نحتاج الى نشر ثقافة التعويضات والترويج لها

التعويضات.. ختم الجودة المفقود

رانية سليمان سلامة

استبدلت الشبكات الاجتماعية الإلكترونية الهتافات التقليدية للمحتجين والتجمعات الشعبية للمتظاهرين بآلية حديثة تعتمد على صرخات لوحة مفاتيح الكمبيوتر المعبرة عن الاعتراض في الساحات الافتراضية التي تستوعب اجتماع الملايين دون وقوع أحداث شغب تترتب عليها أضرار جسدية.

الشبكات الاجتماعية مثل موقع facebook أعلنت نجاحاً ساحقاً لآلية التظاهر والاحتجاج الجديدة وقد ظهر ذلك جلياً بعد المظاهرة الإلكترونية التي تبناها طلاب الجامعات البريطانية ضد بنك عريق قرر تغيير اتفاقيته الخاصة بمنح طلاب التخرج خاصية (السحب على المكشوف) لمبالغ محددة يتم تسديدها بدون فوائد تقديراً لتكاليف الدراسة ومايتبعها بعد التخرج من عدم وجود وظيفة أو أمان وظيفي لافتقاد الخبرة، ولأن البنوك يحق لها ما لا يحق لغيرها فقد اعتمد البنك التغيير بأثر رجعي ليصبح على الطلاب تسديد مبلغ 140 جنيهاً استرلينياً سنوياً عن المبالغ المسحوبة، ولكن (مش كل طير يتاكل لحمه) فالطلاب أشهروا سلاحهم الجديد وأطلقوا حملة الكترونية شارك فيها الآلاف للاعتراض على قرار البنك المفاجئ والمطالبة بمقاطعته.

الصحف البريطانية قامت بتغطية واسعة للحملة.. والمفاجأة!! البنك لم يتجاهلها أو يبرر قراره مدافعاً عن نفسه، كما أن المدير لم يخرج إلى وسائل الإعلام مصرحاً بأنه لايرد على الأشباح ولا يتفاعل مع الحملات المغرضة التي تحاول تشويه سمعة البنك بل نشر إعلانه بكل ثقة قائلاً “ لسنا أكبر من أن نستمع إلى شكاوى عملائنا ولذلك تم إلغاء القرار وتعويض المتضررين منه وإعادة الفوائد لمن قام بسدادها وسيتبع ذلك التواصل مع اتحاد الطلاب لمعرفة مرئياتهم قبل اتخاذ قرارات من هذا النوع”.

مايشغلني حقاً هو أن لهذا البنك الذي يملك جسارة العدول عن القرار احتراماً للعميل فروعاً في العالم العربي. ولكن لو أن حملة من هذا النوع انطلقت ضده أو ضد غيره من البنوك أو الشركات فقد تكون ردة الفعل إغلاق موقع الاحتجاج الإلكتروني أو ربما محاسبة المطالبين بالمقاطعة والمساهمين في تشويه السمعة، وبين الحالة البريطانية وحالات أخرى لا أدري ماهي أوجه الاختلاف؟! هل هي سياسة البنوك نفسها؟ أو الجهات الرقابية؟ أم أن العميل والمواطن تختلف النظرة إليهم وإلى حقوقهم باختلاف المكان؟.

يشغلني سؤال منذ نكسة الأسهم الشهيرة حتى الآن عن التعويضات التي كان يفترض تقديمها لعملاء البنوك الذين ظلوا يتكبدون الخسائر من وقت لآخر بسبب أعطال أنظمة البنوك الإلكترونية أثناء ساعات التداول، وإن كان هذا الأمر قد وقع لبعض العملاء خلال الأسابيع الماضية وبررته الجهات المعنية بتبادل الاتهامات في ما بينها دون تقدير لحجم الخسائر فلن أنسى أبداً أول أيام (النكسة السوقية) في عام 2006م عندما أصيبت كافة أنظمة التداول على الانترنت وعبر الهاتف وفي صالات البنوك (بالسكتة التداولية) لمدة يومين تقريباً دون أن يتم إغلاق السوق أو تعديل النتيجة وكأن المؤشر غير مرتبط بنظام التداول الذي يتعطل بينما المؤشر ينزف وحده والمساهم يتحمل الخسارة دون أن يملك حق اتخاذ قرار في أمواله المحجوزة بسبب الخلل.

يشغلني أمر البنوك التي غيرت وخفضت وألغت نسب التغطية المفروضة على الأسهم آنذاك لتفرض على أصحاب التسهيلات البيع بخسارة.

وبعيداً عن البنوك لا أدري إن كانت الأخبار التي تطالعنا من وقت لآخر عن حالات تسمم بسبب تناول وجبة في مطعم أو منتج منتهي الصلاحية أو إساءة معاملة تنتهي بتعويض مناسب للضحية.

ومجدداً لا أدري إذا كان لدينا أساساً قانون تعويضات، وإن وجد لا أعرف هل العيب فيه وفي تطبيقه أم في ثقافة المجتمع التي تنص على أن “العوض على الله” و”الحساب يوم الحساب” بالرغم من أن التعويض النفسي والمادي حق شرعي للمتضرر.

ولا أدري إن كان لدينا من يطلق عليهم بـ (صناع الأمطار) أو محامين مختصين في قضايا التعويضات بوسعهم الاقتصاص للعميل من أي ضرر أو حتى اختلاقه لتغريم الجهة المسؤولة، ولكن المؤكد أنهم لن يخاطروا بقبول القضايا في مقابل الحصول على نسبة من التعويض لعدم وجود تجارب سابقة أو كافية تثبت بنجاحها إمكانية انتصار المواطن البسيط على الشركات الكبيرة وحيتان التجارة وهوامير الاستثمار، كما أن المتضرر غالباً لايملك أتعاب رفع قضايا من هذا النوع فيؤثر أن (يبلع العافية) بعد (تغميسها) بالضرر النفسي أو المادي.

أعتقد أننا اليوم بأمس الحاجة لنشر ثقافة التعويضات والترويج لها وإحداث محاكم مختصة للنظر فيها بشكل سريع وميسر ليس لإحقاق حق المواطن فحسب ولكن لأنها كفيلة برفع مستوى الخدمات حتى تحمل ختم الجودة، فعندما تعلم أي جهة أو صاحبها أو الموظف فيها بأن سيف الغرامات سيقص أرباحها عندها فقط سيبدأ التفكير آلاف المرات قبل الخطأ بحق العميل أو التساهل في مستوى الخدمات أو عدم الالتزام بالمواصفات.

 

رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ