سيقف في حيرة من أمره أمام عجلة القيادة والسيدة تطلب منه الاتجاه نحو (التحلية سكوير) مثلاً!!

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
المصدر: صحيفة عكاظ
[email protected]