الطرق ووسائل المواصلات التي لاتنطبق عليها المواصفات

نقل لايواكب النقلة الحضارية لجسر الجمرات

رانية سليمان سلامة

يستحق كل من أسهم في إنجاح حج هذا العام التهنئة والتقدير... وقد استعرضت وسائل الإعلام عوامل النجاح التي توفرت للحج إلا أنني أود أن أضيف عليها ماهو أهم من وجهة نظري، فالتطور الكبير الذي شهدناه جعلنا نطمئن على أن القادم أفضل وأن المشاريع الضخمة تتحقق بشكل مدروس وتدريجي لنجني ثمارها على المدى القصير أو الطويل.

أما مصدر هذا الاطمئنان فهو أولاً جسر الجمرات الجديد الذي ربما لم يدرك أهميته إلا من سبق له الحج، فهو نقلة حضارية حققت حلماً كان يبدو بعيد المنال وأخيراً أصبح بوسع الحاج أن يرمي الجمرات في أية ساعة من ساعات اليوم دون مواجهة خطر الموت بسبب التدافع والازدحام.

تلك النقلة لم تكن لتنجح في عامها الأول دون توجيه سليم وخطط أمنية وجهود جبارة بذلها رجال الأمن للمحافظة على انسيابية الحركة على الجسر في مسار واحد، وتوفير الأمن للحجاج بمنع اصطحاب الأمتعة، بالإضافة إلى عدم السماح لأي فوج بالوقوف لفترة طويلة في مكان واحد بعد رمي الجمرات حتى لايؤثر ذلك على انسيابية السير... والنتيجة النهائية كانت مذهلة فحتى أضعف الحجيج أصبح بوسعه أن يلتصق بالحوض ليرمي الجمرات بسهولة ويسر حتى في أوقات الذروة... كما تمت السيطرة إلى حد كبير على ظاهرة الافتراش في الساحات المؤدية إلى الجسر، ويبدو أن ذلك قد تم في وقت قياسي فعندما وصل الحجيج إلى منى في يوم التروية كانت تلك الساحات مليئة بالمفترشين الذين تم إجلاؤهم قبل أن يحين موعد رمي العقبة الكبرى.

ما لم يواكب تلك النقلات الحضارية حتى الآن هي الطرق ووسائل النقل، فالملاحظ وجود مساحات شاسعة غير معبدة بين عرفات ومزدلفة ومنى رغم أن عدداً كبيراً من الحجيج يقطعون هذه المسافات سيراً على الأقدام، كما أن حركة المرور تعاني من ازدحام واختناق مما جعل أقصر رحلة قمنا بقطعها هذا العام بين المشاعر المتجاورة تتجاوز 4 ساعات في الحافلة.

ومن المشاهدات البارزة كذلك أنه تم منع باصات الحملات من الدخول إلى منى لنقل الحجاج إلى مكة قبل ثاني أيام التشريق، ونظراً لمعرفة غالبية حجاج الداخل بالزحام الذي تكون عليه مكة عند نفرة المتعجلين والمتأخرين كان الخيار البديل البحث عن وسائل مواصلات عامة أو خاصة تنقلهم من منى إلى مكة للطواف والسعي ثم تعود بهم إلى مخيماتهم في منى وذلك يوم العيد أو أول أيام التشريق... غير أنه لم تتوفر مع الأسف وسائل نقل عامة من سيارات أجرة أو حافلات نقل جماعي أو ربما للدقة (لم تتوفر بشكل كافٍ) مما جعلني وكل من أعرفهم من الحجاج في حملات مختلفة لا نجد أية وسيلة نقل عامة في منطقة تماس منى مع مكة. والبديل كان (شبه وسائل المواصلات الخاصة) التي تشرفت بالتعرف عليها عن قرب هذا العام وهي لمن لايعرفها تتميز بأنها:
ـ قديمة ومطموسة الملامح و لاتبدو آمنة للنقل البشري.
ـ حضارياً غير صالحة للسير في شوارع دولة كالمملكة وفي موسم سياحة دينية يتعرف فيها ملايين الضيوف على بلادنا للمرة الأولى... فهي مركبات أصابتها عوامل التعرية لتفقد أبوابها أو مقاعدها أو نوافذها بل والمدهش أن بعضها قد فقد سقفه ليتحول مع الزمن من باص مغطى إلى مكشوف.
ـ أصحابها يحسنون استغلال ثغرة عدم وجود وسائل نقل عامة بتسعيرة موحدة للنقل فيبالغون في الأسعار وليس أمام الحاج سوى النزول عند رغبتهم أو العودة من حيث أتى... والمؤكد أن مبلغ 500 ريال الذي طلبه منا صاحب المركبة المتحركة -التي يظنها حافلة- هو مبلغ يتجاوز المقابل الذي سيحصل عليه إذا حاول بيعها في الحراج.. تقوم بمخالفة صريحة فتكدس الحجاج بداخلها وفوق أسطحها... تجربة فريدة أن تكون بداخل المركبة فتجد من يتعلق بمؤخرتها أثناء سيرها منادياً (إلى الحرم بعشرة ريالات) لتدرك أن صاحبها لم يكتف بتأجير التجويف الداخلي وأراد استثمار السطح ليلحق (أشباه المنتحرين) بهذه الفرصة الاستثمارية ويقفزوا للأعلى وتتدلى أرجلهم عند (شبه النوافذ) التي تجلس خلفها.. غالبية سائقي السيارات والحافلات الخاصة بحاجة لمن يدلهم ويرشدهم على الطريق... فتقريباً جميع الحافلات التي أقلتنا ضلت الطريق!! و يبقى أطرفهم (الباص الدوار) وسائقه الأسطورة الذي أراد أن ينقلنا -بكل ثقة- من مكة إلى منى فكانت النتيجة أننا أصبحنا معه ركاب أول باص يدور في نفس الشارع حول نفسه ثم يدور حول مكة وعرفات ومزدلفة لساعات قبل أن نتداركه وهو على وشك الدخول في طريق الطائف، ليتدارك بدوره هذا الخطأ ويعكس المسار ببساطة على جسر في مواجهة حافلات قادمة من الاتجاه المعاكس.

أجمل ماتتعلمه في الحج هو أن تتمالك أعصابك حتى لايفسد حجك، فتتقبل كل ذلك بهدوء أو تتبنى قاعدة شر البلية ما يضحك... أما بعد انقضاء الحج فلاشك أن المسؤولين قد أدركوا أن وسائل النقل التي تسير على الأرض لم يعد بوسعها استيعاب كثافة الحجيج وفي السنوات القادمة قد تتفاقم هذه المشكلة مع زيادة السعة الاستيعابية لجسر الجمرات والمشاعر وذلك يتطلب العمل سريعاً على إيجاد وسائل مواصلات تحت الأرض كالقطارات أو في الجو لتجاوز مشكلة الاختناقات المرورية كما تم تجاوز مشكلة الاختناقات عند رمي الجمرات، كذلك لابد من بناء جسور وأرصفة آمنة للمشاة، وتحديد مواصفات للمركبات التي يسمح لها بدخول المشاعر المقدسة في أيام الحج فلايسمح للحافلات التي يعود تاريخ تصنيعها إلى أكثر من عقدين من الزمان أو التي لم تخضع لصيانة وتحصل على تصريح يفيد بأنها مؤهلة لنقل ضيوف البلد الحرام، مع تفعيل المرور لقانون منع تحميل الحجاج على أسطح الحافلات وفرض غرامات على المخالفين للقضاء على هذه الظاهرة غير الحضارية، وأخيراً أن يخضع سائقو هذه الحافلات لاختبارات قبل منحهم التصاريح للتأكد من معرفتهم بالطريق أو تفعيل ودعم أنظمة الملاحة وتحديد المواقع GPS وفرض وجودها في الحافلات حتى لا تضل الطريق.

 


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ